أثار خبر تعليق الدول الأوروبية (بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وسويسرا وفنلندا وأستراليا وكندا إضافة لأمريكا) تمويلهم الذي يقدمونه لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” إشارات استفهام كثيرة حول خلفية هذا القرار وما إذا كانت أيادٍ صهيونية تقف وراءه بسبب تداعيات 7 أكتوبر، على اعتبار أن وكالة غوث اللاجئين ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمعاناة اللاجئين الفلسطينيين منذ نكبة عام 1948 ونزوحهم عن ديارهم بفعل عصابات الكيان الإرهابية.
فمذ أعطت بريطانيا وعدها المشؤوم لليهود بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين تواطأ المجمتع الدولي معها لإكمال خطتها الخبيثة، وفي محاولة من هذا المجتمع لغسل وجهه القبيح أقر عام 1949 إنشاء وكالة غوث بهدف التخفيف عن معاناة الفلسطينيين حتى يتم إيجاد حل لقضيتهم، كان هذا ظاهر القرار الأممي رقم 302 القاضي بإنشائها، لكن باطنه كان شراء معاناتهم ودفن قضيتهم في المطالبة بحق العودة الى وطنهم فلسطين.
وقد خابت حساباتهم مع إصرار اللاجئ الفلسطيني على حق العودة أكثر من ذي قبل، وأن الفلسطيني الذي ولد وعاش في بلد اللجوء تجري في عروقه دماء فلسطينية تحن إلى أرضها، ولذلك نبت جيل من الفلسطينيين كسر نبوءة الصهاينة التي راهنوا عليها أن الكبار يموتون والصغار ينسون، ووجدوا أنفسهم أمام جيل يعقب جيل وهو أكثر تشبثاً بحق العودة إلى فلسطين.
ولذلك كان الكيان الصهيوني يرى في هذه الوكالة خيط رفيع يجمع الشتات الفلسطيني تحت مسمى لاجئ، وعليه رسمت الصهيونية مخططها على أساس إقفال هذه الوكالة وشطب مسمى كلمة لاجئ بحيث يتم اعتماد التوطين كحل بديل يقضي على انتماء اللاجئ الفلسطيني لدولته المحتلة.
الدور الأمريكي في مهاجمة الوكالة
لم تنجح كل هذه السياسات الصهيونية حتى جاء الرئيس السابق “دونالد ترامب” والذي أظهر صهيونيته بالتماهي مع الطموح الصهيوني بتهويد كل فلسطين، ولإنجاح ذلك بدأت سياسة وقف التمويل لهذه الوكالة كوسيلة ابتزاز للضغط على المفاوض الفلسطيني لتقديم التنازلات لصالح الكيان منذ عام 2018 بعد تقليص حجم التمويل الأمريكي والتهديد بتوقيفه مالم تلبي هذه الوكالة الشروط الأمريكية التي أهمها:
ـ تغيير المناهج التي تدرسها مدارس الأونروا، بحيث يتم شطب كل ماله علاقة بحق العودة وقضية اللاجئين الفلسطينيين
ـ عدم ذكر القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية المنشودة، وإلغاء كل ما يخص النضال او مفهوم مقاومة الاحتلال، او استخدام تعبير الانتفاضة الفلسطينية
ـ إلغاء الأنشطة والفعاليات المتعلقة بمناسبات خاصة بالقضية الفلسطينية، كوعد بلفور أو ذكرى النكبة والعدوان الإسرائيلي عام 1967 أو ذكرى يوم الأرض
هذه الشروط الأمريكية هي جوهر المطالب الصهيونية الرامية للقضاء على حق العودة وشطبه من أي تفاهمات رامية لتحقيق أي سلام في المنطقة، وعليه الكيان عمل ولايزال للضغط على داعميه الغربيين لحل هذه الوكالة وإضافة ما تبقى من اللاجئين الفلسطينيين كبقية اللاجئين في العالم وأن يتم توطينهم في مكان لجوئهم.
بعد فشل كل هذه المخططات الصهيونية في القضاء على هذه الوكالة، وجد الكيان الصهيوني ضالته عقب عملية طوفان الأقصى لمعاودة شن هجومه ضد هذه الوكالة لا لشيء إلا أنها تذكر العالم أن هناك لاجئ فلسطيني مشرد عن أرضه وداره بفعل الاحتلال الصهيوني.
