وصلت رسالة معاتبة شديدة اللهجة إلى المفكر السوري نارام سرجون تلومه على مواقفه العدائية المتمركزة ضد أمريكا بشكل كبير في مقابل عدم إعطاء الأولوية للتفاصيل الحياة الصعبة التي يعيشها السوريون في ظل غلاء الأسعار ومكابدة عناء الحصول على رغيف الخبز.
وقد كشف الكاتب “نارام سرجون” عن الرسالة التي وصلته عبر مدونته الشخصية قائلاً:
وصلتني هذه الرسالة التي وجدت أن من واجبي نشرها ونشر ردي عليها
الأستاذ نارام
سمعت الكثيرين يتحدثون عنك ولكن اليوم الكثيرون يقولون إنك لا تعبر عن همومهم.
لماذا لا تكتب عن همومنا اليوم؟، همومنا ليست في دحر أمريكا وهزيمة تركيا، همومنا هي المازوت والبنزين والخبز والراتب الضئيل، ولا أعرف إن كان ما نعيشه تسمّيه نصراً.
ألا تظن أن علينا أن نقايض النصر ببعض الخبز؟ أظن حان الوقت كي تخرج من عالمك المثالي إلى عالمنا الواقعي كي ندخل في عالمك.
أرجو ألا أكون قد أغضبتك.
صديقتك التي كانت تحبك ولاتزال
وقد رد الأستاذ “سرجون” على هذه الرسالة برسالة لاقت انتشاراً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي وشاركها الكثير من السوريين على حساباتهم الشخصية في الفايسبوك، حيث وجه في تلك الرسالة رسائل تمس حاضر ومستقبل ومصير كل السوريين قال فيها:
صديقتي
ما يزعجني ليس السؤال بل ما يزعجني هو أنك أنت من يعيش عالما مثالياً ويعيش في اليوتوبيا.
أنت وكثيرون مثلك ممّن يظنون أن الرفض هو موقف غير واقعي وأن المقايضة هي الخيار الذي سينقذنا… ما أزعجني هو أنك لم تقدري أن تربطي بين الخبز وبين أمريكا
ولكن دعيني أدغدغ ذاكرتك وأنشطها قليلاً.. قبل أن أسألك عن العلاقة بين أمريكا وبين الخبز.. وعندها أنت من يقرر من منا الذي يعيش الخيال والأوهام..
من الذي أحرق القمح السوري في أراضينا علناً؟ إنها أمريكا
من الذي دمّر الليرة؟ إنها أمريكا
من الذي يمنع الوقود عن محطات الطاقة؟ إنها أمريكا.
ومن الذي يمنع إعادة الإعمار وتشغيل مئات الآلاف كي يبقوا فقراء؟ إنها أمريكا.
ومن الذي أخذ خبزنا ونفطنا علنا وأمام عيون الدنيا؟ إنها أمريكا
السؤال الأهم: ماذا تريد أمريكا؟
هل تظنين أنها تريد فقط موقفاً تطبيعياً مع إسرائيل وسلاماً وهكذا نبوس بعضنا ونتصافح ويمضي كل منا لحاله؟
هل تتذكرين الأحلام العراقية عندما جاع العراقيون من الحصار وكانت شرطة الحدود الأردنية تصادر ربطات الخبز التي يأخذها العراقيون العائدون إلى بغداد بحجة الامتثال لقرارات الامم المتحدة والفصل السابع؟
تخيلي ربطة خبز مع اسرة عراقية تصادر على الحدود مثل السلاح والمخدرات..
لماذا صار الخبز بقوة السلاح؟ كي تقولي أنت مثل هذا الكلام الذي قاله العراقيون الذين قبلوا بالتخلي عن بلادهم وقيادتهم.
