أمست مراقبة التطورات الحاصلة والمتوقعة في سياق مسار تطبيع العلاقات السورية-التركية محط اهتمام محلي وإقليمي ودولي.
وغدت على ما يبدو ضرورة لا بدّ منها لكلا البلدين حيث ظهرت نشاطات جديدة ومتزايدة لمسلحي تنظيم “داعش” في مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية – قسد” الجناح العسكري لـ”الإدارة الذاتية” المدعومة أمريكياً.
في حين رجحت الآراء بأنّ عودة نشاط التنظيم ليس وليد المصادفة وإنما يرتبط ارتباطاً مفصلياً بالتغيرات الحاصلة في المنطقة والمتناقضة مع أطماع ومصالح واشنطن في منطقة الجزيرة السورية.
خاصةً أنّ تبريرات وجودها في سوريا مردّه لمحاربة الإرهاب نظرياً غير أنها ترعاه فعلياً!
فماذا يعني إعادة إحياء التنظيم في البادية ومنطقة الجزيرة؟!
فهل هو إبعاد مبدئي لتدخّل الجيش السوري في المنطقة ليبقى التنظيم شمّاعةً لضمان استمرار الوجود الأمريكي وبالتالي استمرارية الإدارة الذاتية الكردية أمّ ثمّة وجود مصالح أكبر تسعى واشنطن إلى تحقيقها؟!
إعادة تفعيل داعش رد أمريكي خطير على تفاهمات دمشق وأنقرة.
هذا ويشار إلى أنّ التوسع الفعلي لمشروع “الإدارة الذاتية” الكردية في تشرين الأول عام 2015 بعد تأسيس جناحها العسكري “قسد” يرتبط على خلفية محاربتها تنظيم “داعش” في عامي (2014 – 2015).
علماً أن ظهور مشروع كانتونات “الإدارة الذاتية الكردية المؤقتة” كان فعلياً في تشرين الثاني 2013 ضمن مناطق ذات أغلبية كردية.
ويشار إلى أنّ الوجود الأمريكي ساهم في تلك المنطقة بتكريس الوجود الكردي ودعمه لحجز عشرات الآلاف من مسلحي التنظيم وعوائلهم في المخيمات وإبقائهم تحت حمايتهما.
وتجدر الإشارة إلى أن إحياء تنظيم داعش اليوم قد جاء في وقت انخفضت فيه حدة الخلاقات بين دمشق وأنقرة وباتت على سكّة المصالح أو التطبيع الأمر الذي بات على ما يبدو يشكل تهديداً للوجود الكردي ورعايته الأمريكية وهذا دفع إلى إعادة استخدام ورقة “داعش” من جديد للرد على هذه التفاهمات.
وبهذا الصدد، تؤكّد أوساط أكاديمية متخصصة في العلاقات الدولية والشأن الكردي أنّ: “ما يجري حالياً في منطقة الجزيرة هو رد أمريكي واضح وصريح على التقارب بين دمشق وأنقرة، والذي إنّ سار في الطريق الصحيح والقوي سيشكل تهديد لوجود القوات الأمريكية في سوريا.
وتالياً إن عودة نشاط “داعش” لا يندرج إلا ضمن سياق تبرير تمديد الوجود الأمريكي شرقي سوريا لتعود واشنطن وتؤكّد للعالم أنّ رهانها في المنطقة كبير وخروجها ليس بالأمر السهل”.
أمريكا لن تخرج من دون تحقيق مشروعها في المنطقة
وفي سياق التناقض بين ذلك والرأي الأمريكي الذي يدّعي محاربة التنظيم وتأكيده على أنّ تعزيز قواته العسكرية في القواعد العسكرية هدفه الحد من ظهور نشاطات جديدة لمسلحي التنظيم.
فإنّ الأوساط الأكاديمية ترى أنّ: “زيادة عدد القوات والعتاد العسكري الأمريكي في المنطقة من المفترض أن تكون نتائجه عكسية أي تحد من ظهور “التنظيم” وليس إعادة إنتاجه من جديد فما يحصل هو محاولة إعادة التنظيم لتعزيز الوجود الأمريكي كما توفر “داعش” للولايات المتحدة ورقة للمشارطة عليها في مناطق أخرى للقوات الإيرانية والسوري؛ إذ إن “داعش” ورقة متعددة الاستخدامات” متوقعة “زيادة نشاطات التنظيم في المرحلة المقبلة في تلك المنطقة”.
ويشار إلى أنه وخلال الستة أشهر الماضية كانت قد أدخلت القوات الأمريكية ما يزيد على 100 آلية من برادات وناقلات محملة بحاويات أسلحة وصناديق ذخائر من قواعدها في العراق عبر معبري الوليد واليعربية إلى قواعدها العسكرية دخل الأراضي السورية.
