أخبار حلب _ سوريا
خاص باخبار حلب
بقلم سمر محمد عكو
7 أعوام مرّت؛ لكن للزمن في وجدان وعقول أمهات أطفال كفريا والفوعة المغيّبين قسراً فلسفةٌ أخرى ومقياسٌ آخر، فالزمن عند “أم محمد” توقف منذ اللحظة التي دوى فيها تفجيرٌ حاقد تبرأت منه جميع الديانات السماوية ولعنته كل شرائع الأرض.
التفجير الملغوم بكل ما شهدته الأرض من حقد على مدى تاريخها رمى بــ ابن “أم محمد” البكر بعيداً عنها، ليقوم المسلحون بوضعه في سيارة بحجة إسعافه، لم تدرك “أم محمد” حينها أن تلك اللحظة ستكون الأخيرة التي ترى ابنها فيها، وأن ليلها سيشابه نهارها وهي تنتظره كل يوم وتتخيله عائداً وقد قرت عينها برؤيته.
تمسح سيدة أخرى دموعها وتتنهد بحرقة “من يعتني بابني الآن؟ من يقوم بتحضير فطوره وكي ثيابه؟” لتدخل بعدها في نوبة بكاء اختصرت أوجاع نظيراتها من أمهات كفريا والفوعة اللواتي لازلن إلى اليوم ينتظرن أبنائهن ويرفعن الأكفّ نحو سماءٍ كانت شاهدة على تفجير الراشدين الذي هزّ وجدان العالم من هول الفاجعة.
أهالي البلدتين تمنوا لو أنهم ظلوا محاصرين على أن تحلّ بهم تلك المأساة، لكنهم في الوقت ذاته سلّموا أمرهم لله في مفقوديهم وشهدائهم متمسكين بوعد الله بالثأر للمظلومين والانتقام من قتلتهم، ولأن الله خيرُ المنتقمين.
مظلومية البلدتين..
إن كنت ممن يقرأ التاريخ جيداً ستُسقط مأساة البلدتين على مأساة وقعت منذ 1400 سنة حين لا ناصر ينصر المستضعفين، ولا شربة ماء تسقي رضيع.
أهالي البلدتين الذين حوصروا من قبل المسلحين في آذار 2015 لأسباب طائفية لم يستسلموا للحصار على شدته وصعوبة التعايش معه، وشكلوا مقاومة شعبية للدفاع عن البلدتين اللتين تعرضتا لمحاولات اقتحام كثيرة، انتهت باتفاق يقضي بإجراء عملية تبادل شملت البلدات الأربع كفريا، الفوعة، مضايا والزبداني وذلك بعد أن تجاوز عدد شهداء البلدتين أكثر من 4000 شهيد و5700 جريح.
اتفاق التبادل أفضى بأهالي البلدين ماكثين 3 أيام في منطقة الراشدين غربي حلب يتجرعون آلام العطش والجوع في باصات يضم كل منها ضعفي ما يستطيع حمله من الأشخاص والمتاع، ولكن الشوق لملاقاة الحرية ولم شملهم مع ذويهم كان أكبر من آلامهم التي احتسبوها عند الله، بيد أن الفرحة بلقاء الحرية وأدها مرتزقة أردوغان على مشارف حلب قبل أن يتسنّ للأطفال معانقتها، ليتفرقوا عن ذويهم بعد أن دوى تفجير من سيارة تحمل أكياس شيبس أغرت معدة أطفالٍ لم يذوقوا الزاد منذ أيام.
حيث استغلّ المسلحون جوع الأطفال بإحضار تلك السيارة وتجميع الأطفال حولها ليقوموا بتفجيرها على الفور يوم الخامس عشر من نيسان 2017، الكارثة الإنسانية لم تتوقف عند التفجير، فبعد أن أفرغ المسلحون حقدهم أخذوا يلتقطون الأطفال المصابة وغير المصابة ويضعوهم في سيارات بحجة إسعافهم ليقتادوهم بعد ذلك إلى تركيا، وفشلت فيما بعد كل جهود ذويهم لإعادتهم أو معرفة أي معلومة عنهم، حيث أكد بعض أهالي الأطفال المختطفين أن أبنائهم كانوا بخير حين جرى وضعهم في سيارات إسعاف تحمل ألواناً مخالفة لألوان الهلال الأحمر السوري.
في مسرح التفجير يمكنك رؤية الأمهات وهنّ يبحثن عن أطفالهن ويصرخن بأسمائهن قبل أن يُجبرن على الصعود مجدداً إلى الباصات دون أن يعرفن مصير أطفالهن، لتسير الباصات تاركةً قلوب الأمهات حائرة بين أشلاء الشهداء التي تطايرت في المكان متسائلين أيٌ منها تعود لأطفالهن ..
المجزرة كان محضر لها بشكل مدروس؛ حيث جرى نصب كاميرات لقناة الأورينت في محيط الباصات ولوحظت تحركات مشبوهة للمسلحين قُبيل التفجير أثارت شكوك الأهالي حول ما الذي يحضرون له.
كان الصمود العقائدي لأهالي البلدتين يقض مضجع أردوغان الطامع بضم البلدتين إلى أراضي مدينة إدلب التي احتلتها مرتزقته، فاحتار في إجرامه وحيّره سِر هذا الصمود الأسطوري ليترجم في تفجير الراشدين عجزه عن احتلال البلدتين.
حيث لم يهدأ غليل إرهابي جبهة النصرة وأتباعهم من اللحظة التي تم فيها اتفاق البلدات الأربع فقاموا بالتخطيط لهذا العمل الجبان الذي استهدف طفولة لم تدرك بعد معنى أن تُقتل أجسادُ غضّة لأسباب طائفية.
لكفريا والفوعة حقٌ على التاريخ والإنسانية لن يُسقطه التقادم، ولن يُباع بدولارات أمريكا، وسيتوارثه أبناء البلدتين إلى أن يأتي اليوم الذي يشهد العالم بأسره انتصار دماء شهداء البلدتين على آلة القتل والتكفير، وتطهير البلدتين من دنس الإرهابيين، ويرونه بعيداً ونراه قريباً.
تابعنا عبر منصاتنا :