أخبار حلب _ سوريا
بخطاب عميق جداً يحمل في طياته دستوراً للمرحلة المقبلة بكل مفاجآتها وتحدياتها تحدث السيد الرئيس “بشار الأسد” في اجتماع اللجنة المركزية الموسع لانتخاب أعضاء القيادة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي؛ ليرسي قواعد الاشتباك الثقافي والإيديولوجي المتطور والمتشعب بعد 13 عاماً من الحرب التي أعقبها تغيرات على مستوى العالم، ويبين حجم المسؤوليات الكبرى الملقاة على عاتق الحزب.
الالتزامات والمسؤوليات قبل الامتيازات
استهل الرئيس “الأسد” بتذكير أعضاء الاجتماع الموسع بأهمية الحزب مشفعاً تلك الأهمية بمسؤولية والتزامات كبرى بحجم الأهمية حيث قال: “من الصعب أن نفصل تاريخ ودور الحزب عن تاريخ سورية، هذه حقيقة واقعة، ولكن هذه ليست ميزة بل هي مسؤولية تقع على عاتق كل بعثي، وهي مسؤولية كبيرة لكبر التحولات الكبيرة الكبرى التي مرت بها سوريا، وحرجة بخطورة المفاصل التي مرت بها سوريا عبر تاريخها منذ الاستقلال”.
وهنا رسخ الأمين العام للقاعدة الأولى للانطلاقة الجديدة وهي صرف الأهمية بالالتزامات وليس بالامتيازات فحسب من خلال عودة إلى الوراء في تاريخ الحزب ودوه ابتداء بالاستقلال وإلى العقود الثمانية الأخيرة حيث وصف الأمين العام حزب البعث العربي الاشتراكي باللاعب الأساسي على الساحة السياسية، سواء في الخمسينيات حين واجه حلف بغداد، أو حين واجه عصابات الإخوان المسلمين، وسواء في مرحلة الوحدة مع مصر أو في مواجهة الانفصال وصولاً إلى ثورة 8 آذار عام 1963 وبعدها مرحلة ما بعد الحركة التصحيحية وإنشاء البنية التحتية الكبيرة، ثم مواجهة عصابات الإخوان المسلمين مرة أخرى وصولاً إلى الحرب الحالية وما قدمه الحزب من شهداء واحتضان للقوات المسلحة.
وقد كان هدف الأمين العام من استحضار ذاكرة الحزب ودوره التاريخي الحافل هو التأسيس لخطاب المرحلة القادمة المليئة بالتحديات الثقافية والإيديولوجية والتي تحتاج إلى الكثير من المرونة وتطوير الأساليب وتحديث الرؤى ومعالجة الأخطاء بعد تشخيصها والاشارة إليها بكل شجاعة وشفافية.
التحديات العقائدية الكبرى ودور الحزب في مواجهتها
تفوق الحروب الناعمة المرتبطة بتشويه القيم والمبادئ واستبدال الثقافات الأصيلة بالأفكار الهجينة والملوثة خطورة الحرب الصلبة المرتبطة بالبندقية والصاروخ.
ومنذ ابتدأت الحرب على سوريا قبل 13 عاماً كانت الحرب الإيديولوجية والإعلامية تعتلي ظهور السلاح المتدفق عبر الحدود وتسابقه في استهداف بنية المجتمع السوري ووحدته وانتماؤه وهويته وثقافته.
وانطلاقاً من تلك الحقائق تحدث الرئيس “بشار الأسد” عن خطورة المرحلة المقبلة من ناحية الاستهداف الثقافي ليلفت المجتمعين خصوصاً والسوريين عموماً إلى أن تحرير الأراضي من الإرهاب لا يعني بالضرورة الاستراحة من الحرب لأن العدو مازال يتربص ويمتلك الأدوات التي تحتاج إلى أساليب جديدة في المواجهة.
وبناء على أهمية العقيدة التي تهدف إلى توحيد المجتمع وتمتينه وتقويته، وكذلك حماية الوطن فهي تشكل عائقاً أمام العدو في تحقيق هيمنته، ففي هذا الإطار رأى الأمين العام أن أخطر ما يواجه الوطن هو الحروب العقائدية كالنازية الجديدة، والليبرالية الحديثة، والتطرف الديني.
هذه الحروب العقائدية لا يمكن مواجهتها إلا بفكر وعقيدة، كذلك الحرب الاقتصادية والإرهابية؛ بتلك العبارات أسس الرئيس الأسد للعمل الحزبي في المرحلة المقبلة باعتباره حزباً عقائدياً مرتبطاً بتاريخ سوريا ومسيرتها النضالية ارتباطاً وجودياً.