وفي السياق ذاته يذكر بأنّ: “الرد الأميركي بهذه الطريقة أمر خطير جداً”.
وتوقعت المصادر أنّ : “أمريكا لن تغادر المنطقة بهذه السهولة فهي تريد تحقيق مشروع يشابه ما حصل في شمال العراق”.
لافتةً إلى أنّ: “مواجهة المشروع الأمريكي من قبل كل دولة على حدة ليس أمراً سهلاً فتركيا لا يمكن لها مواجهة ذلك وسوريا بمفردها أيضاً الأمر مستحيل وسيكون لذلك تداعيات كبيرة”.
التفاهمات “السورية-التركية” ستكون أكبر مما نتخيله
ورأت الأوساط الأكاديمية التي -فضلت عدم الكشف عن اسمها- أنّ “هدف التفاهمات السورية- التركية الحالية هو احتواء شيء قبل وقوعه لأنه في حال حصل دون وجود تفاهمات فلا يمكن لهما حله أبداً.
وبناءً على ذلك تظن الأوساط الأكاديمية أنّ “أنقرة ربما تدخل في تفاهمات مع الحكومة السورية أكبر مما نتخيله لأن الخطر الذي بات يلوح في شرق سوريا هو أكبر من التصورات التي كانت تعتقدها مسبقاً”.
وفي سياقٍ متصل حذرت من: ”خطورة الوجود الأمريكي في منطقة الجزيرة والسياسة التي يلعب عليها”.
مبينةً أنّ “وجوده لا يرتبط بالوجود الكردي فقط، وإنما هناك أمور تتجاوز الأكراد؛ فالأمريكي لن يتخلى عن الكرد حتى لو حصلت تسوية بينهم وبين الأطراف الأخرى، إذ ستسعى واشنطن إلى خلق مبرر لوجودها وما يؤكّد ذلك هو القواعد العسكرية التي تزيد دعمها كل مدة.
وعن احتمالات خروج الولايات المتحدة من سوريا ربطت الأوساط الأكاديمية احتمالية تحقيق ذلك بالتنسيق السوري-التركي القوي الذي من الممكن أن يشكّل ظرف من شأنه أن يدفع القوات الأمريكية للمغادرة بهجمات منسقة أو زعزعة لمناطق وجودهم، فيما تظن في الوقت ذاته أنّ :“هذه الورقة أيضاً ليست سهلة بل خطيرة لأن الأمريكي لديه أوراق قد يستخدمها في مناطق أخرى قد تؤثر سلباً في تركيا وتدخلها بأزمة داخلية جديدة بغنى عنها حتى موسكو اليوم لا ترغب في ظل ظروفها بتحريك أوراق خطيرة ولكن في حال تغيرت الظروف الأمر يختلف تماماً وقد تغيّر هذه الأطراف أي (سوريا وتركيا وروسيا) أدواتها لفرض شيء جديد في المنطقة”.
وفي الختام نوّهت الأوساط الأكاديمية بالقول بأنّ: “ما يحصل مسألة بالغة التعقيد والظاهر أنّ اللعب اليوم في أوراق السياسة غير معروف نتائجه، وربما الدول نفسها لا تعرف أيضاً، فربما تغيّر أمريكا سياستها وتقدم عرضاً لتركيا هناك وهو في الوقت نفسه أمر خطير جداً- (في إشارة إلى توقعات بتفاهمات تركية-أمريكية عن المنطقة الآمنة على حساب الجغرافيا السورية)
ربما يكون إيجابيا أنّ الأتراك إلى الآن لم يعد لديهم ثقة بالعروض الأمريكية” ويدركون أن القوة في العالم اليوم بدأت تنتقل إلى الشرق ولكن أيضا الأتراك أنفسهم ليسوا ذو ثقة بسبب التقلبات والتناقضات في سياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فهو مازال يلعب إلى الآن على حافة الهاوية وتتقلب سياساته بتقلبات مصالح حزبه وليس مصالح تركيا كدولة جارة لدمشق.
وفي المقلب الآخر لا تزال القوات الأمريكية تواصل سرقتها للنفط السوري حيث أخرجت في الستة أشهر الماضية ما يزيد على 1125 صهريجاً محملاً بالنفط المسروق عبر معبري الوليد والمحمودية مع مناطق شمال العراق.
ومن جانبه كان موقع “تسي 24” الإلكتروني التشيكي قد أشار في تقرير نشره بتاريخ 13/ 8 /2022 إلى أنّ: “واشنطن تسرق وتنهب سرقة ونهباً ممنهجاً النفط والقمح السوريين إضافة إلى استمرارها باحتلال بعض الأراضي السورية بشكل يتعارض مع القانون الدولي”. منبّهاً إلى “تكثيف واشنطن في الآونة الأخيرة لسرقتها من الثروات الطبيعية السورية”.