أخبار حلب _ سوريا
جميع الدول التي تشكلت في العصر الحديث كان لها مقومات حقيقية من تجانس الشعب والأمة إلى تواجدهم في إقليم معين، إلا أن ما حدث مع الكيان الصهيوني؛ الذي كان وليد الدعايات المضللة التي عملت على تشويه الرأي العام الغربي في النظر لهذا “الشعب اليهودي” أنه الشعب المضطهد والمعذب على هذه الأرض، علماً أن هذه الدعوات سبقت ظهور النازية الألمانية بل وحتى سبقت ظهور مؤسس الحركة الصهيونية العالمية ” تيودور هرتزل”.
هل كان دعاة الحركة الصهيونية يهوداً؟!!
الأكثر غرابة هو أن المروجين لفكرة تأسيس الكيان لم يكونوا يهوداً، وإنما من المسيحيين المتصهينين؛ الذين يمتلكون معتقدات دينية ترى أن تجميع اليهود في القدس، وبناء الهيكل المزعوم مقدمة لنزول المسيح ونهاية هذا العالم، ومنهم الآن الرئيس الأمريكي “بايدن” الذي صرح في أكثر من مرة: “ليس بالضرورة أن تكون يهودياً حتى تكون صهيونياً”.
وقد عزف المؤرخون الصهاينة من اليهود على هذه النغمة بتكريس ظاهرة المآسي والعذاب التي عاشها اليهود خلال مراحل تاريخهم، مسلّطين الضوء على مظاهر البؤس لاستدرار عطف المجتمع الغربي، لما للحزن والبكاء من دور هائل في اجتذاب تعاطف الناس وتسهيل تمرير مشاريعهم الصهيونية بدعم غربي منساق تحت تأثير عقدة الذنب الذي ترتبت عليه، وبات تصديق رواية التاريخ الإسرائيلي الرسمي دون مناقشة وسيلة لتكفير ذنوبهم، وهو ما انتهوا إليه باعترافهم بتأسيس الكيان باعتباره نهاية “لتاريخ الدموع والدماء اليهودية” على حد زعمهم، وبداية عصر التحرر بالنسبة لما اصطلح عليه بـ “الشتات اليهودي البائس” حول العالم.
هل كانت محرقة الهولوكوست المزعومة سبباً لنشوء الحركة الصهيونية؟
رغم كل الحجج التي تسوقها أجهزة الدعاية الصهيونية من مظلومية مستندة إلى الروايات المشكوك بصدقيتها والممنوع فتح النقاش فيها، وهي محرقة الهولوكوست، لكن يبقى الاستناد إليها ضعيفاً، كون مؤتمر الحركة الصهيونية عقد بالعام 1897 وهو ما يعني أن تأسيسها لا يستند لما يتم الترويج له حالياً كنتيجة طبيعية لما قامت به النازية تجاه اليهود على حد زعمهم، وبالتالي ليس الأمر من جهة الغرب تكفير لعقدة ذنب؛ بقدر ما هو تنفيذ لمخطط تم إعداده مسبقاً لزرع الكيان في هذه المنطقة الأكثر أهمية في العالم.
يشتكون من النازية وقد تتلمذوا على يديها!
الحركة الصهيونية رغم ادعائها بأنها ضحية الحركة النازية إلا أن الحركة النازية تعد الملهمة الأولى للحراك الصهيوني؛ حيث اقتفى الصهاينة خطوات الدعاية النازية وعملوا على البناء عليها في ممارسة غسل الأدمغة، وتكوين المفاهيم الجديدة عن مظلوميتهم معتمدة على كادرها من علماء النفس والاجتماع الذين عملوا على تحريف القيم والمفاهيم بما تخدم المشروع الصهيوني، وتصويره للغرب على أن نجاحه هو جزء من نجاح الغرب، وبقاء هيمنته على العالم، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط التي تشكل مصدر الطاقة للغرب.
