يتوجب علينا قبل أن ندخُلَ في لُجّةِ تطورات الأحداث المزلزلة في دولة الاحتلال الإسرائيليّ والانقسام الكبير في صفوفها، والإضراب العام الذي شلّ مرافقها كافّةً ورفعَ حالةَ التأهب القصوى في الجيش للسيطرةِ على الأمن أن نتطرق للسبب الرئيسيّ والحقيقيّ الكامن من خلفها والمفجِّر لها.
يمكننا القول وبِكُلّ فخر أنَّ الانتفاضة المسلحة التي تسود الضفة الغربية والمناطق المحتلة عام 1948 والكتائب الفتيّة التي تقودها وخاصةً في نابلُس وجنين وتأثيرها القويّ على المستوطنين اليهود وقياداتهم هو السبب.
حقيقةً غيّرت هذه الكتائب جميع المعادلات على الأرض وشكّلت رُعباً للمؤسسة العسكريّة الحاكمة التي جاءت باليمين الإسرائيليّ الفاشي والمتطرف إلى السلطة والذي بات مؤخراً السبب المباشر للأزمة الخانقة التي تمُر بها دولة الاحتلال.
فمن أبرز رموز هذه المؤسسة وزير الأمن الداخليّ ايتمار بن غفير وتوأمه بتسليل سموتريتش الوزير المالي والمسؤول الإداري عن الضفة الغربية، هذا بالإضافة لرأس حربتهم وزعيمهم النازيّ بنيامين نتنياهو.
ولا يخفى على متابع بأنّ الكيان الإسرائيلي تمتع بالأمن والاستقرار والرخاء الاقتصادي لأكثر من ثلاثين عاماً، حيث نجح المكر الصهيوني عبرَ أذكى إنجازاته عن طريق إيجاد سلطة “عميلة” تحولت الى أداة في يده تقوم بدور إسرائيل في وأد أي ثورة أو انتفاضة وتلبي مهام الاحتلال وتضع أجهزتها الأمنية في توفير الحماية للمستوطنين.
ولكنّ كتائب المقاومة التي انبثقت من قلب الشارع الفلسطينيّ المقاوم وغيرت كل هذه المعادلات المخجلة فلسطينياً وعربياً وإسلامياً ونسفت معادلة الأمن والرّخاء الإسرائيليّ في العمق..
فرُبّما تتم المصالحة الداخلية الإسرائيلية وتعود الأوضاع إلى التهدئة والتوافق ولكنّ الانتفاضة المسلحة في الضفة لن تتوقف وستبقى مستمرة حتى يتم تحرير كل شبر من الأراضي المحتلة دون أي استثناء.
وفي السياق ذاته نستطيع أن نقِفَ على سِتّة عوامل رئيسية تسبق سقوط الدول وليس الأنظمة فقط فالأنظمة يمكن أن تسقط وتتغير ولا تتأثر الدّول.
ويًشار إلى أنّ معظم هذه العوامل متوفرة حالياً في دولة الاحتلال الإسرائيلي وهيَ على الترتيب:
أولاً:
انهيار القانون وشُيوع الفوضى حيث لا يستطيع الحاكم السيطرة على الموقف وفرضه لهيبة الدولة ومؤسساتها، وإنّ محاولة نتنياهو وحكومته فرض “الإصلاحات” وتغيير القانون القضائي كان الشرارة التي اشعلت فتيل المظاهرات والاضطرابات.
ثانياً:
تفكك الجيش وتآكل عقيدته وحدوث حالات تمرد وما نُشاهِده حالياً من رفض قوات الاحتياط للخدمة العسكرية خاصةً في القوات الجوية احتجاجاً على ديكتاتورية الحكومة اليمينية الدليل الأبرز.
بالإضافة إلى أنّ أسطورة الجيش الذي لا يهزم سقطت في حرب عام 2006 ولم يفز هذا الجيش في أي حرب منذ هزيمة عام 1967.
ثالثاً:
سوء اختيار الأعوان، ولعل تحالف نتنياهو مع أكثر شخصين مكروهين في دولة الاحتلال وربما العالم أي ايتمار بن غفير وزير الامن الداخلي وبتسليل سموتريتش وزير المالية اللذين يريدان قتل العرب وحرقهم وطردهم أحد هذه الأمثلة وأبرزها.
رابعاً:
تطبيق ثلاثية الاستبداد أي القمع وتراجع الاقتصاد ورعاية الفساد، وعلينا بهذا الصدد أن نتذكر بأنّ نتنياهو يريد تغيير النظام القضائي لإسقاط تُهَم الفساد الموجهة إليه.
خامساً:
تردي الوضع الاقتصادي والإضرابات العماليّة الشاملة، وشاهدنا هذه الإضرابات تشل دولة الاحتلال وتغلق مطاراتها حالياً، مثلما رأينا كيف أن 20 من مدراء البنوك ذهبوا الى وزير المالية “سموتريتش” وحذروه بأنّ هروب رؤوس الأموال تصاعد 10 مرات في الأيام الأخيرة بسبب الانتفاضة المسلحة والانقسام الإسرائيلي والشيء نفسه يقال عن هجرة شركات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي إلى لندن ونيويورك وبرلين وتورنتو بحثاً عن الأمان.
سادساً:
الهجرة الجامعية المتصاعدة حيث تؤكد الإحصاءات الإسرائيلية أن هذه الهجرة المضادة في تزايد غير مسبوق، وكانت قد أكدت الصحف المحلية عن هذا الأمر قائلةً بأنّ إسرائيل لم تعُد دولة آمنة يمكن أن يترعرع فيها الأبناء والأحفاد وأنّ الهجرة هي الحل الأمثل.
وفي الختام يتسنى لنا القول بأنّ الكيان الصهيوني يعيش حالياً في أسوأ أيامه فهناك أخطار رئيسيّة تواجِهُهُ:
أوّلُها الانهيار الداخليّ، وثانيها التهديدات الخارجيّة من الجهات الأربع من قبل أذرع المقاومة المسلحة في لبنان، واليمن، وقطاع غزة، والعراق التي تملك مئات الآلاف من الصواريخ والمسيّرات.
فإذا قررت هذه الأذرع قصف القواعد الأمريكية في الشرق الحدودي السوري المحتل مع العراق بالصواريخ والمسيّرات، وأرسلت أحد مقاتلي كتائب “الرضوان” اللبنانيّة لإختراق الحدود والوصول إلى عمق الجليل المحتل مزنراً بحزام ناسف وقنبلة موقوتة فهل ستتردد في إرسال الصواريخ والمسيّرات إذا دقّت ساعة الصفر؟!
وفي ظل ما تقدم نستنتج بأنّ إسرائيل لم تعد الدّولة المهابة عسكرياً مثلما كان عليه الحال منذ تأسيسها وما يجري فيها حالياً من انهيارات داخلية سواءً بسبب ديكتاتوريتها أو عمليات كتائب المقاومة أسقط ديمقراطيتها العنصرية الكاذبة و المزورة.
ولهذا فإنّ من حق أبرز خصومها في لبنان وغزّة، وسوريّة، والعراق، واليمن وإيران أن يفرُكوا أيديهم فرحاً والأيام المقبلة ستكون حافلة بالمفاجآت لدول المقاومة والممانعة
وكارثيّة لدولة الاحتلال وداعميها في أوروبا وأمريكا، وكذلك لأصدقائها المطبعين العرب القُدامى منهم والجُدد وإنّ غداً لناظرهِ لقريب.