أخبار حلب _ سوريا
في الوقت الذي ادّعت فيه الإدارة الأمريكية بأنها تسعى لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان، مرسلة تحذيرات مموّهة للكيان من تفاقم الحرب وتوسيع رقعة الصراع، كانت تتبادل الطموحات والأهداف مع “نتنياهو”، وهذا ما لم يعد باستطاعة “بايدن” إخفائه، فالمسرحية طالت فصولها، ولم يعد بإمكانه العثور على مشاهد جديدة، ما اضطره لخلع قناع التحذير وإظهار وجه الداعم المتبني لكل حلقات الصراع النيراني في المنطقة.
وفي هذا الصدد كشفت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية أن ما حاول إظهاره “بايدن” باحتضانه ل”نتنياهو”، هو الاعتقاد بأن الحوافز الإيجابية يمكن أن توقف جنون الكيان الوحشي في غزة، لكن الحقيقة فقد أسفرت دبلوماسية “الاحتضان الحميم” عن فشل مدو، معترفةً أنه منذ بداية الهجوم الصهيوني على غزة، سعت إدارة “بايدن” إلى تحقيق أهداف سياسية؛ تمحورت حول دعم الحملة العسكرية الصهيونية على غزة، والمساعدة في تأمين إطلاق سراح الأسرى المحتجزين في غزة.
وما كشفته أيضاً أن ما حصل بعد عام هو ارتقاء أكثر من 42 ألف شهيد فلسطيني، بالإضافة لتدمير معظم غزة، كما يواجه سكانها البالغ عددهم مليوني نسمة واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في هذا القرن، لافتةً إلى أن الكيان الصهيوني قد فشل في تحقيق هدفه المعلن، المتمثل في “القضاء على حماس”، ولا يزال حوالي 100 أسير في غزة.
ولم يقف الحديث هنا عند “بايدن” فحسب، فقد أقرّت بأن الإدارة الأمريكية السابقة تكن الاحترام والود الشديدين للكيان، كاشفة أن “بايدن” بالنسبة لسابقيه استطاع تمثيل دور الفريد من نوعه في رفضه المتشدد لاستخدام النفوذ الأمريكي أو ممارسة أي ضغط حقيقي على الكيان، كاشفةّ أن تصريحات “بايدن” المخالفة لأفعاله الواقعية جعلت السياسية الأمريكية غير متماسكة، إضافة لانفصالها بشكل صارخ عن الحقائق على الأرض، إضافةً إلى أهداف سياسة الإدارة نفسها.
وفي سياق متصل كشفت المجلة أن المسار الذي يسير عليه “بايدن” تجاه الكيان؛ ركب أمواج التكرار خلال عام واحد، ففي الأشهر القليلة الأولى من الحرب، عرضت واشنطن دعماً غير مشروط للهجوم الصهيوني على غزة، بينما رفضت أي دعوات لوقف إطلاق النار، بما في ذلك استخدام حق النقض ثلاث مرات منفصلة ضد قرار وقف إطلاق النار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ورغم ارتفاع عدد الشهداء وما بينه مراقبو حقوق الإنسان؛ بأنه استخفافاً صادماً بأرواح المدنيين من قبل القوات الصهيونية، فقد أكد البيت الأبيض في عهد بايدن مراراً وتكراراً أن الولايات المتحدة لن ترسم أي “خطوط حمر” عندما يتعلق الأمر بسلوك الكيان في غزة.
وأهم النقاط التي أكدتها المجلة أنه رغم تحذير وزير الدفاع الأمريكي “لويد أوستن”، للكيان من أن الخسائر المدنية الهائلة تخاطر بتحويل النصر التكتيكي إلى هزيمة استراتيجية، فقد استمرت واشنطن في تسريع توريد الأسلحة إلى الكيان، وكانت التجاوزات الصهيونية خطيرة لدرجة أن محكمة العدل الدولية قضت بوجود إبادة جماعية في غزة، مضيفةً أنه بعد شهر واحد من بدء الحرب، عرضت وزارة الخارجية الأمريكية رؤيتها لما بعد الحرب لغزة – لا تهجير قسري، ولا إعادة احتلال لغزة أو تقليص أراضيها، وإعادة السيطرة إلى السلطة الفلسطينية “المتجددة”، بينما تظاهرت بأن كلمات “نتنياهو” والقنابل الصهيونية لم تمنع بالفعل كل هذه الأشياء تقريباً، كان افتقار الإدارة إلى الاستعجال نابعاً جزئياً من التأكيدات الصهيونية أن الحرب ستنتهي بحلول أوائل عام 2024.
وبالمثل، أقرّت أنه مع استمرار الحرب، وتدهور الظروف الإنسانية في غزة بشكل كبير كان على إدارة “بايدن” إعادة التكيّف، وبحلول شباط الماضي، تحولت أمريكا بعيداً عن معارضتها الصريحة لأي وقف لإطلاق النار إلى تبني صفقة محدودة لوقف إطلاق النار مقابل الأسرى، وبالتزامن مع ذلك أصبح المسؤولون الأمريكيون أكثر صراحة في إحباطهم من سلوك الكيان، محذرين أحياناً من العواقب الضمنية، وإن كان ذلك دون أي متابعة جادة.
كما لفتت إلى أن هناك لحظتان حاسمتان أكدت أن حكومة أمريكا لم تكن جادة أبداً بخصوص العواقب على الكيان، وكان العامل الأول هو تقرير الإدارة بشأن مذكّرة الأمن القومي رقم 20، التي طالبت بخفض المساعدات العسكرية للدول التي تستخدم أسلحة أمريكية الصنع في انتهاك للقانون الإنساني الدولي والقانون الأمريكي، متابعةً أنه على الرغم من الأدلة على الانتهاكات الصهيونية الواسعة النطاق والفظيعة للقانون الدولي، بما في ذلك حجب المساعدات الإنسانية، فإن التقرير تجنب التطرق إلى القضية بقوله إنه من الصعب للغاية إجراء “تقييمات نهائية” بشأن امتثال الكيان.
