صرّح وزير الخارجية السوري “فيصل المقداد”، أمس بعبارة “تصوروا لو لم يكن لسوريا بلد حليف كالجمهورية الإسلامية ماذا كان سيحصل؟” تاركاً للجميع الجواب على هذا السؤال حسب معطيات ومتغيرات الواقع.
والسؤال هنا يبقى نفسه مثيراً لكثير قراءات الواقع بعمق مالذي سيحصل لولا تدخل إيران في سوريا؟!
في البداية لا نستطيع أن نسميه تدخلاً يجابه التدخلات الأخرى التي حصلت في الحرب السورية كاقتطاع تركيا جزء من الأراضي السورية والتحكم فيها من خلال فرض التعامل بالليرة التركية الذي لم يقدم أي شيء لاقتصاد وحياة الناس في تلك المناطق، وتتريك بعض المناطق كتبديل أسماء الشوارع والمدارس، وتجنيس السوريين بتغيير أسماء عائلاتهم إلى أسماء عوائل تركية.
ولا نستطيع أيضاً أن نسميه تدخلاً على الطريقة الأمريكية في شرق الفرات ودعم قوات قسد الانفصالية وامتصاص خيرات الأرض السورية من قمح ونفط وغاز، فالفرق بين تدخل إيران وباقي الدول الأخرى أثناء الحرب أنه:
أولاً: بطلب من الدولة السورية للوقوف إلى جانبها كحليف مقابل تحالف ضد الدولة ضم أكثر من 100 دولة.
ثانياً: كل الأعمال التي قدمتها إيران كانت بتنسيق كامل مع الدولة السورية وباحترام قراراتها وسياساتها.
وأكبر دليل على ذلك كبح إيران ردات فعلها مقابل استفزازات إسرائيل بالاعتداء على مواقع سورية بحجة ضرب مصالح إيران وحينما كان هناك رد كان خارج أراضي الدولة السورية كالرد على ضرب إسرائيل قوافل نفط إيرانية مقدمة إلى سوريا، بضرب سفينة نفط في بحر عمان تعود ملكيتها لإسرائيل.
ثالثاً: الرؤية الإيرانية في الوقوف إلى الدولة السورية أثبتت صحتها وجدارتها من خلال الالتفافات التي تقوم بها اليوم باقي دول المنطقة التي اتخذت مواقف معادية للدولة السورية في الحرب كالسعودية وتركيا والإمارات.
الوقوف الإيراني مقابل العقوبات الأمريكية في سوريا.
صحيح أنه من اللافت أنه إلى اليوم لم يحصل الانفتاح الاقتصادي الكامل بين سورية وإيران، ولكن هناك الكثير من التسهيلات الإيرانية لدعم الاقتصاد السوري، حيث لم يكن من السهولة بمكان كسر قانون قيصر الأمريكي الذي يفرض عقوبات اقتصادية على كل دولة تتعامل مع سوريا تعاملاً تجارياً واقتصادياً.
كان الحل الوحيد لتعويض سورية خسارة 200.000 برميل من النفط كانت تستهلكه يومياً من إنتاج حقولها في شرق الفرات التي تحتلها أمريكا اليوم سوى توريدات النفط الإيرانية عبر القوافل والباخرات لدعم البنى التحتية وقطاع المواصلات واحتياجات الدولة من المشتقات النفطية.
الأسلحة الإيرانية المتطورة تغير المعادلة.
لم يتوقف الموضوع عند التسهيلات الإيرانية في مجال الاقتصاد والنفط، فلابد من دولة قوية وأمن مستتب وكبح الفساد واستقرار ولو بالحد الأدنى من أجل تطبيق المشاريع الاقتصادية الناجحة من أجل ذلك وضعت إيران كل ثقلها من دعم عسكري ولوجستي ومالي للجيش السوري وبذلت أرواح مقاتلين إيرانيين من الحرس الثوري من أجل الحيلولة دون تقسيم سوريا إلى دويلات متصارعة كما هو مخطط له وبدء بتنفيذه في شمال وشرق سوريا.
هذا الأمر الذي دفع بباقي الدول في المنطقة أن تعيد النظر وسمح لها أن تقرأ الواقع بشكل مختلف قبل أن تبتلع الحرب الواقع بشكل كامل.
الحرب النفسية ورقة أخرى بيد أمريكا في سوريا.
تناقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية معلومات تتحدث عن بيع إيران للنفط السوري بأسعار أغلى من سعره العالمي عبر الخط الإئتماني، وطرحت هذه المعلومات على الإعلام الدعائي بالتزامن مع اختناق سوريا من شحّ المواد النفطية وأزمة الطاقة وعزم إيران على الحل الجذري لمشكلة النفط في سورية باعتبارها الحليف الأقوى القادر على الوقوف في وجه الحصار الاقتصادي السوري.
ولكن التساؤلات المنطقية أمام ترويج الصحيفة لهذه المعلومات إذا كانت إيران تبحث عن جني ثروة مالية من خلال النفط لماذا تدعم سورية كدولة خرجت من 11 عاماً من الحرب باقتصاد منهك وميزانية بسيطة ودمار هائل لحق البنى التحتية والخدمية والمرافق العامة ؟!
أليست الصين قادرة أكثر على دفع المقابل من توريدات النفط لإيران؟!، أو الهند مثلاً؟!، أو دول أمريكا الجنوبية؟ أو كوريا الشمالية التي تعاني أزمة طاقة كبيرة لا تتحدث عنها أبداً وسائل الإعلام ؟!.
على أية حال فمن المعلوم أن إيران تقدم المساعدات لسورية عبر الخط الإئتماني دون سقف زمني لتسديد الفاتورة وهذه مغامرة إيرانية بالنظر إلى الواقع الاقتصادي السوري، ولا يمكننا القول أن إيران تعيش حالة من الوضع الاقتصادي المترف والمخزون الاحتياطي الممتاز جداً حتى تقدم على هذه الخطوات الجرئية دون تأثر الاقتصاد الإيراني بشيء من التضييق خصوصاً مع العقوبات الأمريكية التي تفرضها على إيران في ما يتعلق بالملف النووي.
إن الإجابة على سؤال ما لذي كان سيحصل لولا تدخل إيران في سوريا؟ تكون من خلال المقارنة بين وضع سورية الحالي ووضع الدول التي تعرضت للعنة الكراهية الأمريكية ولم تقدم لها إيران ماقدمته لسورية في تخطي هذه المحنة كأفغانستان ودول أمريكا الجنوبية بالرغم من أن الحرب على سورية كانت لا تقارن بأي شيء آخر تعرضت له باقي الدول.