بقلم: دانيا الغباش
لا يمكن أن نحدَّ الرسائل الموجهة للمتابع بحدود الأخبار فقط، ولا يمكن أن نركّز على الوجه السياسي المطروح بالنشرات الإخبارية على أنها المرسل الوحيد لأهداف معينة وتوجيهات معينة.
وإذا نظرنا ملياً فإننا نجد أنّ أعظم الموجهات سياسية أو حتى اجتماعية هي الأفلام والمسلسلات، إذ إنهم حكماً يسلطون الضوء على ما يريدون لا على ما يجب.
الانسياق في اللاوعي:
وتعمّقاً في الأمر نجد أنّ المحتوى المرئي من هذا النوع والمتابع بكثرة ليس مجرد موجِّه بل الأخطر، إذ إنّ المتابع في اللاوعي سيُساق وراء المحتوى الذي أعجبه وشدّ حواسّه، وقد يتخطّى الانسياق مرحلة المتابعة إلى مرحلة التفاعل مع المحتوى، وقد يتطور الأمر إلى التقليد الأعمى للمحتوى.
الإضاءة على ما تريد الدراما لا على ما يجب:
وكي لا يكون الكلام عبثي؛ ويظهر بصورة أوضح نأخذ أحد الأفلام الأجنبية والأكثر شهرة، بل وأكثر الأفلام التي أحزنت الكثير، إذ جاء الكاتب بشخص متشرد بالشوارع وفاز بلعبة بوكر بتذاكر للصعود إلى السفينة وقرر الكاتب وضعه تحت الأضواء ليكن بطل الفلم، فأحبّه الجميع، وفي نهاية الفلم وأثناء غرق السفينة كل أنظار المتابعين مسلطة خوفاً عليه، رغم أنّ العديد من الناس قد غرقت أطفال وكبار، لكن ما أراده الكاتب أن تكون العين على شخصية هو أرادها وأراد المتابع أن يتعاطف معها، وعلى هذا المثال تأتي أشياء أخرى يريد بها صانع المحتوى أن تركّز بتفكيرك عليها.
التقليد الأعمى وتمييع القيم:
وبمكان آخر لا يكتفي صانع المحتوى بتسليط الضوء على ما يريد، بل تمييع وتشويه القيم بطريقة لا تجعل للمتابع وهماً بأنها مخالفة للطبيعة الواجب أن يكون الشخص عليها.
وأحد الأمثلة التي اجتاحت عقول وقلوب الآلاف، مسلسل عربي يضع تاجر أسلحة ومخدرات في دور البطولة، ونرى بشكل واضح كيف تعامل هذا الشخص مع الآخر بطريقة التسلط على القانون والجبروت والسلاح، ولكونه بطلاً للمسلسل؛ اتبعه الكثير بلباسه وشعره وطريقة حديثه، دون النظر على أنه شخص على خطأ.
وفي حال استمرارية الأعمال وانجذاب المتابعين على هذا الشكل فإن الأمر سيصل إلى معارك كُبرى مع الأجيال.
أثر البلاء الدرامي على الواقع:
ولم ينتهي الأمر هنا، لأننا لو عدنا بالذاكرة إلى الوراء لأيام ليست ببعيدة، نجد أن أحد المسلسلات التركية “وادي الذئاب” قد فعل فعلته بالأجيال بأسلوب مدروس مخطط له بعناية ودقة.
ولا يكون اللوم على الممثل بقدر ما هو على الصانع الأصلي للأفكار والشخصيات.
إذ إنّ المسلسل بُني على أساس المافيا والسلاح والدموية، كما أنه بُني على أساس سياسي، وتم وضع المافيا على أنهم أبطال المسلسل، وإذا لم نرد أن نقول أنّ المسلسل قصد أن يوجه الشباب للمافيا والسلاح، إلا أنه أثر عليهم تأثير كبير، وإذا كان أعضاء المافيا في المسلسل كانوا يعملون مع الدولة إلا أنه أعطى صورة ضدية للكثير فبدأ يصنع ما يصنع أبطال وادي الذئاب ولكن ضد الدولة.
وبتنويه كون المسلسل تركي الصنع، فإنّه لا يخفى ما فعلته تركيا ضد سوريا، وكيف ساعدت الكثير من الشباب على القيام ضد الدولة السورية.
والكثير تعلّم على السلاح والقتل من خلال ما لاحظه من عصابات المافيا التي كانت محبوبة من الكثير وكانت في أدوار البطولة ومسلطة الأضواء عليها.
تزييف الحقائق واللعب على المشاعر:
ولم تركن المصيبة عند هذا الحد؛ فإن من أدهى المصائب التي عُرضت على “نيتيفلكس”، هي المسلسل الأجنبي “The Spy”، الذي يتحدث عن جاسوس دخل الأراضي السورية وبدأ بنقل الأخبار.
حيث بدأ الممثل بشخصيته وهو شخص عادي يعمل بجد ويهتم لعمله وعائلته وأرضه، وكونها الشخصية الأساسية التي يسلط الضوء عليها في المسلسل المكون من ست حلقات، فإن مجريات الأحداث التي تُعرض فهي لصالح البطل “الجاسوس” ذاته، ليبدأ المتابع بالإعجاب بالشخصية والتعاطف معها.
ولم يقف الأمر عند الإعجاب بل الخوف عليه من الوقوع في خطر، رغم أنه “جاسوس”، لكن ما فعله منتج المسلسل أنه جعل الأحداث تظهر وكأن ما يفعله هذا “الجاسوس” ليس إلا حباًّ لأرضه ومساعدةً لشعبه، علماً أنه لا ينتمي لوطن بل لكيان غاصب أخذ الأرض من أصحابها وشرد أهلها وقتلهم ويتم أطفالهم، لتبدأ الحقائق تتغيب عن ذهن المتابع، وينسى أنهم في الأساس مغتصبين لأرض الغير وأن الحق عليهم وليس معهم.
إن ما فعله المسلسل إنما أوصل فكرة موهومة للمتلقي، بأن إسرائيل دولة ولها الحق بالدفاع عن أرضها، وأعطى فكرة معاكسة عن الدولة السورية بأنها المعتدي، مع العلم أن ما تفعله ليس إلا محاولة لاسترداد أرضها التي سلبتها إسرائيل منها.
التدقيق بما نشاهد:
إنّ هذا كلّه إن دلّ على شيء فإنّه يدلّ على ما تصنعه الدراما بكل أشكالها بالمتابع، وإذا كان علينا فعل شيء فعلينا أن نهتم بكل مسلسل أو فلم تبثه القنوات.
وأن نعرف أن ما نشاهده يصل بشكل سليم إلى المتلقي؛ أم أنه يحمل رسائل سلبية ما أنزل الله بها من سلطان ويتقمّصها المتابع دون وعي؟