صحيح أنه قد انتهت نتائج مونديال كأس العالم 2022م الذي أقيم في قطر بفوز الأرجنتين على فرنسا بأربعة أهداف مقابل هدفين، إلا أن الكثير من الأهداف التي تم تسجيلها في المونديال نالت الأصداء الأكبر التي مازالت إلى الآن تجني ثمار دورانها في مرمى الخصوم.
ولمعرفة أهمية هذه الأهداف علينا التساؤل أولاً لماذا تنازلت أمريكا عن احتواء كأس العالم على أرضها لقطر رغم مكاسبه، وماهو المقابل لفوز قطر باستضافته على مزاجها؟!
أقامت الجزائر، أمس الجمعة، حفل افتتاح بطولة أفريقيا للاعبين المحليين، “شان 2023″، في ملعب نيلسون مانديلا في العاصمة، واللافت في الحفل حضور حفيد الزعيم والمناضل الأفريقي الراحل نيلسون مانديلا “زويليفليل مانديل”، الذي ألقى كلمة اختتمت بهتافات “الحرية لفلسطين”.
وذلك بمشاركة رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا”، جياني إنفانتينو، ورئيس الاتحاد الأفريقي “كاف”،باتريس موتسيبي، وشخصيات جزائرية رسمية.
لم تكن ظاهرة إبراز اللاعبين أو المشجعين مواقفهم السياسية داخل الملعب لها ثقلها سابقاً، عدا عن مبادرات فردية كاعتزال اللاعبين العرب أو غيرهم اللعب بسبب وجود لاعبين إسرائيليين في الفريق الآخر.
ولكن جاء مونديال كأس العالم في قطر الذي انتهى منذ شهر بإبراز قضية تثبيت المواقف السياسية في الرياضة كنوع من المزاج الشعبي في المنطقة العربية، حيث حصلت مواقف لم تكن في الحسبان، كانت بوزن أن تمتد إلى مابعد المونديال وأن يعاد النظر في سياسات ومشاريع سياسية كبرى من قبل أصحاب القرار العالميين والمحلين، فمالذي حصل تحديداً في مونديال قطر؟!.
لم يتأهل الفريق الإسرائيلي لخوض مبارايات كأس العالم، إلا أنه كان ينتظر بدء المونديال بفارغ الصبر ليدمج جسمه الغريب عن هوية المنطقة في هيكلية البنية العربية عبر بوابة الإعلام والترفيه.
لكن الذي حصل أن كل المشجعين العرب الذين التقى بهم الإعلام الإسرائيلي من قطريين وسعوديين ولبنانيين وغيرهم رفضوا إجراء أية مقابلة لصالح الإعلام الإسرائيلي، وصدمت الصحفيين الإسرائيليين عبارة “لا يوجد شيء باسم إسرائيل، بل فلسطين فقط”، وهذه العبارة التي أثبتت أن كل المليارات التي صرفتها أمريكا وإسرائيل على حياة “ابراهام” لم يغير شيء في دماغ الشعوب العربية.
مونديال قطر.. الكلمة الفصل.
منذ حصول قطر على الفرصة الذهبية باستضافة المونديال قبل سنوات كان واضحاً أن هذا المونديال حضّر له ليكون ملعباً سياسياً ومحفلاً فوق حدود الرياضة والترفيه، فتنازل أمريكا عن استضافته ليكون في قطر كدولة ذات صبغة آسلامية مرفوضة لدى الغرب والسياح الغربيين، ورغم اعتراض الكثيرين على استضافة قطر للمونديال بسبب ملفات انتهاك حقوق الإنسان المسجلة ضد النظام القطري في الأمم المتحدة إلى أن تلك الأفواه تم تكميمها لأن القضية أكبر من رومانسية اللعب.
إضافةً إلى نزول قيادة الفيفا إلى قبول شروط قطر فيما يتعلق بمنع إدخال الكحول للملعب ومنع ممارسة مجتمع الميم طقوسهم وتنظيم فقرات الافتتاح وبرامج المونديال وفق الهوية القطرية ذات الصبغة الأخوانية.