ونظراً لأهمية المرحلة لم يكتف الرئيس الأسد بتأسيس نظرية المواجهة بل استدل بأمثلة عميقة جداً في الاستقراء والتحليل ليوضح حجم ودقة المواجهة قائلاً في هذا المضمار: “ليس بالضرورة أن يكون الهدف هو الجوع بالاقتصاد أو القتل بالإرهاب، وإنما الهدف الوصول إلى ثقافة اليأس التي تتحول مع الزمن ومع التراكم إلى عقيدة أو ما يشبه العقيدة التي تحل محل العقائد الأخرى، تحل محل المبادئ، وبالتالي تدفع باتجاه التنازل عن الحقوق، لذلك في ظل هذه الظروف، وأنا لا أقصد تحديداً ظروف سوريا وإنما الظروف العالمية التي يشهد كل العالم فيها حروباً ذات طابع ثقافي وعقائدي تصبح الأحزاب العقائدية أكثر أهمية بكثير من قبل”.
إنّ بث ثقافة اليأس والتخاذل بات اليوم يستشري بالمجتمع أكثر من أي عدوى مرضية قاتلة؛ ذلك لأنه يستغل الوضع الاقتصادي الحرج الذي أوصلنا إليه دعاة تلك الثقافة والممولين في الخفاء والعلن للترويج لها وتبنيها وترسيخها كأمر واقع.
هذه الحقيقة التي أراد الرئيس الأسد أن يقف عندها كل سوري يقع اليوم ضحية التيئيس الذي يحاول التحكم بكل مفاصل حياته عبر حملات حرب نفسية معادية على الفضاء الافتراضي تهدف لجعله يبحث عن حلول إما تقوده إلى الجريمة أو إلى الهجرة وبأحسن الأحوال تقوده إلى الخمول والاستماتة والشكاية الفارغة من أي خطوات جادة نحو البحث عن حلول وابتكار مخارج والتفكير الجمعي بالتخلص من شراك الوضع القاتم.
فعصر الإيديولوجيات لم ينتهِ كما أوضح الرئيس “بشار الأسد”، معتبراً أننا نعيش اليوم أعلى مرحلة أيديولوجية على مستوى العالم مفسراً رؤيته بالقول: “لأن التطرف هو عقيدة، لأن الليبرالية الحديثة هي عقيدة، لأن الخنوع الذي يدعو إليه الغرب تحت عناوين مختلفة هو عقيدة” ليقدم الدور الفاعل والمسؤولية الكبرى المنوطة بحزب البعث.
لابد من أخطاء تفرضها التراكمات التاريخية ولكن لابد من معالجة تفرضها حتمية الاستمرار
إن أولى خطوات معالجة المرض والتعافي منه هو تشخيص المرض وتقديره بدقة ومن ثم معالجته بأمانة، وتوالي السنوات وتراكم الأحداث والتجارب تحتم وجود الثغرات والأخطاء ولكن تبقى الخطوة الأهم في تشخيصها ومعالجتها من أجل تجاوزها إلى مرحلة أكثر قوة ومرونة.
هذا ما أراد الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي ترسيخه في أذهان الرفاق المنطلقين إلى مرحلة جديدة من الانتخابات المركزية والعمل الدؤوب في ظل الظروف الراهنة.
حيث أوضح الرئيس الأسد أنه بعد سبعة وسبعين عاماً من تأسيس حزب البعث وثلاثة عشر عاماً من هذه الحرب، لا شك أن حزب البعث مازال قوياً مؤسسةً وعقيدةً، ولكن هذا لا يعني عدم وجود الكثير من السلبيات التي تراكمت عبر تاريخه، إما بسبب عدم التطوير أو بسبب عدم معالجة الأخطاء المتراكمة، وتابع القول: “أنا أعتقد بأن ما يخيفنا هو ليس الأعداء مهما تكاثروا ومهما أظهروا من شراسة، ولكن ما يخيفنا حقيقة هو عدم معالجة هذه الأخطاء والتراكمات، لأنها هي التي يمكن أن تؤدي إلى إسقاط الحزب مؤسسةً وعقيدةً”.
فالتطوير والتحديث ومعالجة الأخطاء ضرورة حتمية تفرضها ديناميكية المجتمعات وتطور الحياة والمراحل الزمنية واختلافها، وأي أمة اليوم أو حزب أو مجتمع لا يتكاتف ليطور نفسه سواء آلية تفاعله مع المرحلة الزمنية الراهنة أو آلية دفاعه عن هويته وأصالته في وجه الحروب العقائدية المتغيرة والمتطورة باستمرار فإن ذلك الحزب أو المجتمع أو الأمة حكموا على أنفسهم بالضياع.
تابعنا عبر منصاتنا :
تيلجرام Aleppo News
تويتر Aleppo News
أنستغرام Aleppo News