خلفت المعارك الضارية التي شهدتها مدينة حلب دخاناً مازال يعصف في المدينة الصناعية الشيخ نجار وباقي المناطق حتى اليوم، ومازال يطغى دخان الحرب في تلك المدينة التي تعد شريان حياة حلب على ضجيج المعامل ودوران عجلتها المتباطئة بعد خلو حلب من الإرهاب دون خلوها لحد الآن من تبعاته.
فقد توقفت غبار الحرب في حلب منذ ستة سنوات، ولكن حجم الخسائر مازالت تتصاعد ليكتشف أهل المدينة مع مرور الأيام مزيداً من الكسور والضمور في مختلف مفاصل الحياة فيها.
ومن أكبر خسائر حلب بعد الحرب هي المدينة الصناعية التي تتلفظ أنفاس العمل بصعوبة بعد انعدام المقومات والشغف، فقد خرجت مئات المعامل عن الخدمة وفقد الكثير من العمال مصدر أرزاقهم وبترت عنهم لقمة العيش كما بتر عن الكثير من أبناء المدينة الجريحة ساقهم أو ذراعهم نتيجة القذائف والقنص وفي معارك الدفاع عن حمى المدينة.
دخان الحرب يسلب المدينة الصناعية طاقتها
بلغت خسائر القطاع الصناعي في عموم سوريا منذ بداية الحرب حتى عام 2021 حوالي /150/ مليار دولار فيما غادر أكثر من 47 ألف صناعي سوري مدينتي دمشق وحلب إلى خارج سورية وكان للمدينة الصناعية النصيب الأكبر من خسائر البنى التحتية وانقطاع إمدادات الكهرباء والمازوت والفيول اللازمة لتشغيل المعامل.
وللتغلب على الواقع الكهربائي الصعب في المدينة الصناعية شرعت بعض المعامل بالعمل عبر مولدات الديزل الخاصة، وهذه الخطوة لا تخلو من صعوبات كارتفاع كلفة الإنتاج بشكل كبير جداً بسبب عدم القدرة على تأمين ما يكفي المولدات من مادة المازوت بعد أن خسرت سوريا أكثر من 80 % من مصادر إنتاجها من المواد النفطية بسبب خروج آبار النفط والغاز عن سيطرة الدولة السورية ووقوعها تحت سطوة القواعد الأمريكية الغير شرعية في شرق الفرات.
ارتفاع كلفة المواد الأولية تعود سلباً على المنتج والمستهلك معاً
لم تؤثر خروج مناطق منابع النفط من سيطرة الدولة السورية ووقوعها بيد الاحتلال الأمريكي على المدينة الصناعية من خلال شحّ الموارد النفطية وتراجع القطاع الكهربائي بشكل حاد فقط، بل أيضاً تشكل تلك المنطقة حلبة مصارعة ضارية بين الليرة السورية والدولار، حيث يتم إطباق الخناق على سعر الصرف والضغط على خطط البنك المركزي لتجاوز الحرب الاقتصادية من خلال رفع سعر الصرف والتلاعب به من منطقة شرق الفرات، الأمر الذي ينعكس بارتفاع أسعار المواد الأولية سواء المواد الغذائية كالسكر والحليب أو البلاستيكية والنايلون وغيرها، وبذلك يتضرر المستهلك بسبب غلاء أسعار المنتجات وكذلك أصحاب المعامل بسبب ضعف القدرة على تصريف المنتجات.
أعطال المحطة الحرارية تؤثر على المدينة الصناعية
تعرضت المحطة الحرارية التي تغذي مدينة حلب إلى جملة من الاعتداءات والتفجيرات خلقت كارثة في الواقع الكهربائي في سوريا عموماً والقطاع الصناعي خصوصاً، ورغم كل الجهود التي بذلتها الدولة السورية في إصلاح المحطة الحرارية بمساعدة الخبراء الإيرانيين إلا أن حجم الأعطال والخسائر وفقدان المواد اللازمة لإقلاعها يعصب الأمر ويبطئ من إمكانية عودة الكهرباء كما كانت عليه قبل الحرب.
فقد شهد يوم أمس القطاع الصناعي في حلب خسائر كبيرة نتيجة انقطاع التغذية الكهربائية عنه لمدة 4 أيام جراء عطل كبير بالمحطة.
وفي هذا الصدد بيّن المهندس “مجد ششمان” عضو مجلس إدارة غرفة صناعة حلـب أنه لا يوجد تقدير لخسائر القطاع الصناعي في حلب خلال الأيام الماضية لكنها كبيرة، نظراً لاضطرار الصناعيين لدفع أجور العمال دون إنتاج وتوقف العمل الذي يؤخر دوران رأس المال إضافة إلى تأخر تسليم البضائع المنتجة خاصة للصناعيين الملتزمين بعقود إنتاج ومواعيد تسليم محددة للبضائع، مؤكداً أن المعامل بالأساس تشكو من جملة معيقات ومشاكل إنتاجية.
ومع كل هذه المعوقات التي تشهدها المدينة الصناعية في حلب وعموم سوريا فإن انتعاش الاقتصاد السوري ودوران عجلة الحياة أصبح عملاً بالغ الصعوبة ومرهون بالكثير من التطورات على الصعيد السياسي والعسكري، فبالرغم من تبدل المشهد السياسي وعودة الدول العربية إلى الانفتاح على سوريا إلا أن الانفتاح الفعلي يبدأ بدخول شركات الاستثمار وإعادة الإعمار والذي لا يتم الحديث عنه بعد سوى في التصريحات والوعود، أما المشهد العسكري فيتجلى ببذل الجهود الميدانية لطرد الاحتلال الأمريكي من شرق الفرات واستعادة آبار النفط والغاز وإلى ذلك الحين تبقى المدينة الصناعية في حلب تتنفس دخان الحرب والحصار دون التوقف عن العمل على أمل تحسن الظروف.