بصورة مفاجئة، وما بين الجدِّ والهزل أصدرت المحكمة الجنائية الدولية، الأسبوع الماضي، مذكرات توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكذلك السناتور الروسية “ماريا ألكسييفنا لفوفا بيلوفا”، بحسب بيانها الصحفي.
وبحسب المحكمة فإن “بوتين” يستحق الاعتقال باعتباره مسؤولاً عن جريمة حرب تتمثل في الترحيل غير القانوني للسكان (الأطفال) والنقل غير القانوني للسكان (الأطفال) من أوكرانيا إلى الاتحاد الروسي”.
حيث اتهمت أوكرانيا روسيا بنقل أكثر من 16 ألف طفل بشكل غير قانوني إلى أراضيها ما جعل المحكمة الدولية تعدّ ذلك جريمة حرب!.
بينما لامس قرار المحكمة الدولية باعتقال بوتين ترحيباً لدى الاتحاد الأوربي والدول التي تدعم أوكرانيا في حربها مع روسيا، قالت وزيرة الخارجيّة الفرنسيّة “كاترين كولونا”، أن إصدار المحكمة الجنائيّة الدوليّة مذكّرة توقيف بحقّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هو قرار “بالغ الأهمّية”.
واللافت في تصريح “كولونا” أنه يأتي جواباً على كل التساؤلات التي طُرحت حول إمكانية تطبيق هذا القرار، فقد قالت: “إنه بالغ الأهمية لأنّه يعني أنّ أيّ شخص مسؤول عن جرائم حرب أو جرائم ضدّ الإنسانيّة يجب أن يُحاسَب بغضّ النظر عن وضعه أو منصبه”.
وذلك يعني أن تطبيق قرار اعتقال بوتين من قبل المحكمة الجنائية يضع كل مرتكبي جرائم ضد الإنسانية في الخانة السوداء وأول من تشير إليهم أصابع الاتهام بناء على ذلك هم أمريكا وإسرائيل.
من أجل ذلك يرى الكثيرون أن هذا القرار يصعب تطبيقه لأنه سيطال أمريكا بالدرجة الأولى، ومن المعروف أن أمريكا باعتبارها هرم السلطة العالمية فهي تهيمن على كل مفاصل القرار في كل المنظمات العالمية وبما فيها المحكمة الجنائية الدولية.
لذلك لا نجد أي قرار في كل تاريخ المحكمة يدين أشخاصاً تعمل لصالح أمريكا فقد أصدرت المحكمة الجنائية من قبل قرارات ضد كل من عمر البشير رئيس السودان دون أن يطبق، وكذلك ضد زعيم جيش الرب في أوغاندا “جوزيف كوني” بسبب استغلاله الأطفال في الحرب، ورئيس ساحل العاج السابق “لوران غباغبو”، الذي اتُهم في عام 2011 بالقتل والاغتصاب وأشكال أخرى من العنف الجنسي والاضطهاد.
وكذلك، ضد الرئيس الكيني “أوهورو كينياتا”، الذي أدين في عام 2011 فيما يتعلق بالعنف العرقي، بينما في عام 2015، بدأت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقاً أولياً في حرب غزة عام 2014، وقدمت السلطة الفلسطينية للمحكمة في حزيران/ يونيو أدلة على ارتكاب إسرائيل جرائم حرب، ولكن دون أن تجرؤ المحكمة الدولية على اتخاذ قرار اعتقال ضد أي شخصية من مرتكبي جرائم الحرب في إسرائيل.
لهذا السبب كان الرد الروسي على قرار اعتقال “بوتين” طبيعياً، حيث وصف المتحدث باسم الكرملين “ديمتري بيسكوف” قرار الجنائية الدولية بـ”المستفز وغير المقبول”، مؤكداً أن بلاده لا تعترف بالمحكمة ولا قيمة لقراراتها قانونياً.
كما علق “ديمتري ميدفيديف” نائب رئيس مجلس الأمن الروسي في تغريدة على تويتر قائلاً “أين يمكن استخدام هذه الورقة؟”، مرفقاً التغريدة بصورة لمحارم الحمامات !.
وهذا الاستخفاف لا يدل فقط على قوة روسيا دولياً، بل أيضاً يدل على عدم حاجة بوتين الذي يطمح بتغيير النظام العالمي، لزيارة ال 21 دولة المشكّلة للمحكمة الجنائية الدولية، ويدل أيضاً على سخافة المنظمات الدولية التي أنشأها النظام العالمي القديم الخاضع للسلطة الأمريكية كمنظمة حقوق الإنسان والأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية وذلك لأنها لا ترى إلا بعين واحدة متغاضيةً عن انتهاكات السلطة العالمية ما يجعل قراراتها مفرغة من شرعيتها الحقيقية وغير محترمة من قبل دول العالم.