أحلام العراقيين كانت مثل أحلامك بسيطة؛ خبز ووقود وكهرباء وسفارات وأسفار مثل بقية الأمم الطبيعية التي لا تحارب.. وقبل العراقيون بعدها تحت دغدغة الاحلام قبلوا بالاحتلال واجتثاث البعث والتخلص من يوتوبيا صدام حسين الذي يريد تحرير الكويت يوماً وعربستان يوما آخر ورفع سمعة الماجدات العراقيات والعودة بأساطير حمورابي وآشور بانيبال..
ولكن هل أعطتهم أمريكا الخبز والوقود والمجد؟ طبعاً لا.. العراقيون على بحر من النفط ولكنهم لايزالون بلا كهرباء ولا ماء ولا خدمات.. وفوق كل هذا رغيف خبزهم مغمس بالدم.. بل وأعطتهم أمريكا حرباً طائفيةً قتلت الملايين وأهدتهم داعش.
وانقسم العراق فعلياً إلى 3 دويلات.
هل تعلمين أن العراق بعد أن تخلص من فساد (البعث) هو من أكثر بلدان العالم فساداً؟ والسبب هو أن أمريكا وضعت عملاءها في كل مفاصل الدولة العراقية ثم وضعت دستوراً عراقياً لا يعمل إلا بالفساد والفاسدين لأنه دستور محاصصة طائفي به تصبح كل طائفة تشد الدستور والمصالح نحوها وهذا ما يخلق طبقة فساد سميكة جداً في كل طائفة.
فهذه الطبقات هي التي تستفيد من التوتر الطائفي والانقسام وولاء الطوائف والفقراء.. وصارت مصالحها في إبقاء الدستور والانقسام ومصالحها التجارية صارت فوق مصالح العراق والعراقيين.
ونفس الطبقة الرثة موجودة في لبنان ودستوره، ولكن هل استراح اللبنانيون وأكلوا الخبز وشبعوا المحروقات وسكبوا البنزين في نوافير البيوت؟
الجواب طبعا لا.. اللبنانيون تحكمهم طبقة كثيفة جداً جداً من الفاسدين والطائفيين.. ولذلك تجدين البنوك اللبنانية فارغة من الدولار والليرة للبنانية مثل قيمة “مجيدية عصملية”.
ومع هذا لا يجرؤ أحد على أن يحاكم حاكم مصرف لبنان الذي تعيّنه أمريكا.. ولا يجرؤ أحد على إبراز نتائج التحقيق في انفجار مرفأ بيروت؛ لأن أمريكا تريد أن تتهم حزب .
والخبز والكهرباء مفقودان مثل أي بلد محاصر.. لماذا لم ينفعهم النأي بالنفس رغم أنهم يعملون كل ما في وسعهم لإرضاء أمريكا ولا يشترون بدولار واحد من الصين أو روسيا ولا يستوردون الدواء من الصين أو إيران كي لا تغضب أمريكا.. ومع هذا لا ترحمهم أمريكا وتتركهم أذلاء متسولين بلا خدمات وحتى القمامة لا يقدرون على إزالتها..
لا يزال البحث جارياً عن بلد اسمه ليبيا
وفي معرض حديثه عن أمريكا تحدث الأستاذ ” سرجون” عن ليبيا التي لفحها دمار الربيع العربي الذي مبكراً دون مناعة كافية للمقاومة فوقعت فريسة له إلى اليوم، قائلاً:
هل تتذكرين أحلام العصافير في ليبيا التي خرج الناس لإسقاط الديكتاتور لأنهم شبعوا خبزاً ولكن لم يشبعوا حرية؟ وبعد الحرية صار الخبز والحرية مفقودين .. ولا يزال البحث جارياً عن بلد كان اسمه ليبيا..
