الدستور الأمريكي واحد من أقدم الدساتير المكتوبة في العالم والذي تم إقراره عام 1784 ولم يطرأ عليه منذ ذلك الوقت سوى بعض التعديلات، كان أهمها التعديل الذي كان عام 1791 والذي تضمن “وثيقة الحقوق” التي هي جوهر الدستور الأمريكي الذي يتغنى بالحقوق والحريات و التي ضمنها للمواطنين الأمريكيين وبشّر بها كل سكان الأرض.
بيد أن ميزان العدل الأمريكي يحمل في إحدى كفتيه تلك الحقوق التي ذكرناها وما صاغته من أسس ومبادئ في دستورها المستلهم من أفكار الفلاسفة والمفكرين يقابلها في الكفة الأخرى ما حققته أمريكا من قوة عسكرية هيمنت بها على العالم إضافة لاستخدامها القوة الناعمة من خلال نشر أفكارها التحررية والإنسانية كما تدعي.
مبادئ أمريكا الإنسانية ذريعة لاستعمار الشعوب:
ما صاغه الآباء المؤسسون الأوائل لأمريكا من مبادئ إنسانية كما يدعون تحول مع مرور الوقت إلى ذخيرة في جعبة أمريكا للتدخل في شؤون الدول الأخرى بحجة حقوق الإنسان بعد أن تحولت أمريكا إلى شرطي العالم ، ورأت أن من حقها أن تحشر أنفها في قضايا الدول التي لا تدور في فلك سياستها.
وليس خافياً على أحد إلى أين أوصلت العالم هذه السياسة الأمريكية وشماعة حماية حقوق الإنسان التي ترفع لوائها متسائيلين هل تحقق هذه السياسة للإنسان إنسانيته؟!!
أمريكا تستعمل شعار حقوق الإنسان كسلاح تضغط به على الشعوب الأخرى خارج الولايات المتحدة كوسيلة ليّ الذراع، وهذا يعني انه ليس حباً في إنسان هذا البلد او ذاك بل لمحاولة تمرير سياسات معينة تخدم مصالح الولايات المتحدة.
فلسطين تعري الديمقراطية الأمريكية:
في المحك كانت القضية الفلسطينية هي القضية الأبرز التي عرت زيف ادعاءات أمريكا منذ نكبة 48 وحتى الآن ، ففي الفقرة الأولى من باب المواطنة والحقوق المدنية من الدستور الأمريكي يعطي الحق باكتساب الجنسية للمولودين في أمريكا ، كما تحمي له حق الحياة والحرية ، فكيف قبل ساسة أمريكا أن يكونوا مخالفين لدستور بلادهم بدعم إنشاء كيان صهيوني على حساب شعب عربي مولود في أرضه أباً عن جد .
سجل أمريكا في دعم ومساندة الكيان الصهيوني وغض النظر عن كل جرائمه ليست وليدة اليوم ، فهي حتى في محاربتها للإرهاب تعطيه تعريفاً مطاطاً بعبارات مختلفة حسب مصالحها وما يخدم سياستها ، فهم يجارون اليهود ويسمون الفلسطينيون إرهابيين بينما ينظرون إلى اليهود بأنهم ذلك الحمل الوديع الذي يدافع عن نفسه.
فكيف يحق لهم أن يساندوا الصهاينة في اغتيال كوادر سياسية وعسكرية من الفلسطينيين في عمليات احترازية؟
أي نوع من الشرائع يؤيد اغتيال أناس لم يكونوا على جبهة قتال ؟ أي نوع من الشرائع تؤيد المحاكمات الغيابية لمثل هؤلاء ويُغتالون وتسفك دماؤهم؟
وفي عودة للوراء نرى أن موقف الولايات المتحدة من المؤتمر الذي عقد في ديربن عام 2001 بشأن مكافحة العنصرية واحد من الدلائل على حجم التواطؤ مع الكيان الصهيوني، حتى أن وزير خارجيتها آنذاك المنحدر من أصول إفريقية “كولن باول” الذي ذاق طعم العنصرية تحدث بكل صراحة أن عدم مشاركة أمريكا بسبب أن المؤتمر سيتضمن عبارات ومواد تدين اليهود وهو ما لا تقبله أمريكا.
ويبقى السجل الأسود لأمريكا في المحافل الدولية التي انصهر فيها الموقف الأمريكي ليغدو صهيونياً أكثر من الصهاينة خاصة في مجلس الأمن حين يوضع الصلف الصهيوني على صفيح ساخن على مرأى العالم لتحديد المواقف من الجرائم المناهضة للإنسانية التي ارتكبوها بحق الفلسطينيين ، ليأتي موقف أمريكا في مواجهة أغلب دول العالم مستخدماً حق النقض الفيتو مظلة تختبئ تحتها كل جرائم الكيان الصهيوني ، ويكفي دلالة على ذلك أن أمريكا استخدمت حق النقض منذ تأسيس مجلس الأمن 79 مرة منها 50 مرة كانت من أجل حماية الكيان من أي إدانة أو قرار يمسه أو يعترف للعرب بحق لا تقبله.
ليبقى هذا الحق الممنوح لأمريكا في هذا المجلس سيفاً مسلطاً على رقاب الفلسطينيين ومظلة أمان تحتمي به عصابة الإجرام في “تل أبيب” ، هذا الغطاء الذي وصل حد الوقاحة بتصريح البيت الأبيض الذي خرج منذ أيام يتحدث عن تعمد المقاومة الفلسطينية قتل المدنيين مقابل عدم وجود أي دليل يثبت تعمد الكيان قتل المدنيين، مع تناسي كل حقائق الواقع التي تؤكدها حتى المنظمات الدولية من بلوغ شهداء العدوان الصهيوني من الفلسطينيين حوالي 17000 ألف شهيد أكثر من 70% منهم من الأطفال والنساء جراء مجازر وثقتها كاميرات الإعلام ، ووصلت لكل انحاء المعمورة لكنها لم تصل إلى حجرات “البيت الأسود” في واشنطن.
ختاماً..
ستبقى أمريكا كما تدعي تتمثل شعار العدالة العمياء لكن ليس من باب إنصاف الخصوم إنما كي لا يرى العالم حجم الجرائم المرتكبة بحق الإنسان منها أو بتسترها.