كل ذلك كان مقابل تواجد الإعلام الإسرائيلي وممارسة نشاطاته بكل أريحية والتي تخفي خلف كميراتها عملاً استخباراتياً وأديولوجياً من أجل إعلان نجاح “ابراهام” في اختراق عقلية الشعب العربي، ويصبح من الطبيعي جداً وجود إسرائيلي إلى جانب المواطن العربي في أي مكان فيتخلص المستوطنون الإسرائيلييون من 70 عام من العزلة.
ترند فلسطين يكتسح ملعب السياسة العالمية
لكن المفاجأة أن الأعلام الفلسطينية لم تفارق الملعب طيلة أيام المونديال، والهتاف لفلسطين صدّع رؤوس أصحاب القرار العالميين الذين انتظروا من المونديال أن يسجلوا أهدافهم السياسية خلف تسديدات الكرة.
ولم يتوقف ترند فلسطين بانتهاء المونديال، بل ما زالت أصداؤه تتردد سواء شعبياً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أت في الثقافة الناعمة التي دفعت “نتفليكس” لعرض فيلم فلسطيني تعيد فيه ترتيب السردية الفلسطينية وفق أهداف المشروع الإسرائيلي علّها تنعش مجدداً مشروع تطبيع الفطرة العربية مع إسرائيل.
هذا الترند الذي تفجر في المونديال دفع الحكام العربية التي اتخذت قرار تحدي الشعوب والتطبيع مع إسرائيل لتخفيف وتيرة وزخم الرضوخ الإرادة الإسرائيلية، فبعد تعرض المسجد الأقصى ثاني معلم مقدس عند العرب والمسلمين لاقتحام الإسرائيلي المتطرف.”ايتمار بن غفير” أصدرت بعض الحكام بيانات استنكار شديدة اللهجة على غير عادتها، حيث كسرت حاجز الصمت وزارة الخارجية السعودية وأدانت الاقتحام، بينما لحقتها دولة الإمارات والتي أكدت على ضرورة احترام الوصاية الأردنية على المقدسات والأوقاف الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس، وتوفير الحماية للمسجد الأقصى وباحاته من اعتداءات المستوطنين.
الإسرائيليين المتطرفين.
كذلك، أعربت وزارة الخارجية المصرية عن أسفها لاقتحام مسؤول رسمي في الحكومة الإسرائيلية الجديدة باحات المسجد الأقصى برفقة عناصر متطرفة وتحت حماية الجيش الإسرائيلي، ووصفت وزارة الخارجية الأردنية الاقتحام بالعمل “الاستفزازي”، وأكدت أنه يشكل انتهاكاً صارخاً للوصاية الهاشمية، والقانون الدولي والوضع التاريخي والقانوني القائم في مدينة القدس ومقدساتها.
ورغم اقتحامات سابقة خلال الأشهر الماضية للمستوطنين لكل من المسجد الأقصى ومسجد الخليل ورفع الأعلام الإسرائيلية وممارسة طقوسهم الدينية إلا أنها كانت تمرّ بدون إدانات، رغم مناشدات حركة حماس لقادة الأمة بالتحرك لنصرة المسجد الأقصى.
الخلاصة
لم يكن الفوز في المباراة السياسية بمونديال قطر 2022م، حليف أمريكا وإسرائيل اللتان كانتا تنتظران دوران عجلة دمج الصهاينة بالمجتمع العربي، فلم يستطع أي صحفي إسرائيلي بكل ما تسلح به بأدوات المعركة الناعمة أن يحصل على مقابلة واحدة مع مشجع عربي متقبل لوجوده.
هذا الأمر كان له الأثر في تغيير سياسات أمريكا تجاه إسرائيل فأصبحت تميل لتجنب دعم الخطاب المتطرف وتحذر الحكومة الإسرائيلية من الممارسات المتشددة، ونجد أثر فوز فلسطين في قلوب شعوب المونديال على الاختلاف الحاد الذي نشب الداخل الإسرائيلي والمعارضة الشديدة لحكومة “نتنياهو” المتطرفة التي قد تضع إسرائيل في ورطة مع شعوب المنطقة.
فهل يحمل المونديال القادم تحديات سياسية من نوع آخر ؟، وهل يحضّر له مشاريع جديدة بمزيد من الضخ الثقافي والإعلامي في ساحة الحرب الناعمة؟
من المؤكد أن الرياضة العالمية خرجت من حدود الكرة الجلدية للتتناول القضايا السياسية والاجتماعية التي تغص بها الكرة الأرضية والقادم أعظم.