أثارت في الآونة الأخيرة عملية طعن الكاتب والصحفي سلمان رشدي خلافات شديدة في أوساط الناشطين الحقوقيين والمثقفين والنخب مابين مؤيد لهذه العملية باعتبارها دفاعاً عن النفس ومعارض لها باعتبارها عملية إرهابية.
من هو سلمان رشدي؟
كاتب بريطاني من أصل هندي صاحب رواية “آيات شيطانية” التي اشتملت على حبكة قصصية أحدثت ضجة جماهيرية كبيرة سواء على المستوى الشعبي أو في أوساط المفكرين والمثقفين والسياسيين باعتبارها مسيئة للديانة الإسلامية وللرسول محمد صلى ﷲ عليه وسلم.
ماهي مشكلة كتاب “آيات شيطانية” مع قضية احترام الأديان؟
مثّلت رواية المؤلف البريطاني “سلمان رشدي” وجود دار للدعارة في مدينة الجاهلية حيث قصد بها سلمان رشدي مدينة مكة المكرمة أقدس المدن عند المسلمين ووصف أن في دار الدعارة هذه 12 امرأة وكانت أسماءهن مطابقة لأسماء زوجات الرسول محمد صلى ﷲ عليه وسلم وفيه.
فلم تكن تشتمل الرواية تلك على مناقشة أي فكرة تتعلق بالديانة الإسلامية بطريقة موضوعية وعلمية، بل اعتمدت منطق الإساءة والشتم بدون ذكر أسباب منطقية لتلك المهاترة وهذا ما جعلها محل نقد شديد عالمياً من قبل كل المفكرين المنصفين والمدافعين عن قضية احترام رموز الأديان إيماناً منهم بالحرية الدينيةوماتشتمل عليه من أخلاقيات ومبادئ.
ردات الفعل من كتاب “آيات شيطانية” تتجاوز حدود الزمان والمكان والعرق والدين والثقافة
بعد 9 أيام من إصدار كتاب “آيات شيطانية” منعت الهند سلمان رشدي من دخول بلادها وتلقى دار النشر الذي طبع الكتاب الآلاف من رسائل التهديد والاتصالات التلفونية المطالبة بسحب الكتاب من دور بيع الكتب.
وخرجت مظاهرات تنديد بالكتاب في إسلام آباد ولندن وطهران و بومبي ودكا واسطنبول والخرطوم ونيويورك.
كما حصل تطوراً كبيراً في تحول الدفاع عن حرية الأديان وضرورة احترامها من نظريات إلى إجراءات على أرض الواقع من خلال حرق أعداد كبيرة من الكتاب في برادفورد في المملكة المتحدة في 14 يناير 1989وصولا إلى صدور فتوى من الإمام الخميني عام 1989 بتحليل دم سلمان رشدي وهاتان الحادثتان لفتتا نظر وسائل الأعلام الغربية بشدة.
كما تعرض الكتاب للنقد من قبل كبار الأدباء باعتبار أن الأدب وسيلة لتعزيز قيم الحضارة وليس مطيةً للعودة إلى منطق الغابة
فقد قال الأديب نجيب محفوظ في رواية رشدي أنها لا تحتاج إلى مناقشة، ولكن إلى محاكمة.
وقال أيضاً: “بعد أن قرأت هذه الرواية، فقد تغير رأيي تماماً لقد وجدت أنها لا تمت للفكر بأي صلة، بل إنها مجموعة من السباب والشتائم المرفوضة بكل المقاييس”.
وأما الاديب واللواء السوري مصطفى طلاس فقد ألف كتاباً بعنوان “رد على الشيطان” يدافع فيه عن الحرية الدينية ضد “آيات شيطانية”
حيث كان مصطفى طلاس بعيد النظر وثاقب الوعي في فهم حقيقة سلمان رشدي التي تجاوزت اعتباره كاتب أو صحفي بل كان مشروعاً تدعمه الدول الغربية التي عرف عنها إفشاء منطق الكراهية في العالم من خلال كل ممارساتها المعهودة.
