هنا في أقصى الشمال الشرقي من سوريا وتحديدا” عند آبار الجزيرة السورية ، أخذت 9 صهاريج و 9 ناقلات محملة بمدرعات عسكرية معطوبة ترافقها مدرعات عسكرية أمريكية تشق طريقها عبر معبر الوليد غير الشرعي بريف اليعربية باتجاه إقليم شمال العراق .
مشهد يتكرر كل يوم والنتيجة واحدة ، قرصنة علنية وانتهاك خطير للقانون الدولي ولاتفاقية جنيف بشأن حماية حقوق المدنيين أثناء الحروب والتي تحظر بوضوح أعمال النهب والمصادرة غير المشروعة للمتلكات العامة والخاصة ، فنهب النفط والثروات الطبيعية لدولة ذات سيادة يعتبر جريمة حرب .
ومنذ أكثر من عشر سنوات من الحروب والمؤامرات على سوريا كانت أمريكا المتربصة صاحبة الحضور الأبرز و المدبر والممول لمعاركها والمستفيد الأول من نتائجها ، فقدمت كل أشكال الدعم اللوجستي والمادي للجماعات المسلحة و للتنظيمات الإرهابية .
اللافت هنا في بداية الحرب على سوريا عندما سيطرت داعش على حقول النفط كان النفط ينقل بصهاريج إلى تركيا ، وتشهد وسائل الإعلام على ذلك ، ليتاجر به النظام التركي .
أما حاليا” فتم عزل تركيا عن حقول النفط وأصبحت أمريكا تنهب النفط السوري بشكل يومي بالتواطؤ مع قسد المدعومة من أمريكا ، حيث تسرق يوميا” ما يعادل 80% من انتاج النفط السوري .
وعلى الجانب الآخر يقف السوريون في طوابير لساعات طويلة في محطات الوقود ، ويذهبون إلى وظائفهم اليومية بشق الأنفس في ظل غياب وسائل النقل التي تفتقد الوقود اللازم لتعمل .
يتجرعون برد الشتاء ويذوقون حر الصيف ، ألفتهم العتمة ولربما تأقلموا معها مرغمين لا راغبين في ذلك .
يقول أحمد و هو طالب بكالوريا : “إن والدي يعمل موظفا” حكوميا” و بعد الظهر لديه عمل إضافي ومع ذلك فإن وضعنا المادي لا يسمح لنا حتى بتركيب البطاريات ( ما يعرف بضوء الليدات ) فهي تحتاج إلى تبديل كل عدة أشهر في حين وصل سعرها إلى 300 ألف ليرة وهذا فوق قدراتنا المادية وعادة ما أستسلم لضوء الشمعة للدراسة و المذاكرة ”
آخرون أسعفهم حظهم و كانوا أفضل حال ماديا” فلجؤوا إلى الاشتراك بالأمبيرات التي لم يستقر سعرها يوما” فهي في حالة ارتفاع مستمر بالتزامن مع ارتفاع أسعار المشتقات النفطية وأصبحت تكاليفها ترهق حتى ميسور الحال حيث وصل سعر الأمبير الواحد إلى أكثر من 28 ألف ليرة أسبوعيا” مما اضطر الكثيرين للاستغناء عنها .
وأما من ضحك لهم الحظ من أصحاب الطبقة الغنية فاتخذوا من ألواح الطاقة الشمسية بديلا” لهم عن الكهرباء و حتى هذه لم تخلوا من العيوب لأنها في فصل الشتاء لا تعمل جيدا” فهي تحتاج إلى شمس قوية لتدوم لوقت أكثر ، ناهيك عن بعض المشاكل الأخرى التي تعاني منها .
من هنا باتت مشكلة الكهرباء ثاني أكبر مشكلة يعانيها المواطن السوري بعد الغلاء المعيشي ولعل رفع تسعيرة الكهرباء الأخير لم يكن ليفاجئ السوريين الذين اعتادوا توقع الأسوأ دائما” فمن البديهي أن يصدر هكذا قرار في ظل غياب مصادر الطاقة وصعوبة استيرادها بسبب العقوبات الاقتصادية وقانون قيصر الذي طال لقمة الشعب السوري ، مشهد هو أشبه بمن يضع يديه على رقبتك ليخنقك ولكن عليك أن تقاوم لتعيش .
ويمكن القول أن المواطن السوري كان ينعم ب “الرفاهية الكهربائية” قبل الحرب ، ويعود ذلك للتقدم الذي شهده القطاع النفطي حيث كان إنتاجه يسجل ارتفاعا” كبيرا” ويحقق الاكتفاء الذاتي ويفي بالغرض ويزيد مما أحدث فائضا” كبيرا” دفع سوريا إلى تصدير الكهرباء إلى لبنان دون التأثير على حصتها منها ، ناهيك عن انخفاض كلفة الكهرباء في ذلك الوقت حيث أنها لم تكن تشكل أعباء تذكر على المواطن السوري.
واليوم يترقب المواطن السوري أي بارقة أمل تنشله من ظلام دامس يعيشه لتعود له أيام النور التي عاشها قبل أكثر من عشر سنوات ، والكلمة هنا للتاريخ وكلمة التاريخ أن لا مفر من هزيمة الاحتلال الأمريكي طال الزمان أم قصر وأن الدول المتخاذلة الصامتة على معاناة الشعب السوري والتي كانت سببا” في مأساته و كفت أعينها عن مشهد سرقة أمريكا لقوت السوريين ستعود قريبا” والندم يعتصرها ولكن هذه المرة بشروط الدولة السورية وعلى طريقتها.