أخبار حلب _ سوريا
حلب أعرق وأقدم المحافظات السورية، وهي معروفة وشهيرة منذ القدم بصناعاتها التقليدية، وتعد أهم مركز صناعي في سوريا إضافة إلى أهميتها التجارية والزراعية، ومن أشهر ما يوجد في مدينة حلب قلعتها الحضارية “قلعة حلب”.
وهي قصر محصن يعود إلى العصور الوسطى، تقع في مركز المدينة القديمة، كما تعتبر “قلعة حلب” إحدى أقدم وأكبر القلاع في العالم، ويعود التل الذي تتوضع عليه إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد، والتي احتلتها فيما بعد العديد من الحضارات بما في ذلك الإغريق والبيزنطيين والمماليك والأيوبيين.
وتتربع قلعة حلب على تلة وسط مدينة حلب والصعود للقلعة المهيبة المنظر يتم بواسطة درج أو مدرج ضخم يمر عبر بوابة مرتفعة في الوسط مقام على قناطر تتدرج في الارتفاع حتى البوابة الرئيسة للقلعة، وكانت القلعة منطلق وقاعدة للكثير من الحكام والملوك والقادة وشهدت أهم أحداث الشرق من عصر الآراميين وحتى العصر الإسلامي.
ماذا يحيط بالقلعة وماذا يوجد بداخلها؟
يحيط بالقلعة سور شبه دائري وعدد من الأبراج التي تعود لحضارات مختلفة، ويوجد داخلها مدينة متكاملة من مباني وكنائس ومساجد وقاعات ومخازن وساحات ومسرح وحوانيت والكثير من الأثار.
كما يتكون مدخل القلعة الأساسي من بناء ضخم مؤلف من أبواب ودهاليز وقاعات للدفاع والذخيرة، وفي أعلى هذا البناء قاعة كبيرة هي قاعة العرش التي زينت واجهتها بزخارف حجرية رائعة وغرف وقاعات، وعدد من النوافذ الصغيرة والكبيرة تطل على أجمل منظر في حلب القديمة.
ويوجد داخلها جامعان أقدمهما هو جامع “إبراهيم الخليل” والذي شيده “نور الدين زنكي” عام 1162 ميلادي فوق خرائب كنيسة بيزنطية، أما الجامع الكبير فقد بناه الظاهر “غازي بن صلاح الدين الأيوبي” عام 1210 ميلادي، ويحوي مئذنة مربعه ارتفاعها 20 متر في القسم الشمالي من القلعة وإلى الشرق من المسجد الكبير.
أبراج القلعة الشامخة
وعندما تدخل القلعة ترى أمامك عدد من الأبراج وأهمها البرج الأول، وهو مستطيل الشكل، وقد جدد بناؤه في آواخر عهد المماليك بزمن “قانصوه الغوري”، وتشهد على ذلك الكتابات المنقوشة عليه، وتقوم عليه نتوءات لإلقاء القذائف والحمم الملتهبة على المهاجمين، ويليه بعد مسافة قصيرة البرج الثاني، وهناك برج السفح الجنوبي الواقع خارج السور، والمرتفع على نصف منحدر سفح القلعة في مسافة متوسطة بين الخندق والسور ويتجه بابه نحو الشمال، وهناك برج السور الشمالي والمتصل بالثكنة التي بناها إبراهيم باشا بواسطة درج، إضافة إلى برج السفح الشمالي، الواقع خارج السور في منتصف السفح ويتألف من أروقة وإلى الجنوب منه ممر يقودنا الى البرج البارز الكبير في سور القلعة الشمالي، الذي يعود تاريخ بنائه الى القرن الخامس عشر الميلادي.
الأبواب التي بداخل القلعة
لقلعة حلب خمسة أبواب هامة ومحصّنة وتُضاف لعناصر التحصين وبهذه الأبواب ضمنت القلعة حماية ساكنيها.