ولذلك جاء اتهام هذه الوكالة بالتورط بشكل او بآخر مع حركة المقاومة الفلسطينية ليكون الذريعة امام الغرب لاتخاذ أي إجراء يسهم في تحقيق ما عجز عنه الكيان منذ سنوات.
لكن ما الذي دفع الغرب لمهاجمة هذه الوكالة؟!!
لقد أدرك الغرب حجم الإجرام الذي ذهب اليه الكيان في غزة، حيث لم تشهد حرب في العصر الحديث كل هذا الإجرام بحق مدنيين عزل، هذا الكم الكبير من الشهداء الأطفال والنساء في وقت قصير، وخاصة تلك المجازر التي استهدفت مدارس ومراكز الأونروا وهوما يزيد من حجم تجريم هذا الكيان الذي غرق بوحل جرائمه في دهاليز محكمة العدل الدولية في لاهاي.
وكمحاولة إنقاذ لهذا الكيان شرعت أمريكا ومعها الغرب التابع لها في تسويق الاتهام لوكالة الأونروا أنها بشكل أو بآخر على صلة بعملية طوفان الأقصى وهو اتهام عار عن الصحة كما كان اتهام الكيان الزائف للمشافي التي دمرها أنها مقرات حمساوية أثبتت الأحداث كذب كل تلك الروايات.
لقد سعى الغرب من خلال تبني الرواية الصهيونية تحقيق نتيجتين تدعم من خلالها الموقف الصهيوني المهزوم عسكرياً وسياسياً وأخلاقياً:
الأولى: تخفيف حدة الاتهامات لهذا الكيان بارتكاب جرائم حرب نتيجة استهداف مراكز ومدارس تابعة لمنظمة دولية معترف بها
الثانية: هي التماهي الكامل مع المخطط الصهيوني بالتهجير القسري لأبناء غزة بقطع مورد رزقهم واجبارهم على البحث عن موطن لجوء يحقق لهم دخل يلبي احتياجاتهم وفي الوقت ذاته يشطب من تفكيرهم حق العودة
لم يكن غريباً إقدام بعض الدول الغربية على وقف تمويل هذه الوكالة رغم إعلان الوكالة عدم صحة الاتهام لها واتخاذ إجراءات بحق من يشتبه أنهم أبدوا تأييداً لطوفان الأقصى إلا أن تلك الدول لا يعنيها توضيح الوكالة بقدر ما يعنيها خدمة المشروع الصهيوني ومحاولة إنقاذه من الانهيار الذي بات جلياً اكثر من أي وقت مضى
لكن ما مدى خطورة الضرر الذي سيلحق بميزانية الأونروا؟
وتتكون موازنة الأونروا بالكامل تقريبًا من التبرعات، معظمها من الحكومات، بالإضافة إلى مخصصات تحصل عليها الوكالة من الأمم المتحدة (والتي تشكل حوالي 3% في عام 2022 من إجمالي ميزانية الوكالة) وتستخدم المخصصات المقدمة من الأمم المتحدة لتغطية التكاليف الإدارية.
وبحسب البيانات التي نشرتها الوكالة والتي تشير إلى عام 2022، فإن مساهمات حكومات دول المنطقة وخارجها، من الاتحاد الأوروبي والشركاء الحكوميين الآخرين، شكلت حوالي 95% من إجمالي المساهمات في ذلك العام وتتحمل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حوالي نصف هذه المساهمات وفي عام 2022، أفادت الأونروا أنه من أصل “الالتزامات المالية” بقيمة 1.17 مليار دولار، جاء 44.3% من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والتي ساهمت بإجمالي 520.3 مليون دولار، وهذا يشمل مبالغ محولة أيضاً عبر المفوضية الأوروبية.
وكانت الولايات المتحدة وألمانيا والاتحاد الأوروبي والسويد أكبر الجهات المانحة منفردة، حيث ساهمت مجتمعة بنسبة 61.4% من إجمالي تمويل الوكالة في ذلك العام، وكانت الدول الستة التي أعلنت حتى الآن وقف المساهمات مسؤولة في عام 2022 عما يقرب من 61.4% من إجمالي تمويل الوكالة 40% من ميزانية الوكالة.
لم يكن هذا التمويل الغربي في أي يوم من الأيام إنساني بل كان سياسة مقصودة تمنح الصهيوني الأرض وتمنح الفلسطيني المال وبذلك يعتقدون أن ثمن الأرض تم تسديده ونسوا أن الأرض تولد في ضمير ووجدان الفلسطيني منذ ولادته، وأن الطفل الفلسطيني يرضع محبته وطنه من حليب أمه..