تضوّر الصياد جوعاً بعد أن حُرمت سنّارته من التقاط قوت أهله، وجفّت شفاه أرضه عن أي زيتٍ لقنديل ظلمته أو وقودٍ لدفء عظامه، فهل يكفيه أن يهبه الآخرون سمكة؟!
هذا مختصر حالِ سوريّ انتقل من شعب يملك من الخيرات ما يكفيه لنفسه ويزيد ليتبرع به لمختلف الدول العربية وغيرها، ثم انتقل به الحال لينتظر المساعدات من مختلف الدول ولسان حاله يقول “لا تكفيني سمكة دعني أصطاد بنفسي”.
بدأت القصة منذ 12 عاماً كالكابوس على شعب اعتاد حياة السهر والسمر ووافر النعم، حيث طحنت الحرب عظامه حتى النخاع وبات في شح شديد من كل مقومات الحياة كالوقود والكهرباء والموارد الأخرى حتى شكل رغيف الخبز وطعمه قد تغير بعد أن تجاذبت أطرافه الدول التي نهشت لحمه واستحلت أرضه ونهبت خيراته.
فهل يُغني هذا الشعب الذي اقتاته حسد الآخرين سلات غذائية لم تبصرها عينيه إلا بعد كارثة الزلزال الذي دمر ما تبقى من جدران أحلامه، بعد الحصار والحرب ؟!.
وهل من المنطقي أن يمنع الشعب السوري من حقه في خيرات بلده فيستيقظ ليرى حقول النفط والغاز بيد أمريكا التي احتلت شرق الفرات وأشجاره وثماره منهوبة وأرضه مسلوبة وممنوع عنه التصدير والاستيراد ومعزول عن العالم الخارجي؟!.
ثم تأتي كارثة الزلزال وبعد كل المناشدات لرفع العقوبات عن سوريا، وبعد أن تمخّض الجمل ولد فأراً، ليكون الحل الوحيد هو فقط تقديم المساعدات التي لا ترقى لحاجة شعب بأكمله لكل مقومات الحياة قبل الزلزال.
هناك الكثير من الأسئلة التي تدور في رأس السوريين حول تلك الطائرات التي تحطّ كل يوم في مطاري دمشق وحلب.
هل تكفي 180 يوماً خصصتها أمريكا للسماح بإيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا لسد رمق 20 مليون نسمة مقيد عن استثمار أرضه والوصول وقطف زيتونه وعصر زيته وحراثة قمحه وتكرير نفطه عدا عن الاستيراد والتصدير المحروم منه أيضاً؟
هل حملت تلك الطائرات معدات لإزالة الأنقاض أو مواد لإعادة الإعمار أو وقود لإنعاش عجلة الحياة في هذا البلد؟ علماً أن قرار رفع العقوبات الأمريكي يستثني الوقود الذي يعد مادة ضرورية لإنقاذ حياة الشعب السوري.
إذا كان قرار رفع العقوبات حقيقياً لماذا حطّت الطائرات الأجنبية في مطار بيروت ونقلت مساعداتها عبر بيروت خوفاً من سياط أمريكا؟
أليس من الأفضل لتلك الدول التي لديها موانة على أمريكا أن تضغط لرفع العقوبات عن سوريا؟
وأيضاً أليس خير لتلك الدول التي لديها نوع من الموانة على الاحتلال الإسرائيلي بحكم التطبيع أن تمنعه من الاعتداءات المتكررة على سوريا تحت أكذوبة استهداف مقرات الأسلحة؟!
صحيح أن مصاب سوريا الكبير بعد الزلزال أيقظ ضمائر بعض الغافلين، وصحيح أن بعض الدول وجدتها فرصة للتكفير عن ذنوبها في الحرب، وصحيح أن الطائرات تتواتر والمساعدات تتدفق ولكن ثم ماذا؟
فهذا الشعب يريد أن يعمل، يريد الفلاح أن يحرث أرضه، والعامل يدير عجلة مكنته ويريد الطبيب أن يعود لعيادته فأعيدوا الكهرباء كما كانت وأخرجوا لعاب أمريكا من حقول النفط والغاز وبراثن تركيا من تراب إدلب الخضراء.
وربما على تلك الدول التي بادرت لتطوي صفحة الحرب وتنسى الماضي وتكسب ودّ الشعب السوري من جديد وتنال مسامحته أن تسعى إلى مشاريع مستدامة تدرّ الأموال وتطعم الجياع ليس فقط ليوم أو سنة، كمشروع شركات استثمار وإعمار البنى التحتية والخدمية، فتقديم بضعة ملايين لا تقدم شيئاً ولا تؤخر سوى أنها جيدة فقط كخطة إسعافية ولكن الكارثة الأكبر من الزلزال أن تكون هي كل شيء والعد التنازلي للـ 180 يوماً يقترب من نهايته.