بقلم : زهراء مهنا
بدأت قصة الكروسان الفرنسي المشهور الذي غيّره الزمن من مواطن سوري متمعض فتح شاشة التلفاز كي يداعب أحلامه كنوع من المخدر بات يلجأ إليه السوريون هذه الأيام لكبح مطرقة حيرتهم في رحلة التفتيش عن سبل الخلاص أو الحل.
لم تعد روايات الأجداد عن زمن الانتداب الفرنسي حاضرة بكامل ملامحها داخل ذهن السوري في ظل تزاحم الأحداث والذكريات زمن الحرب التي مازالت نافذتها مشرعةً على كل تفاصيل حياته، لذلك هو لا يعرف عن فرنسا سوى برج إيفل العظيم ولا يتخيل باريس سوى مدينة فواحة بروائح العطور وقد فتح عينيه في سوريا قبل الحرب على مشهد كعكة الكروسان تخرج من لهيب الفرن تغري معدته وطموحاته بوعودٍ شهية أن يأكلها يوماً من نصف فرنسا.
أما وقد تغير الكروسان الفرنسي في سوريا بعد الحرب نظراً لتغير للظرف المرهون فلم يبق أمام السوري سوى الشاشة ليتابع من خلالها آخر أخبار الكروسان في وطنه الأم فرنسا.
لكن الخبر كان صادماً هذه المرة، ففرنسا لم تعد تفوح عطراً، إذ لأول مرة يرى المشاهد شوارع باريس تعج بالقمامة التي كان يعير نفسه كلما رآى شيئاً منها في بلده المدمر، حيث تعتبر معيار الحضارة والرقي، كذلك حين أعاد النظر متسائلاً ماذا يحدث في فرنسا؟!
كان هناك الكثير من الصراخ والهتافات واليافطات والكثير من الناس تجيبه أن فرنسا ليست بلد الأحلام كما كنت تظن أيها المتابع!
لقد كانت تواتر أخبار المظاهرات وتوتر الأجواء في فرنسا كصواع الملك تنطق بحقائق مرّ على إخفائها برهة من الزمن وما عليك إلا أن تنقر فوق رماد بركانها.
تارة ينبئك صواع الملك ألا تغتر بما تقوله أوروبا عن نفسها، بل أنظر لما تفعله بنفسها وبالآخرين، وينبئك أيضاً أن صراخ المظلومين في فرنسا لا يعود لسبب واحدٍ بسيط وهو رفع سن التقاعد لعامين فقط بل لما يعنيه هذا الرفع.
فإن رفع سن التقاعد يعني:
أولاً: خسارة أوروبا في الحرب الأمريكية الروسية في أوكرانيا وبالتالي ستدفع ثمن تداعيات الحرب.
ثانياً: الاقتصاد الفرنسي في حالة ركود وبالتالي الغلاء المعيشي يثقل كاهل المقيمين في فرنسا، سواء المواطنين الأصليين أو المهاجرين بحثاً عن حياة أفضل كالسوريين الذين هربوا إلى أوروبا من ويلات الحرب.
ثالثاً: تفاقم البطالة هي الشبح الأكيد الذي سيحتضن الشباب الفرنسي وكذلك المغتربين إذا ما تم رفع سن التقاعد
رابعاً: تبين أن سر النظافة في أوروبا التي هي عنوان الحضارة يعود لإحكام قبضة القانون ليس إلا غير ما كان يسوق له عن دافع فطري أعطي للإنسان الأوربي المتطور وحرم منه شعب العالم الذي تلقبه أوروبا بـ “العالم الثالث”.
والخلاصة:
ليس كل شيء لطيف كما يبدو من بعيد، وهذا ما يرويه الكثير من المهاجرين إلى بلد الكروسان وهم متوجسون اليوم من أن يكونوا الأكثر تضرراً من تدهور الأوضاع هناك، فحين يقتر المال في تلك الدول تكون الأولوية لمواطني الدولة دون المهاجرين.
وهذا الحال لا ينطبق على فرنسا فقط، بل بدأ يظهر كوباء ينتشر في كل أوروبا نتيجة لتداعيات الحرب بين روسيا وأمريكا في أوكرانيا وربما يتفاقم الوضع أكثر لدرجة أن نلحظ هجرة معاكسة، حيث بدأ يلاحظ السوريون الذين ينتظرون حوالات خارجية من أقربائهم المهاجرين إلى أوروبا أن تلك الحوالات بدأت تتأثر بالوضع الاقتصادي العالمي والذي يزداد سوءً في أوروبا مع فقدان موارد الطاقة.