أخبار حلب _ سوريا
لم يمضي وقت كثير على نشوة الانتصار الكاذب التي شعر به قادة استخبارات العدو وجيشه عقب تلك العمليات التي قاموا بها ضد مشروع إيران العلمي والنووي، حتى أربكهم الصمت الإيراني وعدم التعليق وكأن قراراً ما قد تم اتخاذه بطهران!!فهل بقيت هذه العمليات الصهيونية ضد المنشآت النووية هكذا دون رد؟!!
من يفهم طبيعة السلوك الإيراني وسياسة النفس الطويل في حلحلة العُقد؛ يعي أن إيران لا يمكن أن تبلع الضرب دون أن تردها، وهذا ما أفرزته تلك الأحداث التي تلت العمليات الصهيونية ضد إيران ضمن معارك الظل الدائرة بينهما. ومن أبرز تلك العمليات الانتقامية التي نفذتها إيران في الظل ضد العدو الصهيوني ما شهده نيسان 2021 حين بدأت ملامح الانتقام؛ بتنفيذ القوات المسلحة الإيرانية عمليةً خارج إيران باقتحام مركز استخباري سري وخاص شمال العراق، تم فيه تصفية مجموعة كبيرة من الضباط والمسؤولين الصهاينة،
وهو الأمر الذي أصاب أجهزة الاستخبارات الصهيونية بالصدمة، ولم يتضح حينها فيما إذا كانت استخبارات الحرس الثوري الإيراني قد نفذت العملّية أم جهة أمنية إيرانية أخري.
في أيار 2021 حدثت سلسلة أحداث متلاحقة داخل الكيان، حيث نشرت وسائل إعلام العدو خبر انفجار مصفاة مركزية في حيفا، و تسرب خزانات الأمونيا، كما أعلن الكيان وقتها عن تعّرض 80 شركة مهمة لهجمات سيبرانية مميتة، اعقبه انفجار غامض قرب مطار “بن غوريون”، وبعد فترة تم إطلاق صاروخ من سوريا وقع قرب مفاعل ديمونا النووي في أخطر الرسائل وأشدها رعباً للكيان.
لم تقتصر ردود الأفعال الإيرانية على جرائم الكيان بالعمليات السرية فحسب بل كانت تصريحات القادة العسكريين في الجيش الإيراني صريحة بما يكفي ليعلم قادة الكيان المصير الذي سينتهي إليه كيانهم في حال الدخول بعدوان مباشر مع إيران، وهو ما أشار إليه قائد الحرس الثوري الإيراني “حسين سلامي” بالقول: “أن الضربة الأولى لهذا الكيان يمكن أن تكون الضربة الأخيرة”
لكن هل يملك الكيان من القوة ما يمكّنه من استهداف هذه المنشآت بمفرده؟!!
أفرزت الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة حقيقة مدى هشاشة قوة الردع الصهيوني، وأنه مجرد قوة طفيلية تستند إلى قوى أخرى عالمية وإقليمية، وهي فقدت هالتها بعد عملية طوفان الأقصى التي أسقطت ورقة التوت عن هذا الكيان الذي لا يزال منذ تلك اللحظة يحاول التقاط أنفاسه، حتى جاءت لحظة “الوعد الصادق” الإيرانية رداً على حماقة الكيان باستهداف القنصلية الإيرانية في دمشق والتي راح ضحيتها عدداً من المستشارين العسكريين الإيرانيين أبرزهم الشهيد القيادي في فيلق القدس “محمد رضا زاهدي”.
لقد كان لوقع التهديد الإيراني بالرد وقع الصاعقة على الكيان الذي حبس أنفاسه طوال أيام الانتظار وسط تحشيد أمريكي وغربي بتطمينات عسكرية ومعنوية وهو ما بدا ملحوظا بتصدي أنظمة الدفاع الجوي لأكثر من سبعة دول للصواريخ والمسيرات الإيرانية التي لم تهدف طهران منها اشعال فتيل الحرب بقدر ما أرادت تأديب الكيان بقدرتها على الوصول إلى مقرات قواعده العسكرية؛ خاصة تلك التي انطلقت منها صواريخ العدوان لاغتيال المستشارين بقصف مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق. حماقة الصهاينة أوقعتهم في ورطة أكبر …فالرد على الرد قد يفتح أبواب الجحيم عليهم
حالة الصدمة التي أذهلت الكيان كونها المرة الأولى التي يتم استهدافهم بصواريخ بالستية بعيدة المدى، ومن قلب إيران العدو اللدود للكيان، هي صفعة جعلت الكيان يترنح حول نفسه، وهو العاجز عن مواجهة فصائل مقاومة مدعومة من إيران، فكيف به وقد تحولت مواقعه إلى أهداف للصواريخ الإيرانية.