وإضافة لذلك بينت أنه بعد أسبوع، أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية “كريم خان” أنه سوف يسعى إلى إصدار أوامر اعتقال بحق “نتنياهو”، ووزير الحرب “يوآف غالانت”، معترفة بأن العامل الحاسم الثاني هو الحملة الهجومية الصهيونية على رفح، المدينة الحدودية في جنوب غزة حيث صدرت الأوامر لمعظم سكان القطاع بالانتقال، في أعقاب تدمير مدينة غزة وخان يونس.
كما ادّعت أنه خوفاً من كارثة إنسانية؛ أعلن “بايد”ن أن الهجوم على رفح سيتجاوز “الخط الأحمر” وحذر من العواقب إذا مضى الكيان قدماً في الغزو، عندما دخلت الدبابات الصهيونية رفح في أوائل أيار الماضي، إذ أعلنت الإدارة أنها تحتجز آلاف القنابل التي يبلغ وزنها 2000 و500 رطل والتي حولت معظم البنية التحتية في غزة إلى أنقاض، مضيفةً أنه بعد أشهر من التوتر بشأن غزة، أصبح المسرح مهيأ الآن لمواجهة كبرى بين “بايدن” و”نتنياهو”؛ أو هكذا بدا الأمر، وبعد أسبوعين فقط من العملية، انهارت الإدارة، وأصرّ البيت الأبيض على أن غزو رفح لم يكن في الواقع غزواً، بل عملية “أكثر استهدافا ومحدودية”، وإن كانت عملية دمرت ما يقرب من نصف جميع الهياكل.
كما ظنّت أنه بعد نجاح “نتنياهو” في تحدّي “بايدن” بشأن رفح وتحدي الرئيس الأمريكي مراراً وتكراراً دون عقاب، أدرك وحكومته اليمينية المتطرفة أنهما سيكونان الآن حرين في متابعة الحرب وحتى تصعيدها كما يرون مناسباً، فيما يسعى إلى إطالة أمد الحرب وحتى توسيعها من أجل الحفاظ على قبضته على السلطة، بما في ذلك السماح باغتيال رئيس حركة حماس، “إسماعيل هنية”، في طهران، بالإضافة إلى إضافة مطالب جديدة إلى صفقة محتملة.
وقد كشفت المجلة أن توسيع الكيان للحرب إلى لبنان طوال الصيف وخاصة في الأسابيع القليلة الماضية هو أحدث مثال على نهج “بايدن” الذي يقوّض نفسه، فقد حذر “بايدن” الكيان مراراً وتكراراً من غزو شامل للبنان، والذي قد يجر المنطقة إلى صراع كارثي، في الوقت نفسه أكد المسؤولون الأمريكيون للقادة الصهاينة أنهم سيستمرون في دعم الكيان مهما حدث، وكانت هذه الرسالة المشوشة بمثابة هبة من السماء ل”نتنياهو”، الذي تجاهل باستمرار التحذير واستمتع بالدعم.
وكشف أيضاً أنه منذ منتصف أيلول الماضي، استمرت العمليات الصهيونية في لبنان، بما في ذلك هجوم أجهزة النداء المتفجرة، والغارات الجوية، التي اغتالت أمين عام حزب الله السيد “حسن نصر الله”، وخلفت أكثر من 2100 شهيد ونحو مليون نازح، وعندما جاء الرد الإيراني، بإطلاق نحو 180 صاروخاً على أهداف مختلفة في مختلف أنحاء الكيان، رد المسؤولون الأمريكيون بالغضب والاستخفاف، ووصفوا الهجوم بأنه غير فعال في حين انضموا إلى الكيان في الوعد بعواقب وخيمة، مضيفةً أنه من خلال العمل على ضمان إفلات الكيان من العقاب، حتى عندما تصرفت بطرق عارضتها الولايات المتحدة بشدة، عملت الإدارة باستمرار على تقويض دبلوماسية وقف إطلاق النار الخاصة بها بينما سمحت لنتنياهو بتوسيع الحرب.
وفي الختام؛ فإن ما تريده الإدارة الأمريكية هو ما يحصل بالفعل، ف”بايدن” لا يهمه أن طفله المدلل خرج عن سيطرته، ولا يرتجف من كون جهله وغبائه هو الطريق إلى هلاكه، إن كل ما يفعله هو إظهار نفسه مظهر الميؤوس منه ومن إدارته وأن كل شيء خرج عن سيطرته، إلا أن ما تحت الطاولة يسير كما يخطط له تماماً، فبرأيه أنه عندما يتماسك الكيان ويبسط سيطرته كما يريد، ستدخل أمريكا بالوقت المناسب بالنسبة لها، وتعيد نفوذها في الشرق الأوسط، ولكن لا يعلم “بايدن” ولا “نتنياهو” أن خططهم التي ترتسم بالخفاء ووراء الأنظار، هي لعبة مكشوفة بالنسبة للمقاومة، ولن تترك لأمريكا وللكيان مجالاً للتحرك أكثر من حدودهم في فلسطين المحتلة، التي سيخسرون معركتها وتنتصر عاجلاً أم آجلاً.
تابعنا عبر منصاتنا :
تيلجرام Aleppo News
تويتر Aleppo News
أنستغرام Aleppo News