أبواب البرج المتقدم وهي عبارة عن بابين:
حيث يضمّ البرج المتقدم للقلعة بابين؛ الأول وهو مدخل القلعة الرئيسي صُنع من “الحديد السميك المطرق”، وهو عبارة عن قطع صغيرة متداخلة، ويشبه الدرع، صنعه “الظاهر غازي”، ويُعتقد بأن هذا الباب نُقل في عهد المماليك من باب الأسدين داخل الباشورة ووضع في هذا المكان ويليه من الخلف وعلى بعد أمتار قليلة باب “خشبي مصفح بالحديد” وهو من صنع “قانصوه الغوري”.
باب التنانين:
نعبر الجسر الحجري الكبير وصولاً إلى الباب الداخلي الأول، ويعرف “بباب التنانين”، وقد نقش في أعلاه أربعة تنانين ملتفة على بعضها بحالة صراع وقد برزت أسنانها بشكل مخيف ولها آذان على هيئة قرون.
باب الأسدين:
هو الباب الداخلي الثاني ، وسمي بهذا الاسم لوجود نقش لأسدين متقابلين جاثيين بينهما زنبقة، ولا شك بأن للأسود رمزية واقية وحامية لأبواب المعابد والقلاع، وله درفتان من الخشب المصفح بالحديد وهو مملوكي العهد، ويقابل هذا الباب من الزاوية الشرقية ممراً سرياً يوصل إلى قاعة العرش عبر قاعة الدفاع الكبرى، وهذا الممر مخصص للملك.
باب الأسدين الضاحك والباكي:
هو الباب الواقع أمام ضريح الخضر ويعلوه نحت بارز على شكل أسدين، أحداهما يضحك، والآخر يبكي، وهو من إنجازات القرن الثالث عشر الميلادي، وباب الجبل الواقع شرق باب القلعة والذي انتهت عمارته عام 1214م أما الباب الشمالي فيقع في الطرف الشمالي لسور القلعة، وباب السر، والذي يؤدي إلى باب الأربعين القريب من حمام السلطان على شفير خندق القلعة من الجهة المقابلة.
الجسر والممر الحجري لقاعات قلعة حلب
يقع في القلعة خمس قاعات رئيسة وهي:
1 قاعة الدفاع الكبرى
وهي مؤلفة من حجرات متجاورة تطل مباشرة على مدخل القلعة الرئيس، وقد زودت بكوات وثغرات بارزة لترمي العدو بحمم القذائف الملتهبة والسوائل النارية والسهام، وهناك قاعة الدفاع الأولى، وحجرات الدفاع والمستودعات وبالإضافة إلى القاعة الكبرى التي تقع تحت مستوى أرض القلعة، يقع في زاويتها الشمالية الغربية “كوة” تؤدي الى مستودع كبير كانت تحفظ فيه الحبوب والمؤن وعلف الرواحل.
2 قاعة العرش
من أهم القاعات وأكبرها، وقد بناها “قايتباي” وكان سقفها مؤلفاً من تسع قباب ترتكز على أربع دعائم ذات زخارف من العهد مملوكي يقع في جدارها الجنوبي نافذة كبيرة تطل على المدينة، وهناك ثماني نوافذ صغيرة أخرى موزعة في أرجائها، كما يوجد القصر الملكي، وهو قصر جميل بابه كبير وفخم تعلوه مقرنصات شيدت بالحجارة السود والصفر على شكل مداميك متساوية، وأرضه مبلطة بالرخام والمرمر والحجر المصقول، يتوسطه حوض ماء، وأنشئ في جداره سبيل ماء إضافة إلى وجود حمام مؤلف من تسع حجرات وحجرة عاشرة لخلع الثياب، وقد جهز بأنابيب مصنوعة من الفخار للمياه الحارة والباردة ويوجد في القلعة مسجد “إبراهيم الخليل”، الذي شيده “نور الدين زنكي” عام 1162 م ثم رمم بعد ذلك مرات كثيرة، إضافة الى الجامع الأموي الكبير، وثكنة “إبراهيم هنانو” الواقعة الى الشرق من الجامع الكبير، وعدد من صهاريج المياه والآبار.
