أخبار حلب _ سوريا
بقلم: أديب رضوان
عرفنا مهنة “صيد الأسماك” من البحار، ولكننا اليوم أمام مهنة صيد من نوع جديد؛ أبدعها أبطال الجيش اليمني في “البحر الأحمر” عبر ابتداعه مهنة صيد “سفن الغرب” الداعمة للكيان الصهيوني في حربه المفتوحة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر.
“البحر الأحمر مقاوم” عبارة لخصت الحالة الميدانية لمنطقة البحر الأحمر التي دخلت؛ ما يمكن تسميته بالمعركة الكبرى في المنطقة، وذلك ضمن سياق ما تواجهه دولها من معارك ميدانية مرتبطة بالعدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة عقب عملية “طوفان الأقصى” التي فجرتها المقاومة الوطنية الفلسطينية في السابع من تشرين الأول من العام الماضي.
البحر الأحمر ووحدة الساحات
البحر الأحمر جسد فعلياً معنى العبارة التي أطلقتها شخصيات وطنية في محور المقاومة وهي “وحدة ساحات المقاومة” المتفجرة غضباً وعملاً مقاوماً؛ نصرة للشعب الفلسطيني في قطاع غزة سواء في سوريا أو لبنان أو العراق، وصولاً إلى اليمن السعيد.
إن دخول الجيش اليمني على خط “وحدة الساحات”، لم يكن بحسبان قطعان الدول الداعمة للعدو الإٍسرائيلي؛ فقد أثبت اليمن أنه قول وفعل، وصدقت النوايا بالأفعال حين سدد بوصلة البندقية نحو الهدف الحقيقي وهو الولايات المتحدة الأمريكية _أصل الشر العالمي_ عندما قام أبطال الحيش اليمني بمنع حركة الملاحة الإٍسرائيلية، ولاحقاً الأساطيل الأمريكية والبريطانية الداعمة للكيان الصهيوني في البحرين “الأحمر والعرب وباب المندب”.
ورغم العدوان الأمريكي البريطاني المتواصل بشكل شبه يومي على اليمن المقاوم؛ لم يستطع أن يغير شيئاً من حقيقة أن “البحر الأحمر” أصبح ميداناً خصباً للمقاومة الوطنية في سياق تفعيل “وحدة الساحات” من العراق إلى سوريا ولبنان وفلسطين وصولا إلى اليمن.
إعلان خيبة أمريكية
تجليات وإسقاطات والأثر البالغ لفعل اليمن المقاوم ضد السفن الأمريكية، بدا في وصف قائد القوات الأمريكية في البحر الأحمر الأدميرال “مارك ميغيز” بأن ما يفعله اليمنيون في البحر الأحمر “مميت” ضد قوات بلاده مقراً بقوة الجيش اليمني، قائلاً: إن المعلومات “قليلة جداً” بما يتعلق بمخزونات اليمن من السفن المسيّرة الانتحارية.
وأضاف: إن هناك تهديداً جديداً و “مميتاً ” يتمثل بالهجمات بالقوارب المسيّرة على السفن التجارية والعسكرية الأمريكية؛ ناهيك عن الهجوم بالمسيرات اليمنية التي تنطلق من كل مكان في اليمن وتستهدف السفن الأمريكية والبريطانية.
ويتابع الجنرال الأمريكي إقراره قائلاً: “هذا أحد أكثر السيناريوهات المخيفة، أن يكون لديك سفينة سطحية محملة بالقنابل وغير مأهولة يمكنها السير بسرعات عالية جداً، وإذا لم تكن على الفور في مكان الحادث، فقد يصبح الأمر بشعاً بسرعة كبيرة وهذا ما يفعله اليمنيون.
إذاً، هو إعلان فشل وخيبة أمريكي واضح المعالم لجهة تعاظم قدرة المقاومة اليمنية على إرساء معادلة الردع في منطقة البحر الأحمر الذي أصبح فعلاً تحت قيادة الجيش اليمني قولاً وفعلاً لصالح محور المقاومة، ولصالح دعم المقاومة الفلسطينية في مواجهة العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع؛ ليكون “البحر الأحمر” وما يمثله من منطقة عبور دولية ورقة رابحة لم يحسب الغرب حسابها بالمطلق، بل يجزم الساسة أنههم تفاجؤوا بالفعل اليمني الذي أتى أكله؛ ليس على صعيد المنطقة بل العالم برمته من خلال وقف شحنات النقل البريطانية والأمريكية والإٍسرائيلية مما يعني تأثيراً اقتصادياً على تلك الدول على الكيان الصهيوني خصوصاً.
صراخ أمريكي بريطاني
وسط ذهول عالمي خصوصاً من محور العدوان الأمريكي البريطاني الإسرائيلي؛ واصل اليمن فرض “معادلته البحرية” ضد الملاحة الإسرائيلية، ناهيك عن استهدافه للسفن والبوارج الأمريكية البريطانية المعادية على امتداد البحر الأحمر بشكل شبه يومي، فعلٌ استحوذ على المشهد الإقليمي والدولي.
