الإعلامي: أديب رضوان
مع بدء جلسات محكمة العدل الدولية في لاهاي وعقد جلسات علنية بشأن التبعات القانونية الناشئة عن سياسات “إسرائيل”، وممارساتها في الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس، يتساءل كثيرون؛ هل ستخضع “إسرائيل” فعلاً لأحكام القانون الدولي، وتدخل “قفص الاتهام”؟ أم أن الأمر لن يتعدى ذر الرماد في العيون؟ في محاولة لتهدئة خواطر الرأي العام الدولي، المصطف حالياً بنسبة كبيرة مع القضية الفلسطينية العادلة، بفعل عملية “طوفان الأقصى” في السابع عن تشرين أول الماضي، وما تبعها من حرب “إبادة جماعية” إسرائيلية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر.
أسئلة كثيرة تحاصر ساسة العالم، وأنظمته السياسية التي تدعي حرصها على حقوق الإنسان، فيما تواصل مد هذا الكيان بالأسلحة لقتل الفلسطينيين، ولا سيما صانع الإرهاب الولايات المتحدة الأمريكية؛ فدموع التماسيح التي ذرفها رئيسها على مأساة الفلسطينيين، لن تقنع تلميذ السياسة، فكيف بساسة الوطنية؟!
ورغم قتامة مشهد العدالة الدولية لجهة تلك المأساة الإنسانية الفلسطينية المستمرة بفعل حرب الإبادة الجماعية التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي، في قطاع غزة مدعومة من واشنطن وبعض دول الغرب، ناهيك عن دعم من تحت الطاولة لبعض “مشيخات الخليج”، إلا أن وجود دول ترفع لواء الحق والمظلومية مثل سوريا، وإيران، ولبنان، واليمن والعراق والمقاومة في المنطقة، وجنوب إفريقيا، والبرازيل، والصين وغيرها من الدول التي تحترم الإنسان والإنسانية؛ تشعل شمعة أمل وبارقة خير في مستقبل الصراع مع هذا الكيان الغاصب.
فتح الباب الموصد أمام المحاكمات
وبهذا الصدد نجد أن جمهورية جنوب إفريقيا فتحت باب العدالة الدولية المثقوبة؛ من خلال تقديمها لمذكرة لمحاكمة كيان الاحتلال الإسرائيلي على ما اقترفه من جرائم يندى لها جبين الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل والمحاصر في قطاع غزة، أمام محكمة العدل الدولية مؤخراً، وسط صمت عربي رسمي مخزٍ وعجزٍ دوليٍ عن إدخال سلة مساعدات واحدة إلى القطاع المحاصر حتى الآن.
ورغم علمنا المسبق بأن المحكمة لن تكون بعيدة عن التسييس الأمريكي المعروف أو ضغط، واشنطن على قضاتها، في سياق الحماية السياسية والقانونية الأمريكية لنظام الفصل العنصري المدلل في المنطقة “إسرائيل”، من أي مساءلة قانونية، وهي التي منعت أي قرار من مجلس الأمن الدولي لإيقاف حمام الدم بحق الفلسطينيين حتى الآن، إلا أن خطوة جنوب إفريقيا وغيرها من الدول مهمة على صعيد توثيق جرائم الكيان وإظهار الحقيقة للرأي العام العالمي.
محرقة غير مسبوقة
يقول سفير جنوب إفريقيا لدى طهران “فرانسيس ملوي” في تصريح له: “إن “إسرائيل” تصرفت لفترة طويلة، وكأنها فوق القانون، وهي لا تتورع عن القيام بالجرائم والمظالم والإبادة الجماعية منذ سنوات دون أن تعاقب، وبقية دول العالم تتجاهلها، وتنظر باتجاه آخر.
ففي مساحة لا تتعدى 365 كيلو متراً مربعاً، يعيش نحو مليوني فلسطيني في قطاع غزة، يتعرضون لحرب “إبادة جماعية” منذ عدة شهور، راح ضحيتها عشرات آلاف الشهداء، جراء استخدام مختلف أنواع الأسلحة الإسرائيلية والأمريكية جواً وبراً وبحراً، في أبشع جريمة ترتكب في العصر الحديث.
“إسرائيل” التي صدّعت رؤوسنا بقضية ما يسمى “الهولوكوست” المنسوبة للمحرقة النازية بحق اليهود في ألمانيا، وتطالب بالتعويضات المالية على ذلك؛ وبالفعل قد حصلت على مليارات الدولارات، فيما ارتكبت، وترتكب آلاف المجازر بحق الشعب الفلسطيني والعربي بالمنطقة، دون وجل أو خوف من محاسبة دولية، أو تفكير بتعويض مالي للشعب الفلسطيني أو لشعوب المنطقة.
