أخبار حلب _ سوريا
هو أكبر خانات “حلب القديمة” التجارية وأهمها من حيث الشكل المعماري والأهمية الاقتصادية؛ تلك الخانات التي لا زالت تشكل معلماً حضارياً وتاريخياً يبرز عراقة مدينة حلب ومكانتها التاريخية بين المدن العالمية المشهورة.
موقعه المميز وقصة بنائه
يتوسط “خان الجمرك” حي “الجلوم” في سوق المدينة أو كما تعرف “بسويقة علي”، خلف الجامع الأموي الكبير.
بناه الوالي العثماني “إبراهيم باشا خان زاده محمد باشا” عام 1547م، وعرف سابقاً بالخان الكبير كونه أكبر خان تجاري في حلب، حيث تبلغ مساحته 6400م2، وسمي أيضاً بخان “الأجانب” لسكنى القناصل الأجانب فيه مع جالياتهم.
وكانت إقامة الجاليات الأجنبية في خانات حلب من صلب الاتفاقيات الدولية المبرمة مع العثمانيين، وبقوا فيها لاعتبارات أمنية واقتصادية حتى سنة 1238هـ/ 1822م حين سمح لهم السلطان “محمود الثاني” بمغادرتها.
وكان الخان مركزاً للفرنسيين والإنكليز والهولنديين يقيمون فيه، وكان يضم مقراً لقنصل الجالية وراهبها ويسمى مقره بالدير تفخيماً، وأصبح الخان فيما بعد المركز الرئيسي للصرافة وبيع الأقمشة بالجملة، وفي سنة ١٩٨١م منع الصرافون من مزاولة أعمالهم فأصبحوا يعملون سراً، وسمي الخان أيضاً بخان الجمرك لتمركز رجال استيفاء الرسوم الجمركية فيه.
يضم هذا المجمع 52 مخزناً أرضياً، و77 غرفة علوية ومسجداً، وهناك على جانبي مدخله سوق الجمرك أو “الهواء” يضم 344 حانوتاً، ومنهلي ماء، بالإضافة إلى ذلك إسطبل وقيسارية تضم 23 مخزناً.
تغير شكله مع الزمن وهندسته المعمارية الفريدة
الجدير بالذكر بأن شكل الخان الداخلي تبدل لما أضافه له التجار والقناصل، وبسبب تعرضه للزلزال الكبير سنة 1238هـ/ 1822 م، وملئت باحة الخان بالأبنية الطفيلية، كما أضيف إليه الكثير من العناصر المعمارية الحديثة كالأدراج الصاعدة إلى الطابق الثاني ومشربيات خشبية.
يتألف المسقط الأفقي للخان من مدخل تليه ردهة مسقوفة بقبة محمولة على الجدران جُعلت مناطق انتقالها بالمثلثات الكروية، يليها على الطرفين سوق خان الجمرك، ويليه مدخل الخان الرئيسي الفخم، وهو مسقوف بقبة ترتفع فوق أربع أقواس كبيرة مدببة، والانتقال من الشكل المربع إلى الدائري يتم بالمقرنصات.
كما يلي ذلك ردهة تسقفها قبوة متقاطعة لها مفتاح على شكل نجمة مثمنة داخلها مقرنصات ودلايات، ومن الردهة يتم الدخول إلى صحن الخان وهو مربع الشكل يتوسطه مسجد الخان.
وعلى طرفي الردهة درجان يصعدان إلى الطابق العلوي الذي يضم محلات تجارية كثيرة، وهناك فوق المدخل قاعة فخمة أعدت لاستقبال التجار من ذوي المكانة الرفيعة، وكانت لفترة مخصصة لسكن القناصل والجاليات الأجنبية، وقد عدلوا في تخطيطها بما يتلاءم مع طريقة حياتهم وذوقهم.
وعموماً فإن الخان يتألف من طابقين أرضي وأول، تتوزع فيهما المحلات التجارية ذات المسقط المستطيل في صفوف موازية للأضلاع الأربع للخان، حيث تطل بواجهاتها على الفِناء الداخلي للخان، ويتقدم المحلات في الطابق العلوي رواق يحيط بالفِناء الداخلي للخان.
بنيت القاعة على المخطط ذي الأواوين الأربعة المتعامدة، سقف القسم المركزي منها بقبة نصف كروية من دون رقبة تقوم فوق إفريز مزخرف بمثلثات كروية، كما سقفت كل من الغرفتين على جانبي الإيوان الشمالي بقبة، وسقفت باقي أجزاء القاعة بقبوات برميلية متطاولة.