ماذا يعني تحول قبته الحديدية إلى قبة خشبية؟!
الأثر النفسي والمعنوي الذي ألحقته الضربة الإيرانية بالكيان كان له وقع كبير جعل من قادة هذا الكيان أشبه بجرذان تختبئ في جحورها، وهم يتابعون بأوصال مرتعدة أخبار الضربات التي وصلت إلى مقر قواعدهم العسكرية؛ معلنة نهاية وهم القوة وهالة الردع الذي اختبئ تحتها الصهاينة بتضخيم قوتها أمام مجموع جميع القوى المحيطة بهم.
وهذا هو سبب بقاء المستوطنين الذين بدأوا التفكير جدياً بأن الأرض التي قدموا للاستيطان فيها، بدأت تشتعل من تحت أقدامهم غضباً فلسطينياً ومن فوق رؤوسهم صواريخ مقاومةٍ من صنعاء إلى بيروت ودمشق وبغداد وطهران، وهي حلقة باكتمالها نتمكن من قياس حجم قوتها بردود الأفعال على ضرباتها.
حيث شهدنا تعالي تصريحات قادة الكيان بالتهديدات الجوفاء للرد على الضربة الإيرانية، رغم تصريحات أمريكا بتحذير الكيان من مغبة الرد، الذي قد يُترك الكيان فيه وحيداً في مواجهة إيران، وهو ما يدرك الصهاينة فداحته من خلال تجربة صد الصواريخ الإيرانية التي اخترقت كل طبقات دفاعاتهم الجوية رغم عددها القليل.
الرد الصهيوني بقصف أصفهان … رد بطعم الخذلان
بعد تحذيرات القادة العسكريين الإيرانيين من مغبة الرد الصهيوني وأن رد إيران هذه المرة لن يكون تحذيرياً كسابقه، حدث الانقسام داخل أجهزة الكيان الصهيوني حول جدوى الرد من عدمه آخذين بعين الاعتبار تحليلات الخبراء الإيرانيين؛ كونهم الأقرب من الدوائر العسكرية ويدركون حجم قوتها وما يمكن أن يكون نتائج ردها، حيث رأى الخبير الإيراني في قضايا غرب آسيا “علي رضا تقوي” أن الخيارات المطروحة أمام “إسرائيل” للرد المحتمل على إيران محدودة.
وأشار إلى أنه يمكن أن يكون الرد الإسرائيلي عن طريق الهجوم السيبراني، أو العمليات التخريبية والإرهابية، أو الهجوم على القوات الإيرانية في سوريا، أو هجوم مباشر على الأراضي الإيرانية دون أن يستهدف المنشآت النووية، معتبراً أن “هجوم إسرائيل المباشر على إيران هو غباء محض وغير عقلاني؛ لأن هذا الكيان لا يستطيع أن يتحمل تلقي 1000 صاروخ باليستي و2000 طائرة مسيرة في الوقت نفسه.
لذلك جاء فيما تم إعلانه من قبل إعلام الكيان منذ أيام أن ما حدث في أصفهان هو رد إسرائيلي كاشفاً عن حالة الهزال التي وصل إليها سلاح الردع الصهيوني؛ الذي يحاول بطرق صبيانية ترميم صورته التي انكسرت بعد الضرر الكبير الذي لحق بقواعده العسكرية جراء استهدافها بالصواريخ الإيرانية.
السخرية من هذا الرد الصهيوني لم يكن من الإعلام الإيراني فحسب، بل حتى من إعلام العدو ذاته، ومن بعض قادته الذي تحدثوا أن هذا الرد يعد إهانة لهذا الكيان أكثر من عدم الرد.
في حين أشارت وسائل الإعلام العالمية إلى حجم العجز والضعف الذي أصاب سلاح الردع الصهيوني مقارنة بتنامي قوة الردع الإيرانية.
وهو مقياس في غاية الأهمية حين كان سلاح الكيان سابقاً يضرب يميناً وشمالاً دون أن يؤخذ بعين الاعتبار أي قوى متواجدة في المنطقة، كونه يدرك حالة العجز التي تعيشها دول المنطقة.
الخلاصة
إن انقلاب المشهد وتحول الكيان لاستجداء الرد ما أمكن لرد الاعتبار أمام جمهوره، هو تحول استراتيجي سيكون له تبعات على مستوى المنطقة، يجعل من الكيان امام خيارات محدودة في المنطقة رغم الغطاء الذي لاتزال أمريكا والغرب يمنحانه له.ومع كل ذلك ثبت يقيناً أننا أمام أفول شمس الكيان وشروق شمس المقاومة التي أشرقت بكل عنفوانها لتعيد ترتيب المنطقة كما يريده أبناؤها.
تابعنا عبر منصاتنا :