ورغم أن الباحث والمؤرخ الأمريكي “فريد آرثر”؛ الذي ذكر حينها أن ادعاءات المحرقة “غير جادة”، بعد اكتشافه وجود غرف الحجر الصحي لمعالجة اليهود الذين كانوا يصابون بالأوبئة المختلفة، إلا أن كيان الاحتلال واصل حصد نتائج هذه الدعاية، والاتكاء عليها في معظم سياساته الخارجية والداخلية، فيما يتساءل مراقبون، كيف لكيان غاصب أن يحصل على التعويضات عن محرقة مشكوك في أرقامها، فيما يواصل “حرب الإبادة الجماعية” في قطاع غزة المحاصر، في وقت ينتظر فيه الشعب الفلسطيني العدالة الدولية لإنصافه، لما وقع بحقه من جرائم موصوفة مسجلة باسم كيان الاحتلال منذ العام 1948، وحتى يومنا هذا، لم تحرك ساكناً تجاهها المنظمات الدولية المعنية، ولا الدول ذات الثقل السياسي.
سند قانوني واضح
أوضح وزير العدل الفلسطيني الدكتور “محمد الشلالدة” في تصريح له أن المطالبة بالتعويضات للشعب الفلسطيني لما تعرض له من أضرار وانتهاكات جسيمة من قبل “إسرائيل” التي تترتب عليها مسؤولية دولية بدفع تعويض للشعب الفلسطيني كل ذلك يملك سنداً قانونياً ودولي قوي.
ويقول الوزير الفلسطيني: يترتب على انتهاك قواعد وأحكام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني إثارة مسؤولية إسرائيل كسلطة قائمة بالاحتلال، وكشخص من أشخاص القانون الدولي، وكذلك مسؤولية الأفراد الذين حرضوا أو أمروا أو خططوا أو نفذوا الأعمال التي تندرج ضمن الأعمال والتصرفات والممارسات المكيفة بالجرائم الدولية، وجرائم الحرب وجريمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، وجريمة العدوان، وهي بالاستناد إلى قواعد ومواد القانون الدولي العام الدولي والإنساني مسؤولية ذات طبيعة مزدوجة.
ومن هنا نؤكد أن مبادئ وأحكام القانون الدولي والمواثيق الدولية ألزمت الطرف الذي أضر بالغير جراء ارتكابه لأفعال غير مشروعة بواجب ومسؤولية العمل على إزالة ووقف آثار خرقه وانتهاكه لأحكام قواعد القانون الدولي وإعادة الحال لما كان عليه، بجانب التعويض العيني والتعويض المالي للمتضرر، وهناك ضرورة لملاحقة إسرائيل لتحمل كل الأضرار المدنية الناشئة عن إخلالها بالتزاماتها القانونية.
في المحصلة
هنا ندعو الإعلام الفلسطيني، ولا سيما والعربي والدولي عموماً، أن يصوب بوصلة الرأي العام نحو حقائق وأنواع الجرائم المرتكبة من قبل القوة القائمة بالاحتلال ممثلة بكيان الاحتلال الإسرائيلي، لجهة ضرورة تحمليه المسؤولية القانونية والأخلاقية، وتوثيق تلك الجرائم والمجازر المستمرة، ووضع الرأي العام في حقيقتها وحقيقة الأسلحة المستخدمة أمريكياً وغربياً لقتل الشعب الفلسطيني وفضح الدول والأنظمة الداعمة للكيان سواء من فوق الطاولة أو تحتها، وإثارة الرأي العام العالمي لهذه القضية الإنسانية؛ نظراً إلى القوة الكبرى لهذا الرأي إن وجه بالطريقة الصحيحة على مستقبل القضية الفلسطينية ومستقبل العدالة الدولية برمتها.
إلا أنه يبقى الهدف الأولي وقف حمام الدم المتواصل في قطاع غزة، ومحاكمة قادة الكيان أمام المحاكم الدولية المعنية، ورفع الغبن عن الشعب الفلسطيني الذي لحق به منذ قيام هذا الكيان عام 1948.
كما يتوجب على بعض الساسة العرب، إدراك حقيقة أن “التطبيع” مع هذا الكيان لن يجلب الاستقرار للمنطقة، فهو “سرطان خبيث” زرع في المنطقة لينتشر فيها؛ بهدف منع استقرارها ونمائها، وليس العكس كما يدعي مسؤولو الكيان، ومن خلفهم قادة الحلف الغربي؛ ولذلك فإن التطبيع مع هذا الكيان هو جريمة أخرى ترتكب بحق الشعب الفلسطيني وبحق قضية العرب والمسلمين المركزية، ومسمار آخر في نعشها، وعلى الشعوب العربية الاستيقاظ من ثباتها لإعادة إحياء هذه القضية في الضمائر العربية، وفي القرارات والتوجهات السياسية لها، رغم قناعتنا أن الشعب الفلسطيني قادر بمقاومته على استرداد ما أخذ منهم بالقوة، فهم على مر عمر الصراع مع هذا الكيان كانوا وما زالوا أهل التضحية والفداء كرمى عيون فلسطين وأرضها المقدسة، ولا ننسى هنا دعم من “محور المقاومة” للشعب الفلسطيني، وعلى رأسه سوريا التي دفعت، وتدفع الأثمان باهظة لموقفها المشرف نصرة للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.