مسجد الخان وزخارفه الإسلامية
يقع المسجد وسط الباحة وهو معلق يقع في الطابق الأول فوق دكاكين الطابق الأرضي، وهو قبلية ذات شكل سداسي لها مدخل من الطرف الشمالي الشرقي، وهناك لوحة فوق بابه تذكر أن “محمد ميمة” أشاد هذا المدخل سنة 1410هـ / 1989م.
يسقف المسجد قبة نصف كروية محمولة على 12 قوساً كبيرة مدببة ترتكز على أظفار مقرنصة، وتضم جدران المسجد 7 نوافذ مستطيلة الشكل ومحراباً بسيطاً، وهناك أسفل القبة شريط كتابي ملون بالأزرق والأحمر أزيل نصفه، ويضم القسم الباقي منه أسماء الله الحسنى.
وفي سمت القبة من الداخل زخارف نباتية يحيط بها شريط كتابي باللون الأبيض ضمن 6 مجموعات يتناوب فيها اللونان الأزرق والأحمر جاء فيها: “البسملة، وسورة الإخلاص، وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله إلهاً آخر، صدق الله العظيم وصدق رسوله الكريم”.
كما يحيط بالكتابة رسوم لمزررات باللونين الأبيض والأحمر، وقد كسيت القبة من الخارج بصفائح الرصاص.
هذا وتتألف واجهة القاعة المطلة على الباحة من تجويفين يتوجهما مقرنصات ويضم كل منهما في الأعلى نافذة تضيق واجهتها إلى الداخل “كمرامي السهام”، يعلو فراغها حنية صدفية تتقدمها قوس مفصصة خماسية.
وتحت النافذة مزررات بالألوان: الأصفر والأسود والأبيض، يليها إلى الأسفل نافذة مستطيلة ضمن جدار بنظام الأبلق، وهناك على الطرفين عمودان ملتحمان بالجدار يضم بدنهما ضفائر، ولهما تاجان مقرنصان.
كما تتألف واجهة المدخل الخارجية من شريط هندسي عريض يمتد على طول الواجهة ويضم صفوفاً من الحجارة باللونين الأبيض والأسود “الأبلق”، وفوقه لوحة حجرية كبيرة تضم نقوشاً نباتية داخلها نافذتان ونجمة سداسية، وفي الأعلى شريط من المزررات أسفلها نافذتان بينهما نص باللغة العثمانية والخط العربي يؤرخ المبنى لسنة 977هـ/ 1569م.
مهنة خان الجمرك الأساسية
علاوة على ذلك فإن معظم محلات الخان تعمل في تجارة الأقمشة بالجملة، وتحف بالخان من الزاوية الجنوبية الغريبة ورشات مختلفة لصناعة القماش الخام والخيوط والمطاط وهي صناعات يمكن أن تتوسع وتحتل رقعة أكبر من المدينة مالم تراقب ليتم حصرها ضمن نطاق ضيق أو إلغائها للحفاظ على سلامة منشآتنا القديمة.
وأصبح “خان الجمرك” المركز الرئيسي للصرافة وبيع الأقمشة بالجملة، وفي عام1981م مُنع الصرافون من مزاولة أعمالهم ودوهمت حوانيتهم.
فالمهنة الأساسية “لخان الجمرك” هي بيع الأقمشة بالجملة، حيث تتوزع في محاله التجارية العديد من أصناف الأقمشة وأهمها الأقمشة المصنّعة للبرادي والمفروشات وكل ومستلزماتها التي يقصدها تجار الأقمشة والزبائن العاديين من جميع المناطق داخل “سورية” وخارجها.
وكانت أغلب الأقمشة الموجودة في الخان يتم تصنيعها في مصانع المدينة وكان التجار حين يحتاجون بعض الأقمشة الأجنبية يقومون باستيرادها من الخارج، ولعل هذا قليل لأن أغلب الأقمشة الموجودة هي صناعة “سورية – حلبية”.
وكان أغلب تجار الخان يملكون مصانع خارج الخان تقوم بتصنيع الأقمشة، ومن ثم عرضها وبيعها في الخان، ومن ثم اتجهوا إلى التصنيع عن طريق “المُصانعة” أي يتم التعاون بين شخص يملك المحل التجاري وآخر لديه الآلات ويتم العمل بنسبة لكل طرف.
هذا ولا زال بئر الماء الموجود في الخان يستخدم لجر المياه التي تستخدم في الغسيل والوضوء.
علماً أن الخان كان قد تعرض للتخريب مؤخراً حتى أصبح يحتاج كغيره من المباني العديدة المهمة في مدينة حلب إلى حملة وطنية كبيرة لترميمها وإعادة تأهيلها.
تابعنا عبر منصاتنا :
تيلجرام Aleppo News
تويتر Aleppo News
أنستغرام Aleppo News