وهنا سأترك عالم اليوتوبيا المثالي الذي أعيش فيه وأنزل عن صهوات النجوم وسأدخل في عالمك الواقعي وأسأل.. ماذا تريد أمريكا كي تفرج عن القمح والمحروقات والليرة السورية الاسيرة؟
إنها لا تريد موقع الرئاسة ولا يهمها من يحكم البلاد.. بل تريد موقع سوريا واتجاهها وقتل خريطتها.. الأمريكيون صريحون جدا ولا يناورون ويقولون أنهم لم يعودوا يقبلون بسوريا الموحدة مهما قدم السوريون من تنازلات كما لن يقبلوا العراق الموحد وكما لن يسمحوا لمصر أن تبقى موحدة..
هذا الكلام منشور منذ عام 1982.. ولذلك الأمريكيون يريدون فصل الجزيرة السورية كي تحرم السوريين من القمح والمحروقات إلى الأبد.. ويريدون دولة إسلامية في إدلب برعاية أردوغان تبقى كالدمل والصداع في رأس سورية.. وكياناً جنوبياً فارغاً من السلاح كي لا تنزعج إسرائيل.. والباقي لكم بلا قمح ولا وقود ولا سلاح.. وهذا هو الطريق الوحيد للنجاة..
إما أن تقبلوا التقسيم أو أن تسمحوا بتغيير الدستور السوري في آستانة بحيث تقبلون بمحاصصة طائفية.. وعندها ستحصلون على ما حصل عليه العراقيون دون زيادة أو نقصان.
فساد كثيف جداً وزعماء طوائف فاسدون جداً.. وفقر وحرمان في بلاد ما بين النهرين بلا ماء ولا كهرباء ولا وقود مثل أي قرية في أدغال أفريقيا.. وتعليم فاشل.. ومفرخة لداعش.
مشكلتي ليست مع الأمريكي دوماً.. بل مشكلتي معك أنت وأمثالك ممن تريدون أن ترسموا بأيديكم خطوط التقسيم وخطوط الدستور الطائفي من أجل حفنة من الدولارات أو فيزا..
لا تكن الهدف الذي يقترب من السقوط في السلة
وتابع الأستاذ “سرجون” رسالته الذي أشار فيها إلى الحل الأمثل للخروج من الأزمة المعيشية الضاغطة قائلاً:
أنا كنت أظن أنك سترسلين لي رسالة تعتبين فيها على الرئيس الأسد أنه لم يأذن بعد باطلاق الرصاص على الأمريكي وبإعلان انطلاق المقاومة في الشرق السوري بشكل كامل.. وأنا ظننت أن كثيراً من الشباب بدلاً من أن يتقاتلوا على محطات الوقود قرروا أن يتظاهروا أمام القصر الرئاسي للمطالبة بتحرير الجزيرة السورية كي تتوقف أزمة الوقود وأزمة الخبز نهائيا.. خبزكم هناك.. وقمحكم هناك.. وماؤكم هناك.. ونفطكم هناك.. وعدوكم هناك..
هل تظنين أن أمريكا لاتراكم وأنتم تثرثرون عن الوضع المعاشي الصعب؟
أنا أستطيع أن أقول لك أن الطابور الخامس بيننا يكتب كل يوم ويصور الطوابير كل يوم.. ولكن إن كتب هذا الطابور تقاريراً لأمريكا ينقل فيها أن الناس غاضبون من القيادة السورية لأنها لاتحرك الجبهة الشرقية وأن هناك غلياناً يطالب بإطلاق مقاومة شعبية واقتلاع رأس أمريكا من الشرق فإن أمريكا سترسل بدلاً من حاملات الطائرات بواخر تحمل الطحين والسكر والوقود مع بطاقة اعتذار.. وستترك الجزيرة السورية وتغادر.. ولكن كلما سمعت أمريكا مثل كلامك ورسالتك تقرر أن ترسل حاملات الطائرات والمزيد من الجنود.. فالهدف يقترب من السقوط في السلة وسنساعده على ذلك..
