تتحضر العائلات الإيرانية اليوم لإحياء أطول ليلة في العام والتي تسمى “شب يلدا أو شب چله” أي “ليلة يلدا” وذلك في 30 من شهر آذر الإيراني والذي يصادف 21 من كانون الأول في التقويم الميلادي.
فبعد أن توقفت هذه المراسم خلال السنوات الماضية بسبب جائحة كورونا، عادت العائلات الإيرانية منذ العام الماضي لإحياءها.
علماً أنّ وهج هذه المناسبة يظهر فاقدًا لبريقه بسبب التكلفة الباهضة التي تتحملها العائلات لقاء تنظيم هذه الطقوس.
وتشير المعلومات حول هذا العيد إلى أنه قبل يومين من أطول ليلة في العام، لم يعد شغف التسوق في أسواق إيران كما كان في السنوات السابقة.
وفي السياق ذاته قال رئيس نقابة تجار الفاكهة والخضروات أسد الله کارکر: “نحن لا نتفق مع زيادة الأسعار، لكن التخفيض المفرط سيؤدي إلى الكثير من الضرر للمزارعين ولن يغطي تكلفة المنتج”.
وتسمى هذه الليلة في إيران والدول المجاورة والتي لها ثقافات مشتركة بليلة “بدء الشتاء” أو “ليلة المربعاني”. ويلدا هي كلمة سريانية وتعني ميلاد أو الولادة وذلك حسب معجم “دهخدا” الفارسي.
ومع تقدّم الدورة الشمسية طوال العام تصل الشمس في آخر الخريف إلى أكثر نقطة انخفاضًا في الجنوب الشرقي فتقل ساعات النهار ويطول الليل.
ولكن مع أول يوم في الشتاء تبدأ الشمس بالعودة نحو الشمال الشرقي في مدارها ليحدث العكس.
حيث تعود ساعات النهار لتزداد ويقصر الليل، وهو ما دفع الناس قديما لتسمية هذه الليلة بيوم ولادة الشمس.
وفي سياقٍ متصل يفيد محمود روح الأميني في كتابه “الطقوس والاحتفالات القديمة في إيران” بأنّ جذور الاحتفال بليلة يلدا يعود إلى ديانة الميترائية في إيران قبل آلاف السنين وهي ديانة متعددة الآلهة حيث تحدثت الأساطير عن أنّ إله النور تفوّق في هذه الليلة على إله الشر والظلام “أهريمن”.
وفي قديم الزمان وقبل ظهور وسائل الإعلام كانت تنقل الثقافات عبر القصص والحكايات من جيل إلى جيل، وليلة اليلدا هي فرصة ثمينة لنقل هذه الحكايات وقراءة الكتب القيّمة لجيل جديد ضمن اجتماع عائلي.
ويذكر أنه من أشهر الكتب التي تُقرأ في هذه الليلة كتب الشعر القديمة لحافظ شيرازي وشاهنامه فردوسي (سير الملوك) والتي تتميّز بدعوتها الناس إلى أعمال الخير، وكما أنها تروي التاريخ وشجاعة الأقدمين.
ومن أجل إضفاء روح جمالية على هذه الليلة لا بد لكل شخص من التفاؤل بقراءة صفحة من كتاب شيرازي. وتتكون سفرة يلدا “سماط يلدا” من الشموع والورود والكتب والطعام، خاصة الرمان والبطيخ الأحمر اللذين يعتبران أساسيين في هذه الليلة.
والجدير بالذكر أنه في هذه الليلة تُجّهز طاولة بلحاف مزركش یجلس خلفها أفراد الأسرة جمیعاً ويقدمون الطعام والفاكهة ويأخذون فأل حافظ الشيرازي. يسهرون هذه الليلة وينتظرون بزوغ الشمس.
ويشار إلى أنّ وجود الرمان والبطيخ الاحمر على مائدة يلدا عائدٌ لكون الرمان هو رمز الفرح والولادة منذ القدم، إذ يؤثر على تنقية وزيادة الدم في الجسم، مما يساعد على تنشيط الفرد.
ومن جانبٍ آخر يعتقد الأقدمون أيضاً بأنّ تناول قليل من البطيخ الذي يرمز للصيف والحرارة، يحمي الشخص من برد الشتاء.
وفي قديم الأزمان كان يجلس أعضاء الأسرة والأقارب حول مدفأة تسمي «الكرسي»، وهي عبارة عن منضدة خشبية كبيرة تسع لعدة أشخاص تُغطّى بقطعة قماش تكون ألوانها زاهية، يوضع تحتها مجمر الفحم الذي يدفئ الغرفة تدريجياً؛ وقد زال هذا التقليد بعد تطوّر أساليب التدفئة وتغيّر نمط الحياة.