بثلاث كلمات فقط يحاكي المثل العربي “الغريق يتعلق بقشّة” الحالة المتدهورة لشخص مفلس من فرص الحياة لا يرى سوى قشة أمامه بين تلاطم الأمواج فيظنها فرصته الأخيرة للنجاة.
على هذه الحال لم يكن المذعور الإسرائيلي يعرف ماذا يفعل قبل أن يقدم له “القشة الحلبية” الإعلامي لدى قناة الجزيرة “فيصل القاسم” حين غرد على حسابه على التويتر قائلاً: “سؤال لمن يهمهم الأمر: ماذا تحمل الطائرات التي تصل إلى مطار حلب السوري بحجة تقديم معونات؟ هل تحمل معونات فعلاً أم أسلحة” ؟!.
ربما لم يكن أحد يعلم من يقصد فيصل القاسم بكلمة “من يهمهم الأمر” قبل اليوم، ولكن الكل أجمع أنها عبارة مثيرة للريبة، حتى اتضح اليوم أن الذي يهمهم الأمر هم حكومة نتنياهو.
السماء تسقط هذه المرة!
لم يكن الحلبي النائم في إحدى الخيام المنتشرة في حديقة بستان القصر أو ملعب الحمدانية أو أي مكان آخر يعلم أنه سيستيقظ على زلزال من نوع آخر يفزعه حتى في أكثر الأماكن أمناً فلا جدران أو أسقف تسقط فوق رأسه، لكنه شعر من هول الانفجار أن السماوات ستسقط هذه المرة، أما الحلبي الراقد في منزله فحكاية الانفجار له طعمٌ آخر فهو بالكاد استطاع أن يغمض عينيه في جو من التوتر والتوقعات والتصدعات وخبايا الزلزال التي لم تنتهي، وبينما جميع سكان حلب استفاقوا مفزوعين خشية احتمال وقوع زلزال آخر تناقلته الشائعات إلا أن صوت الانفجار أنبأهم أن هذا الزلزال لم يسقط الأسقف والمباني هذه المرة ولكنه أسقط شريان حياتهم ومتنفسهم الوحيد في ظل الحصار الخانق وهو مطار حلب.
وبعد ذلك جاء البيان ليقطع الشك باليقين ويوضّح النبأ التالي:
في تمام الساعة 2.07، من فجر اليوم، نفذ العدو الإسرائيلي عدواناً جوياً من اتجاه البحر المتوسط غربي اللاذقية، مستهدفاً مطار حلب الدولي، ما أدى إلى حدوث أضرار مادية في المطار وخروجه عن الخدمة.
مالذي يريده نتنياهو من حلب؟!
وبعد أن كشف الحلبيون مالذي يقصده فيصل القاسم بقوله: “لمن يهمهم الأمر” بدؤوا يتساؤلون: مالذي يريده نتنياهو من حلب ؟!
هل حقاً مطار حلب وبعد أن أصبح ممراً دولياً لإيصال المساعدات للمتضررين من الزلزال، يستقبل بين طائرات الجزائر وتونس والعراق وأرمينيا وليبيا والأردن والإمارات وإيران أسلحة؟!، ودون أن يراها أحد؟!
وإن كانت المتهمة هي إيران فأي عاقل في العالم يتساءل أن دولة كالجمهورية الإسلامية الإيرانية وصلت إلى قدرة صناعة رؤوس نووية، وطائرات مسيرة جابهت فيها الناتو في أوكرانيا وكشفت مؤخراً عن قاعدة جوية تحت الارض هل تحتاج حقاً لمطار حلب كي تواجه إسرائيل ؟!
وبينما لا يصدق أحد من الحلبيين هذه البروباغاندا الإسرائيلية الأورينتية يقول رئيس مجلس محافظة حلب محمد حجازي على حسابه على الفايسبوك: “إنه ليس زلزالاً واحداً إنها عشر سنوات من زلازل تهز النفوس والأرواح في حلب.. ليأتي بعدها من يمنع عنها جهود الإغاثة ويدمر مطارها.. إنه الحقد الأعمى للكيان الذي سيزول قريباً على أيدي المظلومين”.
ويقول آخرون من حلب باستهزاء “يبدو أن نتنياهو سمعنا ونحن نشمت بزوجته التي حاصرها المستوطنون في صالون الحلاقة فراح عليها العرس”.
ورغم سخرية الأمر لكن هذه الرؤية ليست ببعيدة فإسرائيل اليوم تعيش أزمة داخلية خانقة حارقة بعد أن تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي صورة شوارع تلب أبيب تغص بالمتظاهرين من المستوطنين الإسرائيليين ضد حكومة نتنياهو وتعامل شرطة ميليشيا نتنياهو مع المتظاهرين ببلطجية ليخلق مشهداً متكاملاً من الصورة التي أرادت إسرائيل رسمها وترسيخها واستمرارها في شوارع البلدان العربية ليخلو لها جو العربدة فانقلب السحر على الساحر، وبينما تناغم الكثير من الشعوب العربية الرافضة للتطبيع مع إسرائيل مع تلك المشاهد المبثة من قلب تل أبيب كان ابتهاج الحلبيون أكبر حيث يعتبرونها مشاهد تثلج صدرهم بعد أن أُذيقوا ويلات الحرب والدمار كرمى لعيون إسرائيل.
بوادر لعنة العقد الثامن تتحقق
منذ عام يتحدث المراقبون داخل الكيان الإسرائيلي عن لعنة العقد الثامن، فما هي هذه اللعنة؟!
يرى المتعمقون في تاريخ إسرائيل أنهم لم يستطيعوا إقامة ما يسمى “دولة إسرائيل” على مر التاريخ أكثر من ثمانين عاماً، ومع تجاوز ال 75 عاماً على الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين يترقبون لعنة الزوال الإسرائيلية معتبرين حالة التفكك والتشرذم والضياع التي يعيشونها الإسرائيليون في الداخل من بوادر هذه اللعنة.
وكذلك، قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في كلمته البارحة أثناء حفل لتكريم الجرحى والأسرى المقاومين: “كل ما يجري هو من مؤشرات النهاية للكيان الصهيوني”، وهذا ما يجمع عليه الكثير من المحللون والمراقبون للشأن الفلسطيني.
ومنذ أن بدأت التظاهرات تجتاح تل أبيب وتحكم طوق الخناق على نتنياهو وتغرقه بشبح الزوال رأى الكثير من السياسيون أن نتنياهو سيلجأ ليرمي كرة النار خارج حدود فلسطين كي يوحد الداخل الإسرائيلي المهترئ ويشتت الانتباه نحو ما يلتهم وجوده، ومع الاعتداء الإسرائيلي اليوم على مطار حلب تصح التنبؤات حيث حاول نتنياهو الغريق أن يتمسك بقشة وهو غير قادر على فتح النار في منطقة قريبة على حدود الأراضي المحتلة كغلاف غزة ولا جنوب لبنان فلم يجد منطقة أبعد من حلب ولكنها لن تصلح لأن تكون قشّة نجاة لنتنياهو فالغرق استفحل حتى الثمالة.