كي لا يكون المسجد الأقصى “هار بيت”، والقدس “أورشليم”، وفلسطين “إسرائيل”، وكي لا يستبدل وعد الآخرة بوعد بلفور، ومشروع المقاومة بالتطبيع، كانت رؤية المرشد الأعلى للثورة الإيرانية الإمام الخميني في إعلان يوم القدس العالمي يوماً يؤسس لتحرير فلسطين، وتنبيه الأمة الإسلامية بأن خطورة الكيان الصهيوني تشمل كل الأمة ومستضعفي العالم وليس فقط الفلسطينيين، وبمثابة دعوة لتحمل المسؤولية في صيانة الأرض الإسلامية، واستجابة لاستغاثة شعب معذب تجسيداً لقول الرسول الكريم” من سمع مسلماً ينادي يا للمسلمين ولم يجبه فليس بمسلم”، ونداء المسلمين اليوم يتصاعد من شعب بأكمله وهو الشعب الفلسطيني المكلوم، وعليه فإن تكامل المسلمين حول محور القدس الشريف سيكون كابوس العدو الصهيوني وحماته، والذي سيمهد لانتصار المستضعفين في الأرض على المستكبرين.
أهمية القدس ومظلوميتها
ثالث الأماكن المقدسة في عموم الأرض، وتربطها علاقة متينة بالأنبياء عليهم السلام ورسالاتهم السماوية، والحاضرة في عملية التمهيد لرفع الظلم عن البشرية، وهي التي أخذت نصيباً كبيراً من الظلم على مدى تاريخها، وكانت آخر حلقة مظلومية للقدس أنها اُحتلت من قبل الصهاينة الذين حاولوا تدمير مسجدها، وإحراقه مراراً زاعمين أن هيكلاً في أسفله، وباتت المدينة المقدسة أسيرة مكبلة، لتغدو القدس رمزاً لقضية ذات أبعاد مختلفة، قضية الإسلام، وقضية العروبة، وقضية فلسطين، ليصبح كل منتمٍ إلى هذه الأبعاد مسؤولاً ومكلفاً بحماية المدينة والدفاع عن شرفها.
يوم القدس وقدس اليوم في فكر الخميني
منذ بداية دعوة الخميني للثورة على النظام الحاكم في إيران آنذاك كانت أحد أهم أسباب نزع الشرعية عن ذلك النظام والتحريض ضده هو تحالفه مع الكيان الصهيوني على حساب الفلسطينيين، ولأن فلسطين كانت من أيديولوجيات الثورة الإيرانية والجذر الراسخ لها، وحاضرة في فكره ووجدانه اتخذ قراره التاريخي بإعلان يوم القدس العالمي في يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان يوماً للكرامة الإنسانية، ولنصرة المستضعفين في الأرض أينما وجدوا.
وجاء القرار بعد مرور بضع شهور فقط على انتصار الثورة الإيرانية، وإنشاء الجمهورية الإسلامية الإيرانية عام 1979، ودعا فيه الخميني الشعب الإيراني والأمة الإسلامية بأكملها لإحياء هذا اليوم.
وما لبث أن ترجم فكره الناصر للقضية الفلسطينية على أرض الواقع؛ حيث أغلقت السفارة الإسرائيلية في إيران واستبدلت بالسفارة الفلسطينية، وأخذ السلاح والمال يتدفق إلى المقاومة الفلسطينية، ولاحقاً تم ردف المجاهدين في فلسطين بالخبرات العلمية والعسكرية.
رمزية ودلالات يوم القدس العالمي
يعتبر يوم القدس العالمي تجسيداً عملياً لوحدة ساحات المقاومة التي تخوض حرباً واحدة على جبهات متعددة، وتذكيراً بمكانة القدس الدينية والتاريخية لدى الشعوب الإسلامية والعربية.
