يتوجه تطلع أنظار وأطماع كيان الاحتلال الإسرائيلي إلى استغلال النفط والغاز الموجود في الأراضي الفلسطينية بشكل دقيق ومدروس، لتغذية خزينته بأكبر قدر من الأموال.
إلا أن الصعوبات التي تواجه هذا الملف لناحية قطاع الكهرباء تجعل من تصدير الاحتياطات الموجودة في الحقول البحرية أمراً يحتاج لدراسة أدق.
خاصةً في ظل إشارة المتخصصين في الشأن الإسرائيلي إلى ان “إسرائيل ستكون بعد سنوات غير بعيدة معتمدة على الآخرين لتوفير الطاقة التي تحتاجها. في ذاك اليوم، قد نتصرف مثلما تتصرف مصر الآن، لكن ليس كخيار، بل كأمر محتم”.
وفي السياق ذاته يذكر أن مصر بدأت مؤخراً بسلسلة خطوات لتوفير الكهرباء وقد يبدو للوهلة الأولى أن الحديث يدور عن شأن مصري داخلي، ليس لإسرائيل صلة به.
ولكن إذا قمنا بفحص هدف مصر في تقنين الكهرباء فسيتبين أنها يجب أن تقلق حتى السكان في إسرائيل.
لأن هذه الخطوة التي أقدمت عليها مصر لا تتوقف عند حد التقنين فحسب بل تتعداه لهدف تقليص الطلب على الغاز الطبيعي في محطات الطاقة في مصر ليكون بالإمكان تصدير كمية أكبر من الغاز المصري.
هكذا تستطيع مصر الحصول على كمية أكبر من العملة الأجنبية التي هي بحاجة إليها، لتصل الزيادة في مداخيل تصدير الغاز الفائض إلى “100 – 150 “مليون دولار في الشهر.
وعلى الإسرائيليين متابعة خطوة مصر، لأن متخذي القرارات في القدس أيضاً يتعرضون لضغط متزايد من أجل الموافقة على تصدير كمية أكبر من الغاز الإسرائيلي. هذا الضغط تستخدمه شركات الغاز، الأمر الذي قد يعرض تزويد الطاقة لإسرائيل في المستقبل للخطر.
وفي سياق متصل يذكر أن وزيرة الطاقة في إسرائيل “كارين الهرار” مع نظيرها المصري “طارق الملا” حول تطبيق اتفاق تصدير الغاز من إسرائيل إلى أوروبا بعد إسالته في مصر. كانت هذه المحادثة استمراراً للاتفاق الذي وقع في حزيران بين الممثلية الأوروبية والهرار والملا على تصدير الغاز من إسرائيل إلى مصر.
مثلما جرى الأمر في مصر، يقول الإسرائيليون إن تصدير الغاز الآن سيدر أرباحاً على إسرائيل بواسطة “ارتفاع دفعات الأتاوة، وضريبة الأرباح الزائدة وضريبة الشركات”من هذا سيحصل الجمهور بواسطة صندوق الثروة وزيادة حجم خزينة الدولة.
على الرغم من كل هذه الادعاءات، إلا أن هناك خوفاً حقيقياً من أن يضر تفضيل التصدير بمصالح الجمهور في إسرائيل مثلما الحال في مصر.
تصطدم اتفاقات التصدير مع أرض الواقع؛ ففي نيسان الماضي طلبت “الهرار” من شركة “شبرون”، التي تشغل حقلي “تمار ولفيتان” أن تعطي الأولوية للاقتصاد الإسرائيلي، حيث إنه حتى الدخول المتوقع لحقل كاريش إلى الخدمة في أيلول، قد يحدث نقصاً في تزويد الغاز لمحطات الطاقة في وقت الذروة. في هذا الوضع، ومن أجل تلبية الطلب على الكهرباء، ستضطر محطات الطاقة إلى إحراق السولار الثمين والملوث أكثر، أو زيادة الإنتاج للفحم الملوث والثمين في محطات الطاقة في عسقلان والخضيرة.
تفضل تصدير الغاز والزيادة الفورية لمداخيل شركات الغاز على الحفاظ عليه للاقتصاد المحلي، وله أيضاً زاوية بعيدة المدى. لن يضطر متخذو القرارات الآن إلى تقديم تقرير بعد عقد ونصف عن السياسة التي اختاروها.
في تشرين الأول 2021 نشرت مسودة تقرير للجنة قامت بفحص تصدير الغاز من إسرائيل إلى أوروبا برئاسة مدير عام وزارة الطاقة السابق، أودي اديري.
هذه هي اللجنة الثانية في الموضوع، ولذلك سميت “لجنة اديري 2”. استنتاجات اللجنة ليست ذات صلة في ضوء التغيرات في سوق الغاز العالمية، لكن البيانات الواردة في التقارير تظهر أن لإسرائيل ما يكفي من الغاز حتى العام 2045.
ولكن إسرائيل ستضطر إلى البدء في استيراد الغاز بعد “15 – 18″ سنة من أجل تلبية كل الطلب على الكهرباء في الدولة، بل وسيزداد في كل سنة.
وفي سياق متصل وزع” اللوبي 99″ الأسبوع الماضي، عرضاً تقديمياً ناقش إمكانية تطوير حقلي “تمار” و “لفيتان” وزيادة الإنتاج من هذه الحقول للتصدير.
تبعاً لذلك سينفد الغاز في إسرائيل في العام 2044، وستقول شركات الغاز بأنها تتوقع اكتشاف المزيد من الحقول في البحر المتوسط، التي ستضمن تزويد الغاز لإسرائيل بشكل متواصل، لكن لا يمكن اتخاذ قرارات تحسم مستقبل الطاقة في إسرائيل بعد عقد ونصف استناداً إلى تقديرات.
“يوسي لنغوتسكي” الجيولوجي الذي يعتبر أحد آباء التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط، أرسل في كانون الأول 2021 رسالة إلى “الهرار” حذر فيها من أن سياسة تصدير الغاز التي تطمح إلى أفق” 25 “سنة، هي سياسة خطيرة. وحسب رأيه، من الآن يجب ضمان أن يكون لإسرائيل غاز لمدة أربعين سنة.
يعتقد الجيلوجي ” لنغوتسكي “أن احتمالية العثور على حقول كبيرة أخرى هي احتمالية ضعيفة، رغم المعطيات التي يستند إليها متخذو القرارات الآن.
صحيح أن إسرائيل لا تقوم الآن بسياسة التقنين الكهربائي مثلما تفعل مصر، ولكن سياسة تشجيع التصدير، التي تدفع بها شركات الغاز بواسطة عناوين عن تعاون استراتيجي بين إسرائيل وأوروبا وأرباح ضخمة لميزانية الدولة مع تهدئة الجمهور بوجود ما يكفي من الغاز، ستؤدي إلى أن تكون إسرائيل بعد سنوات غير بعيدة معتمدة على الآخرين لتوفير الطاقة التي تحتاجها.
“في ذاك اليوم، قد نتصرف مثلما تتصرف مصر الآن، لكن ليس كخيار، بل كأمر محتم”.
كما أشار بالقول أحد المتخصصين بالشأن الإسرائيلي عن الثروة المعدنية للكيان الإسرائيلي.