أخبار حلب _ سوريا
في مثل هذا اليوم الخامس عشر من أيار عام 1948 حدث ما لم يحمد عقباه، جعل منه يوماً ليس كباقي الأيام، حيث تم تصنيفه كواحد من أكثر الأيام سوداوية في تاريخ البشرية، لما حمله من ظلم جائر بحق أصحاب الأرض والحق والتاريخ؛ يوم تم فيه تحقيق وعد ظالم، مُنح فيها من لا يملك لمن لا يستحق أرضاً محتلة، تم ويتم اضطهاد وتشريد أهلها فكيف تم توصيف ذلك اليوم المشؤوم؟
يوم النكبة عارٌ على جبين الإنسانية
كان إعلان الكيان إنشاء دولته المزعومة في أيار عام 1948 بمثابة كارثة بالنسبة للعرب عموماً والفلسطينيين خصوصاً؛ الذين عانوا في الأشهر السابقة لهذا الإعلان حملة تطهير عرقي عبر مجازر نفذتها العصابات الصهيونية التي كان أشهرها منظمة “الهاغاناه” التي تعتبر أكبر تنظيمٍ عسكريٍ صهيوني بقيادة “ديفيد بن غوريون”، ثم تنظيم “الأرغون” وهو تنظيم يميني أعقبه بعد ذلك حزب الليكود الذي قاده “مناحيم بيغن”، وهذه التنظيمات كان هدفها تطبيق القرارات الصادرة عن القيادة السياسيّة الصهيونيّة والخطط التي كان آخرها قبل انتهاء الانتداب ما يُعرف باسم “الخطة D”، وهي الخطة الرابعة التي لخّصت الخطط كلها، وكان مفهومهاً السيطرة على المكان، وطرد السكّان بعد ترهيبهم بالقنابل والقذائف والألغام، وارتكاب المجازر في عددٍ من القرى والبلدات، ثم عملية هدم البيوت في القرى، لأنّ منازل المدن تُرك أغلبها حتى تُستخدم فيما بعد لتوطين المستوطنين المهاجرين اليهود.
كان الهدف من تلك المجازر هو تحقيق التهجير القسري بهدف تحقيق التعديل الجذري للعلاقات الديموغرافية في الكيان اليهودي المنشأة حديثاً، وإلا سيكون أكثر من نصف سكان الكيان من “غير اليهود”.
وهو ما ركز عليه وحذر منه المؤرخون الصهاينة، وعمل قادة الكيان من أجل تفاديه على تحريك تدفق اللاجئين، والتوسع بارتكاب المجازر التي لم تكن أولها مجزرة دير ياسين الفلسطينية في 9 نيسان عام 1948 _قبل أكثر من شهر من انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين_ وكانت نتيجتها تهجير نحو 300.000 فلسطيني قبل إعلان دولة الكيان دولته المزعومة في أيار عام 1948.
اللجوء والتهجير واغتصاب الأراضي أحد أوجه النكبة التي عاشتها فلسطين
كانت حصيلة المجازر الصهيونية بحق الفلسطينيين مرعبة في ذلك الوقت وسط صمت دولي وعجز عربي عن حماية أشقائهم، وكان نتيجة ذلك نزوح حوالي 726.000 فلسطيني (83% من سكان فلسطين) كلاجئين في فلسطين أو غيرها من الدول العربية المجاورة، وشكّل أولئك الذين لم يفروا الأقلية في الكيان الذي تأسس للمستعمرين اليهود.
ومن أجل إحباط أو جعل الأمر مستحيلاً على عودة اللاجئين تم تدمير أكثر من خمسمئة قرية خالية من السكان لطمس أي معالم لوجودها، وهذا ما جعل الجميع يطلق على ما حدث بالنكبة.
بعد الحرب الخاسرة التي خاضتها الجيوش العربية فيما عرف بجيش الإنقاذ ضد العصابات الصهيونية المنظمة والمدعومة من مخازن الأسلحة الغربية، تم تقسيم أراضي فلسطين الواقعة تحت الانتداب إلى “دولة” الكيان (والتي امتدت في النهاية، بعد احتلالها، إلى 78% من الأراضي الفلسطينية وليس 54%)، والضفة الغربية وقطاع غزة (معاً 22% المتبقية) للدولة الفلسطينية.
