ليس مجرد لعبة أو رياضة تخطف أنظار الناس من كل مكان في كأس العالم، هو اختراع دولي يضم أكبر تجمع متعدد الهويات والأعراق والأجناس والأديان والثقافات والحضارات سواء من يحضر المونديال في أرض الملعب أو عبر الشاشة.
ليست نتائج الفوز أو الخسارة هي وحدها التي تحدث في المونديال، ولا صوت التشجيع وحده الذي يجب أن يُسمع، بل هناك مجموعة من الأشياء يجب أن تسمعها وأخرى لا تسمعها وأنت تتابع المونديال، فماهي؟
ماسك “فصل الرياضة عن السياسة”!
طبعاً لا تستطيع رعاة المونديال من الدول التي تصدع رأس العالم بالنزاعات والحروب أن تضبط حالة الاحتقان التي قد تنفجر في أي لحظة نتيجة الجمع بين الظالم والمظلوم على مقعد مجاور في الملعب، بدون العزف على وتر “فصل الرياضة عن السياسة”.
لكن المختلف هذا المونديال أنه بالقدر الذي رفعت فيه تلك الدول شعار “فصل الرياضة عن السياسة” فإنها أقحمت السياسة بقراراتها فيه.
فلماذا إذاً تُحرم روسيا من المشاركة في كأس العالم بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية ؟!
وإذا كان السبب قضية إنسانية وليست سياسية فعلى هذا المعيار يجب أن تُحرم السعودية بسبب إعدامها 17 شخصاً قبل أيام من بداية المونديال، عدا عن جرائم الحرب التي ترتكبها في اليمن.
وأيضاً يجب أن تُطبق هذه القاعدة على أمريكا التي تفتعل الأزمات في العالم.
ولكن في كأس العالم تحديداً يجب أن يرى المشاهدون بعين واحدة توجه عدستها الدول العالمية الكبرى على هواها، وتقنع العالم أنهم يرون الحقيقة بعبارات براقة وشعارات إنسانية مخادعة.
اجتماع المتناقضات في المونديال
لا تقتصر غرائب المونديال على اجتماع الظالم والمظلوم في مكان واحد بدون أي غضاضة يجدها المظلوم في نفسه تجاه جلاده، بل هناك الكثير من التناقضات في ثقافات الشعوب تثير الجدل.
- فمثلاً تستدعي قطر الداعية “ذاكر نايك” المعروف بأفكاره المتطرفة وفي مقابله المغنية “نيكي ميناج” الإباحية إلى المشاركة بفعاليات المونديال!.
- ورغم التعليمات الشكلية للحد من انتشار المشروبات المسكرة في المونديال إلى أنها كانت حاضرة، في مقابل افتتاح المونديال بالقرآن الكريم!.
- ويرتفع علم فلسطين في المونديال في مقابل التواجد الإسرائيلي الطاغي وبدون حرج!.
- تكلفت قطر هذه السنة في المونديال 300 مليار دولار، نافست فيها الإمارات التي صرفت مبالغ طائلة وخسرت فرصة احتضان المونديال، بينما يعاني العالم بشكل عام من التراجع والجمود الاقتصادي، والشرق الأوسط بشكل خاص، حيث يحتل الفقر المدقع دول من المنطقة بسبب الحروب.
وبينما يمتع المتابع عينيه بأصناف البزخ والترف التي تزين عالم المونديال، ينسى جيبه المثقوب الذي نهبته رعاة المونديال وأورثته الفقر والدمار!.
أشياء تحدث أثناء المونديال
إن مهمة الأصوات الصاخبة التي تحدث في المونديال ليست فقط لتشجيع اللاعبين، بل لها أيضاً وظيفة إخفاء أصوات الرصاص المسموعة في مناطق متفرقة من العالم.
ففي العام 1982م قامت إسرائيل باجتياح لبنان بينما العالم منشغل بمبارايات كأس العالم وخصوصاً العرب والمسلمين.
وكثيراً ما تقوم الدول العدوانية باستغلال مناسبة كأس العالم لتفعل أشياء لا تريد أن يراها العالم.
فبينما اعتدت إسرائيل على قافلة النفط الإيرانية على الحدود السورية العراقية قبيل المونديال، هاجمت إعلامياً إيران حين دافعت عن نفسها وردت بضرب ناقلة نفط في بحر عُمان تعود ملكيتها لإسرائيل!.
وتقوم تركيا اليوم باستغلال انشغال العالم بكأس العالم لتعلن عن عملية قصف واجتياح للأراضي السورية لمحاربة “قسد” التي ترعاها وتدعمها أمريكا والتي تعتبر المحرك في الظل لكلا الطرفين المتصارعين لأجل مصالحها في المنطقة.
الخلاصة
تبقى فكرة اجتماع الشعوب على الرياضة فكرة حضارية وممتازة ولكن على شرط أن لا تكون التكاليف كلها من جيب الأضعف والخسارة دائماً للأضعف، فبدون تحقيق العدالة في العالم لا يمكن أن نتحدث عن أي تجاذب أو اندماج بين شعوب العالم لا بمؤتمرات حوارية ولا فعاليات ترفيهية ولا بكأس عالم.
طالما أن هناك دول منهوبة ومدمرة ومنكوبة لا يمكن أن ترى عين الناهب والمنهوب كرة القدم برؤيا واحدة فبينما يرى الناهب كرة القدم رياضة يحقق فيها مكاسبه، يستفيق المنهوب بعد المونديال ليرى أنها قنابل أطاحت سقف منزله أو منزل جاره.