فقد شهد البحر الأحمر خلال الأيام والأسابيع الماضية عمليات مكثفة للجيش اليمني، قوبلت بصراخ أمريكي بريطاني في سياق لعبة “عض الأصابع” بالمنطقة حيث عجزت لندن وواشنطن عن حماية سفنهما المتجهة إلى كيان الاحتلال، ناهيك عن حماية بقية السفن؛ ليكون العدوان على اليمن دون أي إنجازات ميدانية ميداناً يتنفس فيه أصحاب الهزيمة “وورقة محترقة” يرمون بها أمام شعوبهم؛ حيث وصف ساسة أمريكيون تلك الاعتداءات على اليمن بأنها “فاشلة” وهدفها ذر الرماد في عيون الأمريكيين والغربيين.
لقد شكلت عمليات الجيش اليمني في البحر الأحمر مضافاً إليها صليات الصواريخ التي طالت الأراضي الفلسطينية المحتلة، في سياق دعم المقاومة الفلسطينية؛ مفصلاً مهماً في تاريخ الصراع العربي الإٍسرائيلي، وتأكيداً على فاعلية “محور المقاومة” بالمنطقة وعلو كعبها ميدانياً وسياسياً.
كما كشفت عمليات المقاومة هشاشة، محور العدوان الأمريكي الإٍسرائيلي الغربي، وعجزه عن أي رد فعل تجاهه، وربما الأيام المقبلة تكشف للقاصي والداني عن مفاجآت كبرى تنتظر هذا المحور من المقاومة بالمنطقة؛ ليعلو الصراخ الأمريكي البريطاني أكثر وأكثر، وقد تتبدى النتائج في ساحات أخرى وهنا يتساءل مراقبون، هل يكون الانسحاب الأمريكي من سوريا والعراق هو الثمن الذي يجب أن تدفعه واشنطن؟
إرساء معادلات جديدة
ما أنجزه الجيش اليمني، لم تقتصر تداعياته على المنطقة وحسب، بل يمكن تصنيفه بحسب الساسة الأمريكيين بأنه أصبح مسألة أمن قومي أمريكي؛ نظراً للأهمية الكبرى لمنطقة البحر الأحمر كمنطقة دعم لوجستي للقواعد الأمريكية بالمنطقة أولاً، ومنطقة نفوذ اقتصادية كبرى على صعيد شحن وتصدير واستيراد المشتقات النفطية ثانياً؛ إذ يعد البحر بوابة العالم بمسألة الشحن النفطي، الأمر الذي سينعكس على اقتصاد الدول المستوردة وفي مقدمتها الولايات المتحدة والدول الأوروبية، التي تعتمد إلى حد كبير على واردات النفط بالمطقة.
ما أنجزه اليمن، ليس بيان تنديد أو استنكار، صادر من هنا أو هناك تحت مزاعم دعم فلسطين في مواجهة مخرز الاحتلال، بل هو فعل مقاوم ميداني يحقق المفاجآت ويؤلم العدو؛ فالشعب اليمني ومن خلفه جيشه الوطني أثبت أن الدول المتغطرسة لا تفهم سوى لغة القوة، وليس عبر بيانات الإدانة والشجب والاستنكار، التي لم يعد لها مكاناً حتى في الإعلام، فكيف تثني عدواً متغطرساً، يرى في هذه البيانات رفع عتب ليس إلا.
ختاماً
لم يتنظر اليمن وجيشه الوطني طاولات السياسة الدولية، ولا رهانات العالم المفلس على إمكانية عقلنة “جيش الاحتلال” لوقف آلة حربه المتواصلة بوجه الشعب الفلسطيني الأعزل والمحاصر في قطاع غزة، بل أخذ زمام المبادرة بالفعل المقاوم والميداني، كما لم يأبه للتهديد الأمريكي ولا لعدوانه على أرضه؛ ليكمل اليمن ما بدأته سوريا والعراق ولبنان، في سياق المعركة الكبرى بالمنطقة بين المحور الداعم للإرهاب ومحور المقاومة.
فقد أثبت تجربة “البحر الأحمر المقاوم” أن شعار “وحدة الساحات” أكثر صنعاً للتاريخ، وأكثر إيلاماً للعدو، وأن الرهان على “طاولات السياسة” وزواريبها لم تعد مجدية، حيث أوشكت هذه الطاولات أن تنسف آخر ما تبقى من قضيتنا المركزية، بعد عقد عشرات الاتفاقيات والواهية مع كيان الاحتلال حيث ثبت أنها اتفاقيات إذعان وبيع وشراء، وليست اتفاقيات نصر وعز وكرامة.