بدأت حركة النسوية تتسرب إلى بلدان منطقة الشرق الأوسط كتيار يمثل ردة فعل صارمة في وجه تهميش دور المرأة في المجتمعات الشرقية، وبينما نجحت في تجميع الكثير من الأصوات المؤيدة لحرية ودور المرأة وقعت أيضاً في أتون نكران الهوية الأنثوية وما يترتب عليها من خصوصيات وظيفية فطرية.
هذا التيار الذي تخلل بشكل ناعم عبر جمعيات التنمية الذاتية والاجتماعية وانتشر في المنطقة العربية كالسعودية ولبنان وسوريا، ودفع حكومات بعض هذه الدول لتغيير قرارات خاصة تتعلق بالمرأة وخاصة السعودية حيث أجازت للمرأة قيادة السيارة وأصدرت قراراً ومؤخراً إجازة العمرة للمرأة بدون محرم وغيرها من التفاصيل المفاجئة في السعودية.
وبعد أن نشبت الأحداث الأخيرة في الجمهورية الإسلامية في إيران باسم “حرية المرأة” على خلفية قضية المرأة الكردية “مهيسا أميني” تشكلت أمس في طهران نواة لتيار إصلاحي مواجه للتطرف تجاه المرأة سواء من قبل النسوية أو ثغرات الأعراف الاجتماعية.
واللافت في هذا التيار وجود شخصيات نسائية بارزة لها دور سياسي كبير في دولها كالمستشارة الخاصة للرئيس السوري بشار الأسد الدكتورة بثينة شعبان ورئيسة الاتحاد الوطني لطلبة سوريا دارين سليمان.
ورغم ما يروج له من فجوة بين إيران وسوريا في الآونة الأخيرة والاختلاف الثقافي الكبير بين كلا البلدين إلا أن حضور الدكتورة بثينة شعبان ممثلة عن السيدة أسماء الأسد بدعوة من زوجة الرئيس الإيراني الدكتورة “جميلة سادات” علم الهدى على رأس وفد من السيدات السوريات للمشاركة في المؤتمر الدولي الأول للنساء المؤثرات في كافة المجالات.
ولم يكن هذا المؤتمر من الفعاليات الخاصة التي تُقام بين سوريا وإيران بحكم العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، بل تكمن أهميته من خلال مشاركة نحو 400 شخصية من أكثر من 80 دولة من السيدات الناشطات والمؤثرات في كل المجالات الاجتماعية والثقافية والسياسية والعلمية والتكنولوجيا، إضافة إلى 17 مشاركة على مستوى السيدات الأول من مختلف الدول الآسيوية والأوروبية والأمريكية.
تظهر الدكتورة بثينة شعبان ودارين سليمان كنموذج من الطراز الشرقي الإصلاحي لثغرات البنية الاجتماعية في المنطقة العربية والرافضة لجعل تلك الثغرات مطية للانقلاب الهوياتي خصوصاً بعد أن فُرضت الحرب على سوريا التي لم تقتصر على الجانب العسكري بل تم التمهيد لها بالجانب الثقافي الناعم كما تحدث عنه الرئيس السوري بشار الأسد في الكثير من خطاباته ولقاءاته، فقد ظهر بعد الحرب اتجاهات متوترة من الثقافة الغربية القائمة على الهيمنة من أجل مصالح اقتصادية وسياسية وبدأت دائرة التوتر تكبر خارج سورية لتشمل المنطقة الشرقية كروسيا والصين وإيران.
ولعبت السيرة الذاتية المعتّقة في الانتماء للدكتورة بثينة شعبان دوراً بارزاً في اختيارها لقيادة دفة المواجهة أمام النسوية التي تشوه معالم المرأة في طريقها لتحريرها.
فقد كان لها باع طويل في العمل السياسي كأمينة على أسرار الدولة من خلال عملها كمترجمة للرئيس الراحل حافظ الأسد وقد أثبتت بذلك خلاف ما تروجه النسوية عبر السخرية بأن المرأة لا تستطيع كتمان السر.
كما عرفت بمواقفها الداعمة للمقاومة التي تثبت فيها الجانب الآخر من شخصية المرأة وهو القوة والصلابة والصبر والقدرة على تحقيق النصر وهو أيضاً خلافاً لما تروجه النسوية من أن جانب القوة في المرأة هو الاستقواء لتدمير ما يمكن معالجته بالتدبير.
ويبدو أن جانب دعم الاتجاه المقاوم لدى الدكتورة بثينة شعبان تطور متأثراً باطلاعها على الثقافة الإيرانية الدكتورة بثينة شعبان: فقد وصفت في العام 2015 م رسالة الامام الخامنئي إلى الشباب الغربي بأنها رسالة تؤكد أنه قائد إنساني يفكر بالعالم كأسرة.
المستقبل للتيار المقاوم
إن اعتبار هدف المؤتمر النسائي الدولي الذي حضرته الدكتورة بثينة شعبان ودارين سليمان هو تنمية قدرات النخب النسائية المؤثرة على المستويين الوطني والدولي، وتشبيك المساعي المشتركة لدعم المرأة وتطورها في إيران والعالم، وتعزيز التواصل بين النساء الفاعلات من مختلف الدول والقارات، للارتقاء بوضع المرأة ودورها والاهتمام بشؤونها في مختلف المجالات، يفتح المجال بشكل أوسع عبر تمتين التيار الإصلاحي الشرقي المقابل لتيار النسوية الغربي المتطرف والذي يقرّ بالثغرات كمقدمة نحو حلها لا الانسلاخ من الهوية واتباع ثقافة وهوية تنحدر نحو أن تنتج امرأة لا تشبه نفسها ولا تشبه أنوثتها ولا حتى إنسانيتها أيضاً.
وبالقدر الذي كان فيه مهماً وجود الدكتورة شعبان في هذا المؤتمر كان من المهم أيضاً وجود السيدة أسماء الأسد باعتبارها السيدة الأولى والشخصية الأبرز التي ترعى جمعيات التنمية الاجتماعية وتمكين المرأة.
وربما يكون لها دور حقيقي في المؤتمرات القادمة إذا نجح هذا المؤتمر في تكوين مسار إصلاحي لحركة المرأة في سورية والعالم الشرقي عموماً.