وبمثابة تحميل الأنظمة المستبدة والمتخاذلة لمسؤولية وجود الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، وتجرع الفلسطينيين للمر والقهر منذ عشرات السنين وإلى اليوم، كما أنه دعوة عالمية لمقاطعة الكيان الصهيوني وداعميه وعدم الاعتراف الرسمي به ليبقى الكيان معزولاً عن العالم وغير قادر على اختراق المسلمين وهو أمر ببالغ الحساسية والأهمية في مصير الأمة الإسلامية.
ويعد يوم القدس العالمي تذكيرٌ لما تتعرض له المقدسات الدينية الفلسطينية من اعتداءات وتدنيس ومحاولات تهويد وتهجير للفلسطينيين ونهب للثروات، وتمرير للمخططات اليهودية في تكريس فكرة أن القدس عاصمة “إسرائيل”، ونبذ ساسية التعايش مع الكيان، لذلك اعتبر الخميني “إسرائيل” غدة سرطانية واستئصالها من الوجود واجب على الأمة الإسلامية، وأكد على ضرورة الوحدة الإسلامية ووضع الخلافات جانباً لبناء قوة إسلامية موحدة في وجه الكيان، وذهب إلى أبعد من ذلك آملاً أن يصبح يوم القدس العالمي مناسبة لنهوض مستضعفي الأرض وإطلاقهم صرخة في وجه الاستكبار والظلم على اختلاف مصادره.
يوم القدس ليس مناسبة لخروج الحشود المليونية للهتاف ضد الكيان فحسب بل يتعداها لدبّ الرعب والذعر والخوف في قلوب الصهاينة حين يرون أن مليار مسلم اجتمعوا على هدف واحد، ولو أن كل المسلمين في العالم خرجوا يوم القدس وصرخوا “الموت لإسرائيل” فإن قولهم هذا سيجلب الموت للكيان.
ولا يمكن أن يمر يوم القدس العالمي دون أن نستحضر قائد فيلق القدس الشهيد “قاسم سليماني” وهو الذي كان من المؤسسين لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني والذي لاسمه دلالات كبيرة باليقظة والوعي حول أهمية قضية القدس، وضرورة بقاء البوصلة موجهة إليها حتى تحريرها من دنس الصهاينة.
طوفان الأحرار ينصر القدس
يأتي يوم القدس العالمي هذا العام وكل مايدور حول فلسطين ينبئ بمعادلة جديدة نجح محور المقاومة في فرضها وتغيير موازين القوى لصالح العالم الإسلامي وجبهة المقاومة مقابل التراجع الواضح للقوة الأمريكية والصهيونية، كما أن المفاهيم حول القضية الفلسطينية تغيرت والرأي العام العالمي تجاهها تبدل، ليكون يوم القدس في هذا العام بنكهة الشموخ والانتصار، فالخط الانحداري باتجاه زوال الكيان قد بدأ ولن يتوقف أبداً، وقوة حركات المقاومة تتعاظم حيث أن المحور بعد طوفان الأحرار يقترب من القدس أكثر من أي وقت مضى.
وما كانت تعانيه الأمة الإسلامية من ضعف وتشرذم أكد أهمية العودة إلى القدس لرصّ الصفوف وإعادة تصويب البوصلة والتأسيس لحركة عالمية ضد الظلم، و “إن شاء الله سيأتي اليوم الذي يكون فيه المسلمين أخوة، وتجتث جذور إسرائيل الفاسدة من المسجد الأقصى، ومن بلدنا الإسلامي، وإن شاء الله نذهب معا، ونقيم صلاة الوحدة في القدس، إن شاء الله” وهذا ماكان الخميني يتطلع إليه.
واليوم في يوم القدس العالمي واجب علينا أن نجدد العهد للقدس بأن نظل المتمسكين بقضيتها مهما اشتدت الفتن وطغى الظلم، كما لزاماً علينا أن نحيي الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني لأن صمودهم هو اللبنة الأساسية لاجتثاث الكيان، وأن نرسل لهم رسالة دعم صادقة مقرونة بالفعل، ونذكّر المجاهدين بالوعد الإلهي بملء الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وأن خاتمة معركتهم مع الصهاينة ستكون النصر المؤكد، أوليس الصبح بقريب؟!