كما يدرك قادة الصهاينة أنه لا يكفي غسل أدمغة قادة الغرب بقدر ما يجب التأكد من سيطرتهم على عقول المجتمع الغربي بأكمله كي لا يفرز قادة مناهضين لهذا المشروع؛ خاصة مع تطور وسائل الإعلام بما يمكن أن يخرج عن سيطرة دوائر النفوذ الصهيونية العالمية، ولضمان بقاء ترويج هذه المضامين الدعائية؛ فقد أَسَّست المنظمات الصهيونية في أمريكا و”إسرائيل” في عام 2003 “مشروع إسرائيل” (The Israel Project -TIP)، وهو منظمة للدعاية والعلاقات العامة تهدف إلى تحسين صورة إسرائيل والدفاع عنها في العالم عبر مختلف المنصات الدعائية والإعلامية، مع تركيز واضح على منصات التليفزيون الرقمية، مثل “إتش بي أو” (Home Box Office – HBO) و “نتفليكس” (Netflix)، بوصفها منصات أمريكية واسعة الانتشار عالميًّا.
وقد عرضت منصات “تلفزيون الاشتراك والطلب” الأمريكية، “إتش بي أو” و”نتفليكس” ما يزيد عن 20 عملاً من الإنتاجات الصهيونية (أفلام، مسلسلات، وثائقيات) خلال السنوات الخمس المنصرمة.
واحة من الديمقراطية تمطر قنابل وتنبت قذائف!
هذا المشروع هو جانب من مشاريع عديدة عملت عليها الصهيونية العالمية في سعيها لبقاء سطوتها على صناع القرار في الغرب لتلميع صورتها لديهم؛ على أنها واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط والمحاطة بالأنظمة الديكتاتورية القمعية التي تسعى لتدمير هذه الواحة.
كما تسعى الدعاية الإسرائيلية من وراء نشر هذه المضامين إلى إقناع الرأي العام الغربي الرسمي والشعبي خاصة المؤيِّد للنضال الشعبي الفلسطيني؛ بعدم التعاطف معهم مع محاولة إقناع الرأي العام العالمي بأن الفلسطينيين لا يستحقون دولة، كونهم فاسدون متوحشون لا يؤمنون بالقيم الغربية ومفاهيمها.
وتتقاطع هذه المضامين مع الخطاب السياسي الإسرائيلي الذي لا يتوقف عن تحريض المجتمع الدولي وتأليبه على الشعب الفلسطيني ومؤسساته ومقاومته.
كيف تم تجييش العالم لخدمة المشروع الصهيوني؟
ومنذ بدء عملية طوفان الأقصى أدرك الكيان الصهيوني خطورة المؤثرين عبر وسائل التواصل الإعلامي، ولذلك سعى إلى تجييش العديد منهم ضمن استقطابهم من عدة دول غربية؛ برحلات مدفوعة إلى غلاف غزة لزيارة أماكن بعينها لتصوير ما رأوه من دمار أنه بفعل “الإرهاب الفلسطيني” الذي روجت ماكينته الدعائية انهم في مواجهة مع نسخة داعش الفلسطينية.
وهو ما لاحظه الجميع من تحمس العديد من المؤثرين بتبني السردية الصهيونية للأحداث، بالحديث عن المآسي الإنسانية للمستوطنين وما فقدوه من أشخاص سواء بالقتل أو كأسرى لدى المقاومة؛ وصولاً لتبني مراسلي قنوات عالمية لتلك الروايات بطريقة مبتذلة أدت إلى افتضاح تلك القصص سريعاً، مسقطة معها تلك الروايات المختلقة والمراسلين، كما حدث مع عدة قنوات عالمية اضطرت للتنصل من مراسليها بطردهم لكنها لم تعمد إلى تكذيب ما سبق من فبركاتهم عبر شاشتها.
الكيان يشرعن وحشيته بحق الفلسطينيين
كما وقد سعت قيادة الكيان منذ الوهلة الأولى لعملية طوفان الأقصى إلى تحضير العالم لجرائم تم العزم على تنفيذها، لكنها كانت تحتاج للتمهيد الدعائي كي يتقبلها الرأي العام الغربي، ولذلك كان الهدف الأول للكيان هو تجريد أهالي غزة من إنسانيتهم، وهو ما صرح به بكل وقاحة وزير الحرب والإجرام الصهيوني “غالانت” حين قال: “نحن نتعامل مع حيوانات”، مضيفاً أنه لا ماء ولا طعام ولا دواء ولا كهرباء أو وقود لغزة.
