ليومين على التوالي في صحراء النقب، شهدت أواخر آذارُ عام 2022م، الاجتماع التاريخي الذي جمعَ كل من وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، ووزراء خارجية المغرب ومصر والبحرين والإمارات مع وزير خارجية الكيان الإسرائيلي، وموضوع الاجتماع المُلح يلقي بكاهله على مناخ الصحراء بالسؤال الجديد القديم “كيف نتخلص من إيران؟!”.
تصريحات نُسيت في فنادق الصحراء!
لم يكن الهدف الرئيس من اجتماع النقب الذي جاء تحت غطاء التقارب العربي الإسرائيلي مخفياً، فالهمُّ منه تضخّم لدرجة الغثيان فقد وصفتها “نيويورك تايمز” بأنها إعادة تنظيم عميق للشرق الأوسط، بينما عنونت “الاندبندنت” حديثها عن القمة بـ “قمة النقب تتعهد بمواجهة تهديدات إيران وأذرعها في المنطقة”.
وبينما نقلت وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية عن مدير مركز موشيه ديان للدراسات الشرق أوسطية في تل أبيب، “عوزي رابي” قوله: “إن قمة النقب تهدف في جزء منها إلى توجيه رسائل إلى طهران وواشنطن مع اقتراب محتمل لتوقيع اتفاق نووي”، وأضاف، “أهم شيء أن تفهم إيران أن هناك جبهة موحدة ضدها”.
فاجتماع النقب إذاً كما وصفه لاعبوه هو محاولة لطمأنة حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط بشأن الاتفاق النووي الإيراني، وذلك بعد تراجع الدور الأمريكي في هذه المنطقة لسببين:
الأول: انفتاح جبهة الحرب الروسية-الأوكرانية التي دعت أمريكا للالتفات إلى القوى المنافسة في شرق آسيا وأوراسيا كالصين وروسيا.
الثاني: المآزق السياسية التي غاصت أمريكا في مستنقعها وأثبتت فشل تعاطيها معها كما في أفغانستان والعراق وسوريا، وبذلك أعطت خصمها الإيراني فرصة الإعداد والتطور وكسب الخبرات بشكل مفاجئ وكبير.
بذلك أخذ تراجع الدور الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط بالانحدار تباعاً للأزمات المتتالية إقليمياً ودولياً، ويهبط معه قلب إسرائيل التي تخشى أن تتركها أمريكا وحيدة في مواجهة العملاق الإقليمي الذي ينتظر اللحظة المناسبة لينقض عليها والتي هي إيران كما تراها العين الإسرائيلية.
ولكن ماذا حصل بعد هذا الاجتماع؟ تلك الطامة الكبرى!.
عام على اجتماع النقب ما مصير أمنيات أصدقاؤه؟!
بعد مرور عام على اجتماع النقب الذي أسس لما يسمى حلف الناتو الشرق أوسطي والذي يجمع الدول الموقعة لاتفاق التطبيع الجديد “ابراهام” مع إسرائيل ووضع خطة لمواجهة خطر إيران المتزايد وتأمين حماية أمن إسرائيل بعد خروج أمريكا من المنطقة، تراكمت الكثير من الأحداث الذي دعت في هذه السنة لاجتماع من نوع آخر وبأهداف أخرى تحت مسمى “اجتماع العقبة” أهمها:
أولاً: المزيد من الانشغال الأمريكي في الحرب الروسية الأوكرانية، وتعاظم التحدي الصيني واختلاف المصالح داخل الاتحاد الأوربي.
ثانياً: استمرار إيران في برنامجها النووي ورفع نسبة تخصيب اليورانيوم والتوصل إلى قدرة صنع رؤوس نووية والكشف عن تطوراتها العسكرية المخيفة لأرباب اجتماعي النقب والعقبة والتي كان آخرها القاعدة الجوية تحت الأرض الأولى من نوعها “عقاب 44”.
ثالثاً: الرفض الشعبي المقلق لإسرائيل ومشروع اندماجها في المنطقة والذي ظهر في مونديال كأس العالم الذي أقيم في قطر والذي اعتبرته إسرائيل صادماً.
رابعاً: تهديدات الأمن القومي الإسرائيلي من خلال الانتفاضة الكامنة والعمليات الفدائية لمجموعة عرين الأسود، والتي حاصرت الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمستوطنين في نابلس والضفة الغربية والقدس وعدم قدرة إحكام القبضة الأمنية الإسرائيلية عبر الاعتقالات والاقتحامات لجنين ونابلس أن تخفف من وتيرتها بل تزيد.
وبذلك بدأ المستوطنون يشعرون بأن حكومة إسرائيل لا تستطيع أن تؤمن لهم أدنى مقومات العيش في المغتصبات ، وبدأت رؤوس الأموال تفكر بالهروب خارج هذه الفسحة المليئة بالمخاطر بعد أن أصبح تواجدهم واستثمارهم في تلك المنطقة أشبه بالمغامرة.
الخلاصة
أدت كل تلك الأحداث التي واجهت اجتماع النقب إلى تقلّص سقف عضلاته من مخطط بضخامة مواجهة خطر الجمهورية الإسلامية الإيرانية وملفها النووي إلى اجتماع على مستوى أقل يضم مسؤولين استخباراتيين وأمنيين في كل من حكومة محمود عباس والأردن ومصر وإسرائيل برعاية أمريكية والسؤال الذي يلقي كاهله هذه المرة “كيف نتخلص من عرين الأسود ؟!” وبناء عليه يصدق المثل الشعبي الذي يقول “تمخّض الجمل فولد فأراً” على اجتماعي النقب والعقبة بحيث لا نجد إلا أن نقول “تمخّض النقب فولد العقبة”!.