هل سلمان رشدي مجرد كاتب؟ ولماذا تُصرف ملايين الدولارات على أمنه؟
لم يحصل كاتب أو صحفي من قبل على الاهتمام والحماية الأمنية الشديدة التي حظي بها سلمان رشدي.
فحسب مذكراته ظل رشدي حوالي عقد من الزمان مختفياً عن الأنظار في بريطانيا ينتقل من منزل إلى منزل تحت اسم مستعار هو “جوزيف أنطون”، لدرجة أن رجال الشرطة كانوا يرافقوه في “الحمامات” خشية اغتياله، فقد أولي رشدي بحراسة أمنية بريطانية مشددة، حيث يكلف ذلك السلطات البريطانية ملايين الدولارات.
وبالرغم من إهمال الدول الغربية لحقوق الصحفيين في كل مكان من العالم حيث يتعرض الصحفيون للملاحقات والاستهدافات نتيجة لدفاعهم عن حرية أقلامهم وأحقية كلامهم إلا أن منظمات حقوق الإنسان لا تحرك ساكناً، ومن ذلك ما تعرض له الصحفيون في سورية من استهدافات أودت بحياتهم كالمراسلة الإخبارية السورية يارا عباس، وفي فلسطين لم تستطع الدول الغربية الداعمة لغطرسة الكيان الإسرائيلي أن تمنعه منتوجيه ترسانته العسكرية إلى صدور الصحفيين والتي كان آخرها اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة والتي تحمل جواز سفر أمريكي.
إلا أن السياسة البريطانية والغربية اختلفت في قضية سلمان رشدي هذه المرة حيث اعتبرت حماية هذاالكاتب واجب وطني بسبب ما ورط به نفسه من استثارة مشاعر المسلمين حيث صدرت فتوى بحقه من قبل “الإمام الخميني” للحفاظ على هيبة مليار ونص مليار مسلم بالعالم.
الدول الكبرى وسياسة الكيل بمكيالين أمام القيم الكبرى
يعتمد الغرب على هيمنته وفرض ثقافته وسياساته في العالم على تفصيل مفاهيم وقيم تتعلق بالمبادئ الإنسانية النبيلة على مقاسه الضيق والذي لا تتسع سوى لمصالحه.
في جعل الغرب من إهانات سلمان رشدي للحرية الدينية حرية تعبير في الوقت الذي لا أحد يجرؤ انطلاقاً من المبدأ نفسه أن يتحدث عن محرقة الهولوكست مثلا ً.
وبينما يقبع من طعن سلمان رشدي بالسجن، يتربع قاتل الصحفي جمال خاشقجي على عرشه ويصافحه منظروا حقوق الإنسان وحرية التعبير في الدول الغربية.
بعد 30 عاماً على روايته “آيات شيطانية” لماذا يُطعن سلمان رشدي الآن؟!
بحراسة أمنية مشددة من حوله يطعن سلمان رشدي أكثر من 10 طعنات في جسده بمكان عام ممتلئ بالناس.
فلماذا وقف حراس الأمن حوله مكتوفي الأيدي حتى تجاوز عدد الطعنات في جسده العشرة؟!
هل أصبح اليوم سلمان رشدي ورقة محروقة لدى بريطانية؟!
وهذا شأنهم في التعامل مع كل من يعمل لصالحهم كأداة لتنفيذ مشاريعهم ثم ينتهي دوره بحكم توازنات جديدة أو معادلات مختلفة تفرض نفسها.
أم تريد بريطانيا أن تحدث ضجة عالمية تصرف فيها أنظار الرأي العام عن كثير من الأحداث الهامة التي تستجد في المنطقة؟
أم تريد ضخ المزيد من سموم التحريض على الكراهية بين شعوب العالم ؟
كل تلك التساؤلات لا تغني عن حقيقة واحدة ومطلقة ولا تسقط بالتقادم وهو أنه لا يستطيع أحد أن يسيء لشعوب بأكملها بدون مبرر موضوعي ومنطقي وبإلقاء الشتائم والتهم جزافاً ثم لا يأتي اليوم الذي تنتقم فيه تلك الشعوب لعزتها وكرامتها وهويتها.