فلم تغادر أمريكا؟.. ولم تفرج عن القمح؟.. وعن الوقود؟.. والماء؟.. وكل شيء؟.. طالما أنكم لاتعرفون أن من يسبب هذه الكوارث ليس سوء الإدارة ولا الفساد الحكومي بقدر ما هو سرقة مواردكم وأموالكم أمام عيونكم.. والبعض منكم فوق كل هذا يتبرّم ويتأفف ويطلب حلاً.. والبعض يطلب أن نغير سياسة المواجهة.. ونصبح أصدقاء أمريكا ؟ وأن نخرج من أبراجنا العاجية؟ وكأنه لم ير الأمريكيين يحرقون حقول القمح السورية علناً.. ويستولون على النفط علناً.. وكأنه لم ير ماذا حصّل العراقيون من أمريكا بعد أن أحرقوا لها بلادهم.. وماذا حصل الليبيون بعد أن أحرقوا لها بلادهم.. وماذا حصّل اللبنانيون.. بل وماذا حصّل المصريون الذين لم يطلقوا رصاصة واحدة وكلمة واحدة على أمريكا منذ خمسين عاماً.. ومع هذا لا يزالون ينتظرون قمحهم تأتي به البواخر الأمريكية كل شهر.. وإذا تأخر القمح أسبوعاً ستصل طوابير المصريين أمام الأفران إلى سد النهضة في إثيوبيا..
ماهو ثمن رغيف الخبز الذي في قبضة أمريكا؟
كما أردف الأستاذ “سرجون” قائلاً:
أمريكا لن تعطيكم القمح.. ولا الوقود.. ولو فرشتم لها دمشق بالأعلام الاميريكية.. ولو غطيتم قبر صلاح الدين بالعلم الأمريكي وكللتم منارة الجامع الأموي بالعلم الإسرائيلي.
نحن شعب يجب أن يفقد إرادته.. وأن يبقى يتسوّل الخبز والوقود والماء والحياة.. ويجب أن تقسم أرضه وتصبح أحلامه أن يعود إلى سايكس بيكو الكبيرة..
وختم الأستاذ “سرجون” رسالته بالقول:
ياصديقتي أنا من يعيش الواقع وأنت من يعيش في عالم الوهم واليوتيوبيا.. اخرجي منه مع رفاقك وتوجهي إلى القصر الجمهوري وطالبي الرئيس أمام عدسات الكاميرا أن يعطي الإشارة بتحرير الشرق السوري وصدقيني إذا علم بايدن وإدارته بهذا الغضب الشعبي السوري فستنعمون بخيرات بلادكم كما تريدون.. وسترين نوافير السبع بحرات تفيض بالبنزين.. وتجدين أن الخبز سيعلق على الأشجار في الحدائق بدل بالونات الزينة.. وقد يستعمل بدل الورق في المدارس والمكاتب الحكومية..
الأمريكيون يخافون الشعوب التي تعلم الحقيقة.. ويستبيحون الشعوب التي تعميها الأنانية والجهل..
ولك ولأمثالك الخيار ياصديقتي.
من هو نارام سرجون
كاتب وناقد سوري لد في مدينة دمشق في العام 1941م، وتخرج من كلية التجارة في العام 1965م، سافر إلى سويسرا ومن ثم إلى المانيا ومن ثم إلى كندا.
وقد جاءت رسالته هذه في وقت تعيش فيه سوريا أصعب مرحلة من الضغوطات الاقتصادية وتسخين الجبهات لتحقيق بعض المكاسب الأجنبية التي منعتها من الوصول إلى سدة التنفيذ دماء الشهداء السوريين من الجيش السوري والقوات الرديفة والمواطنين الصابرين والتي أثمرت عودة الأمان لمعظم الأراضي السورية بعد هزيمة المشروع الأمريكي الذي دفع له 2000 مليار دولار باعتراف حمد بن جاسم وزير خارجية قطر السابق وصرف هذا المبلغ على التجييش والتجنيد والتحشيد لحرب شوارع دامت حوالي 13 سنة ومازالت آثارها تفتك بالبلاد.