أبواب حلب شرايين المدينة إلى القلعة
ولا بد لنا أن نذكر أن لحلب تسعة أبواب تصل بنا إلى القلعة، بعضها مازال قائماً وهي:
-باب قنسرين: ويقع في الجنوب، وهو يعود إلى الحمدانيين وجدده الناصر يوسف الثاني 654هـ/1256م، ودعمه بطاحونة وأفران ومعصرة وصهاريج وثكنة عسكرية، ثم قام المماليك بترميمات لاحقة.
-باب المقام: سمي بالمقام لأنه يؤدي إلى مقام الصالحين جنوبي حلب، أنشأه أولاً الملك الظاهر غازي وجدد أيام برسباي، ثم أيام قايتباي سنة 898هـ/1493م. وهو يتألف من ثلاثة مداخل عرض الأوسط 4م وعرض البابين الأماميين 2م.
-باب النيرب: وسمي “باب النيرب” بهذا الاسم لأنه يؤدي إلى قرية “النيرب” القريبة والتي كشف فيها بعض التماثيل العائدة إلى الألف الأول قبل الميلاد. وقد اندثر الباب وأزيل أثره.
-باب الأحمر: أنشأه المماليك ولقد اندثر تأتي تسميته نسبة لقرية الحمر وهي قرية في صحراء حلب من شرقها، ويقع بين باب الحديد وباب النيرب.
-باب الحديد: وكان يسمى باب القناة وباب بنقوسا، أنشأه الملك الظاهر “غازي” ورمم عام 917هـ/1510م، وسمي بباب الحديد لأن الحوانيت التي تجاوره كان يصنع فيها الحديد ولا يزال حتى يومنا حدّادون قربه، وكان اسمه باب القناة لأنه كانت تعبر منه إحدى قنوات المدينة.
-باب النصر: أنشأه الملك الظاهر غازي 612هـ/1215م وعليه كتابات تؤكد تاريخه ويضم مقامين واحد لأبي العباس والثاني للخضر، وتم مؤخراً الكشف عن آثار جديدة حول الباب تعود لمئات السنين.
-باب الفرج: وهو من أشهر أبواب حلب أنشأه الملك الظاهر غازي باسم باب الفراديس وكان المماليك قد رمموه تباعاً، ولقد هدم سنة 1904، من أجل التوسعة لم يتبقى منه إلا أحد أبراجه وقد أصبح فندفاً.
-باب الجنان: لم يبق منه إلا البرج الجنوبي ويعود تجديده إلى عام 918هـ/1513م أيام قانصوه الغوري.
-باب انطاكية: ويقع في السور الغربي للمدينة ويؤدي إلى انطاكية، وهو قديم يتألف من برجين بارزين ويقوم الباب بينهما، وهو من الحجارة الضخمة، أنشئ عام 407هـ/1016م ثم جدد عام 792هـ/1389م في عصر السلطان المملوكي برقوق.
الخلاصة
تعتبر قلعة حلب بالنسبة للشعب الحلبي هي البيت الكبير الذي يجتمع فيه كل أبناء حلب، وهي رمزاً لهم، فهي بجذورها التاريخية العريقة كانت دائماً منبراً للعديد من الفعاليات الثقافية والاجتماعية الكبرى التي يحرص الشعب الحلبي على إحيائها، وكأنهم يكتبون سجل حياتهم على حجارة القلعة، ومن أجمل ما قيل عنها: إذا زرت حلب ولم تزر قلعتها، فكأنك لم تزر المدينة الثانية في سوريا، لأنك لم ترى درة المدينة وتاجها ومثار فخرها.
تابعنا عبر منصاتنا :
تيلجرام Aleppo News
تويتر Aleppo News
أنستغرام Aleppo News