بقلم: زهراء مهنا
ضجّ العالم العربي على مدار ثلاثة أيام منشغلاً بمراسم زفاف ولي عهد الملك الأردني الأمير حسين وزوجته رجوة, مأخوذاً بقصة فستان العروس وتفاصيل العرس المبهجة ومواقف الأسرة الحاكمة.
في الآونة الأخيرة, حظيت العائلة الملكية في الأردن اهتماماً مبالغاً به في الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي دون غيرها من باقي العوائل الملكية في البلدان العربية الأخرى, وذلك منذ مراسم عرس الأميرة إيمان الذي اكتسح كل ماهو مرئي في السوشال ميديا بغرابة!
وكان اللافت في مراسم كلا الزفافين البساطة التي ربما تجاوزت المتعارف عليه قليلاً في الثقافة العربية الميالة نوعاً ما إلى حب التميز ولفت الانتباه, ولكن لفت الانتباه هذه المرة في المراسم أنه مامن شيءٍ يلفت الانتباه!
إلا أن المنصات على مواقع التواصل الاجتماعي تجندت لتجعل من تلك البساطة في مراسم الزفاف أمراً محبباً وموضةً تشقُ طريقها نحو التقليد في العالم العربي.
ولكن ربما ذهبت تلك المنصات لأهداف أبعد من حشر مراسم الزفاف في يوميات المتلقي والحديث بدون كلل أو ملل عن السيرة الذاتية للعرسان وعن نجاحاتهم وأخلاقياتهم وعن أشياء كثيرة لم يكن يهتم العالم العربي بمعرفتها عن العائلة الحاكمة في الأردن.
وبغلاف الحب وعلى أنغام أليسا قدمت الميديا العائلة الملكية الأردنية نموذجاً مشعاً بالحياة الفاضلة التي تعد حلم كل عربي في منطقتنا المتشاحنة منذ زمن.
ولكن بالعودة إلى حقيقة ما قدمته العائلة الحاكمة للمملكة الأردنية يبدو الأمر ليس بهذه البساطة, فالأردن دولة فقيرة تعيش على المساعدات الأجنبية, ومن المعروف أن هذه المساعدات تقدم للأردن لقاء الكثير من التنازلات السياسية والسيادية.
ففي الأردن بينما تبكي الملكة برومانسية في مراسم زفاف ابنتها إيمان هناك الكثير من الاتفاقيات المجحفة بحق البلاد تجعل الأردن يبكي على مياهه المسلوبة في وادي عربة وفي اتفاقية “الماء مقابل الكهرباء” الأخيرة مع الكيان الإسرائيلي، وبرعاية أميركية إماراتية.
ولكن بعيداً عن مراسم زفاف الأمير حسين الذي خدّر الكثير من المواجع العربية بتحشيد الضخ الإعلامي الهائل والغير مسبوق في العالم العربي, أقيم عرس صدم المنتشون بجرعات الحياة الوردية الفاضلة.
قرب الجرح النازف على الحدود الفلسطينية المصرية أشهر الجندي المصري “محمد صلاح” بندقيته لتزغرد له رصاصاً يقض مضاجع المحتل ويثأر للأحرار في كل العالم ويعلن بذلك انطلاق حفلة المستضعفين بقتل الجنود الإسرائيليين الذين اخترقوا لأمتار الحدود المصرية.
ولم ينهي محمد العرس قبل أن يؤكد أن فلسطين حدود عربية أيضاً كما أكد أن مصر حدوداً عربية, فدخل الأراضي الفلسطينية وانتظر القوة الثانية لساعات ثمّ اشتبك معهم وأصاب منهم 3 جنود وأنهى سيمفونيته بوصال المحبوب شهيداً.
وقد نقلت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي عن مسؤولين في حكومة نتنياهو رداً على ما جرى بشأن هذه العملية قولهم: “نحن مضطرون ومن مصلحتنا احتواء ما حدث رغم النتيجة الصعبة”. وذلك على غير عادة إسرائيل صاحبة النهم المستشري في البطش يدل ذلك على عجز المنظومة الأمنية والمؤسسة العسكرية المنهكة من ملاحقة صواريخ غزة ولملمة الهواجس من مناورات المقاومة اللبنانية التي تفهم رسائلها إسرائيل جيداً والممهورة بختم “فإذا جاء وعد الآخرة”.
وفي النهاية, فرق كبير بين عرس الأمير حسين والشهيد محمد صلاح, وصحيح أن مراسم الزفاف اللطيفة قد أمتعت العالم العربي لأيام ولكن الشهيد الشاب محمد صلاح والذي كان يحلم كأي شاب بعرس مبهج وحياة عادلة في عالمنا الصعب إلا أنه أراد لنفسه أن يكون جسراً لعبور أحلام الشعوب العربية المظلومة إلى نافذة المستقبل بسلام في يوم يفتح عالمنا عينيه على أرضٍ خاليةٍ من سرطان يسمى إسرائيل.