حدث أن مشكلة بسيطة في قرية نائية داخل دولة صغيرة أحدثت انفجاراً عالمياً هائلاً وتداعيات دولية كبيرة وخطيرة، وتدخلت فيها الأطراف وتصارعت فيها الدول وتأسست عليها التنظيمات وعقدت لأجلها التحافات وأقيمت لحلّها المؤتمرات.
هي الحرب السورية والتي تعددت فيها التسميات وتزاحمت المصطلحات، حيث لم يكن يريد من أسماها بالثورة السورية أن يخرجها من نطاقها الداخلي الصغير ويضيقها إلى الحد الذي يجعل طرفاً واحداً فيها هو المتهم الوحيد بكل تلك المشكلة.
وأما من أسماها الحرب الأهلية السورية فقد طمح لها بديمومةٍ أشد من حرب البثوث.
هل حقاً فتيل مشاجرةٍ أشعل كل هذه الحرب التي مازالت تداعياتها تتأجج كالنار في الهشيم ؟
كان لابد لهذا الادعاء أن يُصدّق لما كرّس له من دعم إعلامي عالمي كبير لولا أن الجيش السوري اتخذ قراراً بضبط النفس فحرق لخصومه ورقة ما أسموها “الثورة السلمية”.
وهذه أولى نقطة تحسب لصالح الجيش السوري في هذه الحرب وإن دارت حولها الكثير من الانتقادات لما خلفته من شهداء من رجال الأمن والجيش والمدنيين بسبب سياسة عدم استخدام القوة والتي دامت سنة كاملة.
يظهر لنا من خلال قراءة ظهور بعض الأوراق وتفاقم بعض الاحداث في السياسة أن دور الجيش العربي السوري لم يقتصر فقط على تحرير منطقة أو حماية بلدة أو حفظ الحدود السورية أو غيرها من شؤون الداخل السوري.
لقد جعلت الدول اللاهثة وراء الهيمنة والتفرد في القرار السياسي والتفوق الحضاري والتسلط الاقتصادي والثقافي سورية مسرحاً لتجاربها وبناء خططها ومشاريعهايصدق القول أنه لم يبق شيء لم تجربه أمريكا في سورية لاحكام هيمنتها على العالم انطلاقاً مما روجته كثيراً في الإعلام العربي (الشرق الأوسط الجديد).
دور الجيش السوري في إسقاط مشروع الربيع العربي
من تونس إلى مصر وليبيا لقد كانت سيناريوهات لا أكثر فعيون العدو كانت مسمرة نحو سورية، تدحرجت أحجار الدومينو سريعاً إلى أن أُوقفت على أبواب دمشق ومنذ ذلك الوقت وأيادي العابثين لم تتوقف عن جعلها تتقدم.
وقد كشف هذه اللعبة مؤخراً حمد أمير قطر السابق في تصريحاته حول ما جرى في سورية، وكيف تآمروا رؤساء الدول العربية مع أمريكا لإسقاط النظام فيها.
بعد أن هزم الجيش العربي السوري مشروع الربيع العربي وجعله نكتة ساخرة على ألسنة الهاذلين من خلال كشف الخطط وراء إسقاط الأنظمة وتفكيك الجيوش وإدخال السلاح وإغراق المنطقة في الفوضى وبعد أن ظلّ متماسكاً في الميدان واستطاع بمساعدة أصدقائه وحلفائه أن يستعيد المناطق الحساسة التي خسرها، بدأت أمريكا تخيط من هذا الثوب المهترئ (الربيع العربي) مشاريعها الأخرى لاخضاع كل من يرفض هيمنتها وفي مقدمتهم سورية.
دور الجيش العربي السوري في إسقاط مشروع التطرف الديني
صدرت السعودية ودول الخليج الفكر الوهابي المتطرف إلى سورية في سبيل إسقاط النظام وتفكيك الجيش بالفتنة الطائفية.
لم يكن سهلاً التخلص من هذه الفتنة السوداء في سورية لعدة أسباب:
الثقة التي منحتها سورية للدول العربية جعلتها تستغل هذه الفرصة لتمرير أفكارها المتطرفة بهدوء فتمهد لحرب التطرف الديني وذلك من خلال استغلال مواسم الحج والعمرة وإدخال بعض الكتب وغيرها.
طبيعة سورية المتنوعة في الطوائف والمذاهب فالجندي السوري في مهجعه يعيش مع رفقاه من مختلف المحافظات السورية والأديان والمذاهب فيها وقد حاولت المعارضة اللعب على هذا الوتر عبر استباحت منطقة معينة لأسباب طائفية كي تستفز عناصر من الجيش وتجعله منظومة تفني نفسها بنفسها من الداخل.
