إذا كانت الخلايا تنتج عسلاً صافياً مميَّزاً فطبيعي أن تدفع ضريبةَ كونها العلّة التي تقف وراء ما يُحرِّك غرائزَ الذّباب وشهوانيته، وربما يتوجّب علينا التأقلم مع هذه المعادلة الظالمة كتفاعل بيولوجي ونحن نعيش في عالمٍ تطغى في فضاءاته أصداء أصوات من يؤمن بنظريّة اقتيات الجبابرة على ثروات بلدان العسل الصافي.
فعندما نعود إلى ما قبل الحرب التي شُنت على سورية بقليل؛ ونجد أن إنتاج سورية من النفط عام ٢٠١٠ بلغ حوالي ٤٠٠ برميل يومياً ، وأن الدراسات أكدت أن مجموع الاحتياط النفطي في سوريا يصل إلى نحو ملياري برميل ستدرك وبسهولة سر اندفاع الولايات المتحدة الأمريكية لتقديم الدعم لما يُسمّى (قوات سوريا الديمقراطية – التي تشكل القوات الكردية نحو نصفها – ).
حيث تسيطر الآن على نحو ثلث مساحة سورية الواقعة في مناطق الشمال وشرق نهر الفرات ، وإضافة إلى الانقياد الكامل الذي تُبديه هذه القوات لأوامر الولايات المتحدة الأمريكية ؛ فهي تتمتع بصفات تُقربها من مزاجية مُنظري البيت الأبيض ؛ وعلى رأس تلك الصفات الأهداف الانفصالية التي تحملها في رأس قائمة طموحاتها وأطماعها .
البعرة تدل على البعير
وحقيقة لم يقتصر الدعم الأمريكي – سياسياً ولوجستياً وعسكرياً – على الفصائل ذات النزعة الانفصالية؛ بل شمل -ومنذ بداية الحرب على سورية- جميع الجماعات المسلَّحة المعارِضة التي تؤمن بسياسة الفوضى والقتل والتدمير تحت شعارات الحريّة وحقوق الإنسان .
فمثلاً في كانون الأول ٢٠١٢ أعلن رئيس الولايات المتحدة (باراك أوباما) أن حكومته ستعترف بائتلاف المعارضة السوري، وأُغلقت السفارة الأمريكية في دمشق بسبب الحرب.
٢١ آب ٢٠١٣ هَدّدت الولايات المتحدة بضرب منشآت رئيسية للأسلحة السورية بزعم أن الجيش العربي السوري قام بهجوم كيميائي على أحد معاقل ما أسمتهم بالمتمرّدين في دمشق ؛ وقام أوباما بهذا الادّعاء -طبعاً- دون تقديم أي دليل.
هذه الأمثلة غيض من فيض توضّح حقيقة ارتباط الحراك المسلَّح المعارِض في سورية بأمريكا وأدواتها، وبالتالي أنه لم يكن بهدف إصلاحي أو تصحيحي؛ وأن الهدف من هذه الحرب هو الضغط على النظام السياسي في سورية ليغيّر خياراته؛ ويتحوّل إلى نظام تفريط عربي يمتثلُ للإملاءات الأمريكية التي تخدم مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يضمن أمن اسرائيل و يضمن المصالح المشتركة بين أمريكا وحلفائها.
نظام عربي معادٍ بمواقفه الرسمية للمشروع الصهيو أمريكي !!
إن وجود نظام عربي يقف بحزم ضد المشروع الأمريكي والمشروع الاسرائيلي طبيعي أن يُشكل قلقاً للإدارة الأمريكية ومن ورائها اسرائيل.
وأمريكا تُدرك تماماً أن هذا النظام المُمانِع لم يكْفِه الوقوف مع المقاومة الفلسطينية بل ساند المقاومة العراقية ضد أمريكا وبشكل واضح.
وقد صار جَليّاً للجميع أن أمريكا تسعى لإطالة أمد الحرب التي خطّطت لها وأشعلتها في سورية لِتُضعِف الجيش العربي الوحيد المتبقي خارج هيمنتها ، وهي التي تقف وراء تأجيج الصراعات والفتن في المنطقة، وبات معروفاً أن الكثير من الانتحاريين الذين فجّروا أنفسهم في أماكن عبادة في العراق قد دخلوا العراق بمساعدة ضباط أمريكان وتم تسهيل مهماتهم في العراق، وهذا السيناريو أيضاً طُبّق في سورية.
كما أن سِجِلُّ الإجرام الأمريكي مليء بما يندى له جبين الإنسانية على طول الخط، ومن المفارقات التي ظهرت مؤخراً أن الولايات المتحدة تتّهم روسيا بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا بينما تُواصِل هي في الوقت نفسه احتلالها لمناطق في سورية وتستمر بعمليات قتل المدنيين وسرقة النفط السوري، وتسعى الآن إلى تحقيق ما يشبه الوجود الدائم لها في سورية لتعزيز سيطرتها على الموارد السورية.
كيان جديد ؟
المُخطَّط الذي تُعِدُّه واشنطن لإنشاء منطقة حكم ذاتي في شمال شرق سورية تحدّثت عنه شخصية بارزة في وزارة الخارجية الأمريكية (فيكتوريا نولاند ) في مؤتمر عُقد في المغرب مؤخراً، حيث وضحت بأن الكيان الجديد المُخطّط لإنشائه سيضم المنطقة الأهم لإنتاج النفط في سورية، والتي تقوم باستثمارها حالياً واشنطن وحلفاؤها؛ فضلاً عن المساحات الواسعة المناسبة للزراعة.
كما يكفينا لمعرفة حقيقة المخططات الأمريكية وما تصبو إليه في المنطقة أن نتأمل تصريحات السفير الأمريكي السابق في سورية (جيمس جيفري) : (( صَعَّدنا من العزلة وضغط العقوبات على الأسد، وقد تمسّكنا بعدم وجود مساعدة لإعادة الإعمار؛ وكانت البلاد في أمَسّ الحاجة إليها، وأنتم ترون ما حدث لليرة السورية، ترون ما حدث للاقتصاد بأكمله، لذلك كانت هناك استراتيجية فعالة للغاية ….. وظيفتي هي أن أجعلها ( سورية ) مستنقعاً للروس .
الدويلات السورية المصطنعة ؟
وللالتفاف على العقوبات الحالية سيتم منح الدويلة المصغرة الجديدة قابلية للنمو الاقتصادي من خلال جعلها معفاة
ومن خلال تأمين شمال شرق سورية ؛ ستكون واشنطن قادرة أيضاً على الاحتفاظ بقاعدة (التنف ) العسكرية الأميركية غير الشرعية وحمايتها في جنوب شرق البلاد المتاخم للأردن؛ ويحول وجود قاعدة (التنف) دون إنشاء محور مقاومة متصل الأجزاء يمتد من إيران إلى لبنان ثم إلى فلسطين في نهاية المطاف، وبالتالي الحفاظ على الأمن الإسرائيلي في المنطقة.
هذا شيء يسير من زفرات سياسة الاقتناص التي تعتمدها الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا فيض جديد جادت به قرائح خبراء الصيد، وصناع الأشراك …تلك آثارهم تدل عليهم فانظروا بعدهم إلى الآثار.