هذه التصريحات لوحدها دون تنفيذها كفيلة بأن تحيل من تحدث بها إلى أروقة محكمة العدل الدولية كمجرم حرب، وأن تصبح بلاده محط استهداف العالم كله لانعدام الإنسانية لديه ولتعمده ارتكاب جرائم حرب لن يقبل بها المجتمع الدولي بأي حال من الأحوال.
لكن الصهيوني بما سبق وضخّه من دعايات مختلقة ضد المقاومة، وبما يستند عليه من دعم دوائر صنع القرار في الغرب جعل من تلك التصريحات تمر مروراً لن نقول عنه مرار الكرام كون من يصرح بذلك أو لا يعترض عليه لا يمكن أن يتم وصفه بالكرام.
وكي يحقق الكيان جرائمه مع ضمان عدم المحاسبة كان عليه الاعتماد على آلته الدعائية التي وضع استراتيجيتها لمواجهة أية إدانة محتملة لجرائمه بحق الفلسطينيين، وتعد “الهاسبارا”، وهي أداة الرسائل الأساسية والعلاقات العامة لإسرائيل وسلاحه الفعال في حماية صورته امام الرأي العام العالمي.
والتي تُعد من أقوى آليات الدعاية المعاصرة وأكثرها تعقيداً، إذ تهتم بشرح وتوضيح سياسات حكومات الكيان للرأي العام وبما تسعى من خلاله خلق توافق لتلك التصرفات مع المفاهيم القريبة لدى الغرب.
فهي من كانت وراء شيطنة المقاومة عبر فبركة قصص ذبح الأطفال الصهاينة، واغتصاب النساء، وحرق الرجال أحياء وصولاً لربط حركة المقاومة بالتنظيمات الإرهابية، كل ذلك بهدف تقديم التبرير المسبق لأي عمل إجرامي تنوي ارتكابه بحق غزة وأهلها.
هل نجحت آلية الكيان في الحفاظ على صورته أمام العالم؟!
نستطيع القول بأن عملية طوفان الأقصى لم تلحق الهزيمة بالكيان عسكرياً فقط، بل ألحقت الهزيمة بجهازه الدعائي الذي لم تصمد سردياته المفبركة أمام عدسة المصورين الذين تمكنوا من اختراق دائرة الهيمنة الصهيونية على وسائل الإعلام العالمية، وصولاً إلى إحداث تغير في طريقة تعاطي الرأي العام الشعبي في الغرب مع القضية الفلسطينية من منظور إنساني لا من منظار صهيوني تم فرضه عليهم.
فقد ساهمت “الكذبات” المفضوحة لكبار قادة الكيان في تعرية الرواية الصهيونية لسياق الأحداث؛ منها على سبيل المثال نشر “أوفير غندلمان” الناطق الرسمي باسم “نتنياهو في ذلك الوقت، مقطعاً مصوراً عبر حسابه الرسمي على منصة X مدعياً أنه لعناصر من حماس يطلقون الصواريخ تجاه “إسرائيل” من أماكن مكتظة بالمدنيين.
ولكن تبين لاحقاً أن المقطع المصور ذاته، والذي أُعيد نشره مئات المرات على منصات التواصل الاجتماعي، يعود لعام 2008، وأنه صُور على الأغلب في سوريا أو ليبيا.
وهو ما يعيد لذاكرتنا وسائل الحرب الدعائية التي مارستها المجموعات الإرهابية المسلحة في سوريا عبر المقاطع المفبركة، وهو ما يؤكد أن المطبخ الدعائي واحد للطرفين.
الخلاصة
يمكننا القول بأن كمية القصص المفبركة من قبل الكيان بمثابة “الكذب المسلح” الذي يدفع ثمنه أبناء غزة من دمائهم دون محاسبة المجتمع الدولي للقتلة تحت تأثير تصديقهم تلك الروايات الكاذبة.
حين وصف سيد المقاومة “حسن نصر الله” الكيان بأنه أوهن من بيت العنكبوت؛ كان يعي حقيقة أنه كيان قائم على وهم دعائي في مبررات نشأته، وفي عوامل بقائه، وفي حقيقة قوته.
تابعنا عبر منصاتنا :