حجم الدعم الهائل الذي لترويج هذا الفكر ليس في سورية بل وفي دول العالم واستجلاب كل من يرغب بالقتال في سورية تحت اسم (الجهاد).
لكن قدرة الجيش العربي السوري على إدراك لعبة خصومه ومواجهتها وتماسكه وحفاظه على تنوعه وكان واعياً في الميدان لطبيعة المناطق في سورية وخصائصها الفكرية ولم يفرق هو وحلفائه في استراتيجيتهم لإعادة الأمان للبلدات السورية بين منطقة وأخرى على أساس ديني أو عرقي.
فأسقطوا فكرة الحرب الأهلية أو الفتنة الطائفية وقدموا ليس فقط للسوريين بل لكل العالم نموذجاً عن قدرة الإنسان مهما كان دينه أن يعيش مع أخيه الإنسان الآخر بتعاون وتناغم وتفاهم ويبنيان معاً مستقبلهما ويعززان مشتركاتهما، خلافاً لنظرية فرق تسد الأمريكية.
دور الجيش العربي السوري في إسقاط مشروع ابراهام
كان مشروع الربيع العربي والفتنة الطائفية مقدمةً لمشروع ما يسمى( ابراهام) للسلام العالمي.
فقد أرادت أمريكا من إغراق المنطقة بالحروب والدمار والفقر وإدخالها في أتون الاقتتال الطائفي أن تجعل شعوبها تستجدي خلاصاً فتقدمه لهم على أساس التنازل عن تاريخهم وثقافتهم وحضارتهم وحقوقهم وثرواتهم لصالح السلام العالمي على أساس التسلط والهيمنة وصهر هويات الشعوب بهوية واحدة على مقاس أمريكا وإسرائيل.
لكن تماسك سورية والجيش السوري والحلفاء وإيجادهم مخرجاً لكسر الحصار وتجاوز العقوبات وتحويلها إلى فرصة لتحقيق الاكتفاء وثبات سورية الدولة والجيش والشعب على موقفهم الرافض لتطبيع العلاقات مع إسرائيل رغم كل الضغوطات واستمرار دعمه للمقاومة وإصراره على تحرير كامل الأراضي السورية جعل ابراهام مشروعاً ولد ميتاً على الأقل في سورية ودول محور المقاومة.
واليوم تجني سورية والجيش السوري ومحور المقاومة ثمار ما زرعه وجهد وتعب وصمد لأجل إنمائه وبقائه.
أزمة الطاقة وخضوع أمريكا
فأزمة الطاقة والغاز والنفط جعلت الرئيس الأمريكي جو بايدن يهرول إلى الشرق الأوسط يمد يد العون لمن تعهد في حملته الانتخابية بمعاقبتهم فيخسر هيبته وتخسر أمريكا هيبتها في العالم كما خسرتها في سورية في الوقت يزور الرئيس السوري بشار الأسد حلب ويشرف على إطلاق عمل المجموعة الخامسة من المحطة الحرارية بعد إصلاحها بأيادي سورية وإيرانية تؤمن بأن الشرفاء في خندق واحد يصنعون
المعجزات.
لقد أذاقت سورية وحلفاؤها العدو من السم الذي طبخه لهم، وهاهي إسرائيل تقف عاجزة عن استخراج الغاز من حقل كاريش خوفاً من تهديدات السيد حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله وهي واقعة في أزمة فقدان تفوقها في العالم والمنطقة وأصبحت عالة على أوربا.
وهاهو الرئيس التركي رجب اردوغان يتراجع عن قرار العملية العسكرية التركية في الشمال السوري ويذهب إلى طهران ليجلس على طاولة حوار واحدة مصنوعة بصمود السوريين ومشبوكة بدماء شهدائهم وخاصة رجال الجيش العربي السوري مع الرئيس الإيراني والرئيس الروسي.
ولقد كان البيان الختامي لهذه الجلسة يوضح الانفراجات والانتصارات التي باتت تلوح في الأفق فالاتفاق على وحدة الأراضي السورية ومكافحة الارهاب والحركات الانفصالية وضرورة طرد الاحتلال الأمريكي من شرق الفرات يعني أن سورية طحنت مشاريع أمريكا للسيطرة على الشرق الأوسط والعالم تحت أقدامها.
واليوم كل تداعيات هذه الحرب واصطفافات العالم بين شرق وغرب وظهور الأقطاب المتعددة وأفول شمس الهيمنة الأمريكية وكسر شوكة الاتحاد الأوربي وإذاقته هم تأمين الطاقة والغاز والنفط في الشتاء والأمن الغذائي المتدهور والأزمات الاقتصادية التي بدأت تلقي بظلالها على أوربا هي أحداث صنعها الميدان السوري.