مثلت سوريا أول منطلق لبدء علاقة أمريكا بالشرق الاوسط في مرحلة متقدمة من القرن العشرين، اذ لم تكن لها مصالح كبرى قبل الحرب العالمية الأولى.
لكن مع الازدياد الكبير في استهلاك النفط فيها في عشرينيات القرن العشرين، بدأ الامريكيون في تحدي السيطرة البريطانية الحصرية على الاحتياطات النفطية في الشرق الأوسط.
وتوسعت الاستثمارات الامريكية في نفط الشرق الأوسط طوال الثلاثينيات والاربعينيات من القرن الماضي، ولقد مثل امن المنطقة مصدر قلق استراتيجي كبير للولايات المتحدة، وكانت طوبوغرافية سوريا مثالية للنقل الفاعل والرخيص للبترول، فهي تقع بين “الخليج” والبحر المتوسط مما يجعل البلاد طريقاً مثاليا لخطوط أنابيب النفط ليحل محل الطريق الطويل من السعودية إلى قناة السويس.
وعقب نهاية الحرب العالمية الثانية، برزت الولايات المتحدة الأمريكية بوصفها لاعباً رئيسياً في الشرق الأوسط، وقد خشيت كل من الاستخبارات البريطانية والأمريكية، مع توسع تنافس الحرب الباردة بين الغرب والكتلة الشرقية أن تصبح سوريا دولة تدور في فلك الاتحاد السوفيتي، وتزايدت هذه المخاوف بعد إنشاء خط الأنابيب واعتماد سوريا المتزايد على المال والسلاح السوفيتي.
وبالفعل فد توسع النفوذ السوفيتي بحلول الخمسينات في شكل كبير في سوريا، وقد لبى السوفيات من طرفهم حاجات السوريين ،وزودوهم على سبيل المثال بالاسلحة في الحرب العربية – الإسرائيلية عام 1948م، والتي هي في الواقع مصدرا رئيسياً للخلاف بين الولايات المتحدة وسوريا ولم يخف على واشنطن ان سوريا كلما ابتعدت عن امريكا تقربت من موسكو.
ما أبعاد المشروع الامريكي الإسرائيلي في سوريا ؟؟
لطالما مثلت سوريا مفتاح المنطقة العربية، فعند سقوطها كانت المنطقة باكملها تسقط بعدها بعدد من السنين لايتجاوز أصابع اليدين، والامثلة من التاريخ على ذلك كثيرة.
ولكن الدول العربية المتواطئة في المشاركة في الحرب الكونية على سوريا لم تدرك تلك الحقيقة، وأنه في سقوط سوريا سقوط لهويتهم وحرياتهم وانتماءاتهم، وأنهم كانوا أدوات تستخدمهم أمريكا لتسيطر وإسرائيل على المنطقة وتفرض وجودها لخدمة مصالحها وتجعلهم عبيدا لها.
وموقع سوريا الجغرافي يضعها هدفا لمشاريع إقليمية لأمريكا وإسرائيل، والأخيرة تسعى بخطوات حثيثة لتكون همزة الوصل بين اسيا واوروبا، عبر تدمير سوريا وتطويقها بأزمات سياسية وامنية واقتصادية تحتاج لعقود كي تحل، وذلك لدرء حرب فادمة حول حقول غاز شرق المتوسط، وإظهار نفسها كبديل وحيد وحيد واجباري لهما في مرور الطاقة والتجارة بين آسيا وأوربا.
وتتوافق رؤيتا أمريكا وأوروبا في تعطشها لكسر احتكار روسيا لتصدير الغاز لها.
فإن موقع سوريا على تقاطع خطوط التبادل والتجارة بين القارات الثلاث أسيا وأوروبا وأفريقيا، وانطلاقاً من هذا الموقع الجيوسياسي تهدف الى السيطرة على خطوط الطاقة من الخليج العربي إلى اوروبا عبرها لكسر حاجة العجوز للغاز الروسي واضعاف موسكو وكذلك لجعل الأراضي والمرافئ السورية ممرا لاستيراد وتصدير البضائع الى دول الخليج العربي.
وفي عام 2011م، تسبب نشوب الأزمة السورية، في وقوع أزمة دولية هي الأولى منذ انتهاء الحرب الباردة عام 1989م، وترادف الصراع الدولي على سوريا وهو تطور قد كسر القطبية الحادية العالمية للولايات المتحدة الأمريكية.
قد مثلت دمشق منصة لإعلان صراع دولي – إقليمي بين معسكرين مع امتدادات سوريا محلية لكل منها، وقد تشجع الروس والصينيون على محاولة كسر هيمنة القطب الواحد الأمريكي للعالم من خلال مجابهة واشنطن في الأراضي السورية.
وما تشهده الساحة الدولية اليوم من فشل المساعي الأميريكية في محاولاتها للامساك بزمام الامور، واعادة السيطرة على المنطقة، والتصرف كانها الوصي عليها، والظهور بمظهر الراعي لحقوق الإنسان؛ لدليل على ذلك.
ولقد كان لقمة طهران انس مع روسيا وتركيا بحضور سوري، وكذلك فشلها في الحرب الروسية على أوكرانيا، وأخيرا كما تابعنا عودتها خائبة خجلة من قمة جدة، وفشل مشروع الناتو العربي، حتى صرنا نراها تتبرا من وصيتها وربيبتها إسرائيل باكثر من موقف.
كل تلك الاحداث الملاحقة أخيرا لدليل واضح على تسارع مراحل سقوط العم سام ذلك الطاغية المقنع الخادع، وليس ذلك ببعيد.