بدأت الحرب على سوريا منذ العام 2011م بمعركة تحالفات إقليمية ودولية، اجتمعت فيها مصالح غالبية الدول الغربية بقيادة أمريكا وغالبية الدول العربية وتركيا وإسرائيل على تمرير خط الغاز القطري عبر المتوسط، وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وتمدد النفوذ الغربي إلى كامل منطقة الشرق الأوسط.
هذه الأهداف وغيرها الكثير فرضت على سوريا حرب الحدود التي اندلقت على مصراعيها بالمقاتلين الأجانب والأسلحة المتطورة وكافة الدعم العسكري واللوجستي سواء عبر الأردن أو لبنان أو تركيا أو حتى عبر الأراضي المحتلة.
دفع هذا التحالف الذي هدف للسيطرة على قلب الشرق الأوسط وضفاف المتوسط من أجل التحكم بطرق التجارة العالمية إلى تحالف كل من روسيا وسوريا وإيران وغيرهم من الدول القليلة التي رأت مصلحتها في الوقوف ضد خطة السيطرة الأمريكية كالصين وفنزويلا.
ولكن اتخاذ قرار بناء أي تحالف لمنع سقوط الجغرافيا السورية في يد السيطرة الغربية لم يكن سهلاً، خصوصاً أمام روسيا في الفترة التي كانت فيها سوريا تدخل في نفقٍ مظلم، فبدأت إيران الخطوة الأولى التي غيرت مجريات الأحداث وفرضت المعادلات الإقليمية والدولية لاحقاً.
فقد دخلت إيران في الشراكة مع سورية في المواجهة في الحرب منذ الأيام الأولى، وكان لها دور في التأثير على قرار روسيا في دخول المواجهة أيضاً من خلال اجتماع ضم الجنرال الشهيد قاسم سليماني بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتخذت روسيا بعده قرار خوض معركة التحالفات في سوريا عام 2015م.
حيث استمر الاجتماع حوالي 5 ساعات بينما كان مخططاً له أن يكون حوالي 45 دقيقة فقط، وقد قام الحاج قاسم بشرح الواقع الميداني في سوريا للرئيس بوتين، بشكل معمق وبالتفصيل، والأهم من ذلك قام بتوضيح مصلحة روسيا العظمى من المشاركة هناك، خاصةً بعد خسارة موسكو للعراق عام 2003، وبيّن له بأنه إذا استولى الأمريكيون على سوريا ونصّبوا رئيساً أمريكياً، فلن تكونوا بلاده من بعد ذلك قوة عظمى، وستخسر روسيا جبهتها الشرقية وجبهة البحر الأبيض المتوسط.
وبعد حرب دامت أكثر من 11 عاماً رجحت فيها الكفة لصالح التحالف السوري الإيراني الروسي، وجدت موسكو في إيران حليفاً قوياً وجاداً، وبدأت بعد ذلك العلاقة الروسية الإيرانية تأخذ أبعاداً أعمق من الجغرافيا السورية لتتلاقى المصالح بعد أن انتقلت روسيا من شجاعة قرار الدفاع عن مصالحها إلى قرار أشجع وهو منافسة أمريكا والغرب على سيادة العالم، أو على الأقل رفض سيادة القطب الواحد على العالم كما كانت تفعل إيران رغم العقوبات.
أما في الطرف المقابل فقد بدأت أمريكا تضعف عن الإطباق على أيدي حلفائها، فبدأت بالخلي عنهم في أفغانستان إلى العراق، وثبت للكثير من حلفائها عدم قدرتها على الوقوف إلى جانبهم بشكل فعلي بعد مواقفها غير الجادة في الحرب الروسية الأوكرانية سواء في تقديم دعم حقيقي لأوكرانيا كتدخل الجيش الأمريكي على الأرض إلى جانب أوكرانيا أو حل مشكلة الطاقة التي اجتاحت أوربا، أو إيقاف نزيف اليورو في الاقتصاد الأوربي.
وبعد أن أثبتت إيران قدرتها على تجاوز العقوبات الاقتصادية الأمريكية وتحقيق اكتفاءها الذاتي، وبناء قدرتها العسكرية وتطوراتها التكنولوجية والتقنية والعلمية المختلفة، بدت روسيا أكثر شجاعة أمام خوض التجربة فدخلت غمار المعركة ضد الغرب في أوكرانيا إلى آخر رمق مستعينةً بالمسيرات الإيرانية وبتحالفاتها التي بدأت في سوريا مع إيران وامتدت لتشمل باقي الدول التي تتوسع كل يوم في حلقة الرفض للهيمنة الغربية والتي عقدت مؤتمرها الأول في شنغهاي.
وبينما تراجع الكثير من الدول نفسها اليوم، من أجل اللحاق بالركب الروسي الإيراني في النظام العالمي الجديد الذي بدأ مخاضه من دمشق كتركيا التي تسعى اليوم إلى التقارب والمصالحة مع سوريا وصولاً إلى الإمارات والسعودية، تبدو أمريكا ومن تبقى من حلفائها أكثر إرباكاً في ظل عدم قدرتها على إيجاد حل لمسألة. الطاقة والوقود والسعي من أجل مصالحها الفردية وانقسام المجتمع الأمريكي بين الأحزاب المتصارعة.