لكن ما تحقق هو إنشاء دولة للكيان في حين تم إخضاع قطاع غزة للإدارة المصرية والضفة الغربية مع المقدسات الإسلامية في القدس للوصاية الأردنية.
الويلات التي جرتها النكبة على فلسطين
تعد النكبة الفلسطينية أكبر عملية تطهير عرقي شهدها القرن العشرين، حيث تم تشريد ما يربو عن 957 ألف فلسطيني قسراً من قراهم ومدنهم بقوة السلاح والتهديد من قبل العصابات الصهيونية إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة، من أصل مليون و400 ألف فلسطيني كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية عام 1948، وتم إحلال اليهود مكانهم.
لم يكتفِ اليهود بذلك بل سيطرت العصابات الصهيونية على أكثر من 85% من مساحة فلسطين التاريخية والبالغة حوالي 27 ألف كم2 بما فيها من موارد وما عليها من سكان، أي ما يزيد على ثلاثة أرباع مساحة فلسطين التاريخية.
وكون الكيان يدرك أن تاريخ المنطقة سيفضح زيف ادعاءاتهم، سيطرت العصابات الصهيونية خلال النكبة على 774 قرية ومدينة فلسطينية، وتم تدمير 531 منها بالكامل وطمس معالمها الحضارية والتاريخية، وما تبقى تم إخضاعه إلى كيان الاحتلال وقوانينه.
ولم يكن للكيان تحقيق ذلك التهجير إلا باعتماد سياسة الأرض المحروقة وأعمال جرائم القتل التي ارتكبت فيها العصابات الصهيونية أكثر من 70 مجزرة بحق الفلسطينيين، تمثل كل واحدة منها جريمة حرب، وجريمة بحق الإنسانية، وتصنف في إطار جرائم الإبادة الجماعية.
ختاماً هل انتهت النكبات؟!
لم تنته النكبة الفلسطينية عام 1948، بل تبعها نكبات أخرى مروراً بنكسة عام 1967 التي شردت نحو 200 ألف فلسطيني معظمهم نحو الأردن، خاصة وأن الكيان حتى تاريخه لم يضع حدوداً سياسية لكيانه، ولا يمتلك دستوراً مكتوباً، وهو ما يثبت أنهم مجرد عصابة تحتكم لمنطق القوة لا لمنطق الحجة، متيحاً لنفسه حق التمدد إلى المكان الذي تقدر على سلبه بالقوة، وهو ما ينوي الكيان فعله بضم الأغوار الفلسطينية بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية لإحلال نكبة جديدة بدأت فصولها بإعلان ما يسمى بصفقة القرن التي تم إفشالها، والتي كانت تهدف إلى تصفية قضية اللاجئين وإنكار حقهم في العودة وتقرير المصير الذي يستمد مشروعيته من حقهم التاريخي في وطنهم، ولا يغيره أي حدث سياسي طارئ ولا يسقطه أي تقادم أو صفقات، وتكفله مبادئ القانون الدولي والاتفاقيات والمعاهدات الدولية بالإضافة إلى قرارات هيئة الأمم المتحدة ذات العلاقة ومن أبرزها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948 والذي جاء في المادة 13 منه “أن لكل إنسان الحق في العودة إلى بلاده”، كما أكدت على ذلك اتفاقية جنيف الرابعة وقرار الجمعية رقم (194_د) الصادر بتاريخ 11/12/1948 الفقرة رقم (11) والتي تنص على الآتي: “تقرر وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وعن كل مفقود أو مصاب بضرر، عندما يكون من الواجب، وفقًا لمبادئ القانون الدولي والإنصاف، أن يعوض عن ذلك الفقدان أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة”
ويأتي صمود أهل فلسطين على كل الجبهات في الضفة الغربية المحتلة أو في غزة التي تواجه حرب الإبادة كما هو صمود أهل فلسطين الداخل كتأكيد على رفضهم تكرار أي نكبة أخرى، وإثبات بأن التشبث بالأرض لديهم يسبق التشبث بالحياة.
تابعنا عبر منصاتنا :
تيلجرام Aleppo News
تويتر Aleppo News
أنستغرام Aleppo News