كأي إنسانٍ فقير في بلدٍ لاتراه بعينها الواحدة ضوابط حقوق الإنسان الدولية يعيش الجريح في سورية معركةً ضارية مع مستقبله الذي لم تبقِ الحرب منه سوى أطرافٍ مبتورة، أو أوردة نازفة.
كيف يعيش الشاب الجريح في البلد الجريح بعد أحد عشر عاماً من السنوات العجاف؟!
مابعد الحرب في سورية حرب من نوع آخر
توقف الرصاص عن البوح بألوان العذاب بعد أحد عشر عاماً من الحرب في كثير من المناطق ولكن خلف وراءه جرحاً عميقاً في المستقبل.
في كل بيت سوري شهيد بكته أمه ليالٍ كثيرة، ولكن المبكي الأكثر ألماً وحرقةً جريح فقد أحد أطرافه في الحرب في بداية مشوار حياته نحو بناء مستقبله وتحقيق أحلامه وطموحاته.
يستيقظ الجريح السوري صباحاً ليجد نفسه في فراشه لا يستطيع الحراك بدون مساعدة أحد وذنبه الوحيد أنه ولد في سورية كما هو ذنب سورية الوحيد في محكمة الظلم الدولية أنها سورية.
دمار يحطم سقف الأفق عن الشباب السوري
تعد مشكلة إيجاد فرص العمل عند الجرحى السوريين من أصعب المعضلات في طريقهم، فإما أن يعيش بقية حياته عالةً على الآخرين ما يجعله عامل ضغط مادي على أهله وضغط نفسي على ذاته.
ولا فرق في سورية بين جريح رصاص فقد أطرافه، وجريح قلم فقد حقه في التعليم وجريح رغيف يتسول في الطقات أو على أبواب الجمعيات الخيرية.
هذا الواقع الظالم الذي يعيشه كل سوري سواء كان طفلاً أو شاباً أو مسناً والذي يجر خلفه مستقبلاً قاتماً وحالة ضياع وتشتت في كل الخيارات فأحلاها مرّ.
فلا السفر خيارٌ معبد بالورد أمام الشاب السوري ولا البقاء بدون عمل ولا رحلة البحث عن العمل ولا التوجه نحو العمل في ظل شح يغطي كل شيء تحتاجه عجلة الحياة لاستكمال دورانها كالكهرباء والمشتقات النفطية والمواصلات وارتفاع الأسعار.
ولكن تبقى الحالة الأصعب والنموذج الأقسى هو الجريح الذي خسر قطعة من جسمه فلا يدري ماذا يبني مكانها في وطن دمر فيه كل شيء.
نماذج سورية تصنع الأمل
كان التعليم قبل الحرب على سورية حاجة للمترفين في بعض المناطق السورية.
ولكنه اليوم الملاذ الوحيد لمن فقد القدرة العضلية على الحركة والعمل فلم يثنه اليأس عن الاجتهاد في قدراته الفكرية ليحصل على المراتب العلمية التي تمكنه من الحصول على فرصة عمل يحقق فيها ذاته ويكون شخصاً منتجاً وفعالاً في وسطه.
فقد بدأ هذه السنة في سورية 102 جريح مشوارهم العلمي بعد نجاحهم في الامتحان ونيلهم شهادة التعليم الأساسي لهذا العام وقد بلغت نسبة النجاح بين الجرحى المُتقدمين للامتحانات هذا العام (٩٤٪).
ومنهم من لم يكتف بالنجاح بل أحرز تفوقاً كالجريح علي نعيم إبراهيم من محافظة اللاذقية الذي حصل على أعلى علامة بمجموع (٢٩٦٧).
وهذا العام هو الأوسع مشاركةً من جرحى العجز تحت الكلي والجزئي رغم تعقد الظروف الاقتصادية وضبابية أفق الحل والانفراج في الواقع المعيشي وهو مؤشر يدل على سلامة تعاطي الإنسان السوري مع الأزمات.
فالإنسان صاحب العقيدة والإيمان يتعاطى مع المشاكل مهما تعاظمت بروح الإبداع لإيجاد طريق حل يمكنه من الحياة ولو في أقسى الظروف، وعدم الاتكال لا على منظمات حقوق الإنسان والرعاية الصحية ولا أطباء بلا حدود ولا أي جهة من أصحاب العناوين والشعارات البراقة والتي في الغالب تكون مسيسة أو موجهة أو لها مصالح خاصة غير معلنة.