أخبار حلب _ سوريا
لكل مكان تاريخ ولكل حدث أثر ولدى الخوض في مواهي التاريخ ومذاهب تفسيره ومناهج البحث فيه؛ تظهر أهمية تأريخ هذا التاريخ، فكيف إن كان المؤرَّخ عراقة مغزولة في أقدم حاضرة مأهولة في التاريخ في حلب.
حلب المدينة العريقة التي لم تترك جانباً من جوانب التاريخ، إلا وحفرت فيه نقشاً، ولا ميداناً من ميادين الأصالة إلا وكان لها فيه صولاتٌ وجولات كما أن ذاكرة المدينة تتكئ على أبواب تسعة، فيها من كل ضربة سيف، أو سقطة رمح، أو طلقة منجنيق، أثر أو حفرة أو ندبة.
ومن أحد أهم أبواب هذه المدينة العريقة، “بابُ المقام” الذي أنشئ أيام حكم الملك الظاهر غازي، واختتم هذا الإنشاء أيام ابنه الملك العزيز بن الظاهر غازي؛ وتم تجديد هذا الباب سنة 420 للهجرة، وأعيد تجديده كذلك أيام الملك نور الدين الزنكي، أما بالنسبة للتسمية التي أطلقت على هذا الباب، فقد جاءت من كونه يتجه إلى المقام الذي ينسب إلى إبراهيم الخليل، والموجود في جنوب مدينة حلب، والمسمى مقام الصالحين كذلك.
أما بالنسبة لتصميم هذا الباب، فهو يتألف من ثلاثة مداخل رئيسية تتجه نحو الجنوب، والمدخل الأوسط مبني على شكل قوس هندسي مزين بزخارف وشعارات تعود إلى العهد المملوكي، وكان مخصصاَ لمرور العربات والفرسان، والمدخل الأيسر مخصص لمرور المشاة لمنع حدوث الازدحام في المدينة القديمة، وهذا الباب كباقي الأبواب يؤدي إلى مركز المدينة.
وينسب إلى باب المقام أيضاً، “حي باب المقام”، إذ يقوم هذا الحي على طرفي الجادة العظمى، بين الباب المذكور وقلعة حلب، ويضم حارة الحوارنة، ولايزال محتفظاً بنسيجه العمراني القديم إلى اليوم؛ كما لابد من التعريج على الأسماء الأخرى التي أطلقت على هذا الباب، إذ دعي ب باب نفيس، والباب القبلي، وذلك نسبة لتموضعه في الجهة الجنوبية من المدينة.
ويذكر أن أحد أهم أوابد حي باب المقام الأثري هو مسجد ومقام الأربعين؛ الذي بني في القسم الغربي من الباب الأثري، ويُحكى أن أربعين قطباً من الأولياء قد دفنوا فيه، وعلى الجانب الشرقي من الباب قسطل، بناه المقر السيفي الأشرفي نائب القلعة عام 831 للهجرة، إلا أنه هدم مؤخراً لكن الكتابة باقية.
يكثر الحديث ويجف المداد فلكل حجر قصة، ولكل نقش تاريخ؛ فالمدينة تركت وراءها وهجها الممتد إلى اثني عشر ألف عام؛ فاستوعبت حضارتها تجارب الشعوب والأعراق والأديان والمذاهب، وصاغت منها قلادة الثقافة العربية الإسلامية بتسامحها ودعوتها للسلام والمحبة، فحلب الشهباء واكبت رحل الدهر، وكانت أم الماضي تاريخها، ووليدة الغد تقدما، وعلاج ودواء من مروا بها، ف الزم أيها المار بهذه العراقة وصية أبي العلاء في رسالة غفرانه :
ياشاكي النوب انهض طالبا حلبا… نهوض مضني لحسم الداء ملتمس
واخلع إذا حاذيتها ورعا… كفعل موسى كليم الله في القدس