لم تكن واشنطن الأولى بإعلان تزويد كييف بذخائر اليورانيوم المنضّب، إذ سبق للندن أن أرسلت النوع نفسه من الذخيرة قبل عدة أشهر ، وأثار إعلان بريطانيا عزمها على تقديم ذخائر يورانيوم منضّب لكييف خلال شهر آذار الماضي غضب روسيا التي أعلن رئيسها “فلاديمير بوتين” أنها سترد على إرسال ذخائر اليورانيوم المنضّب إلى كييف على اعتبار أن الغرب سيبدأ باستخدام أسلحة تتضمن “مكونات نووية”.
و عقب تسليم بريطانيا أسلحة اليورانيوم المنضّب إلى أوكرانيا أرسلت روسيا كرد فعل على الخطوة البريطانية أسلحة نووية تكتيكية إلى بيلاروسيا، وذهب “بوتين” أبعد من ذلك إذ صرح بأن لدى روسيا كمية كبيرة من ذخائر اليورانيوم المنضّب، وإذا استخدمتها القوات الأوكرانية، فإن روسيا تحتفظ بالحق في استخدام الذخيرة نفسها.
يشار إلى أنه عقب زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى كييف وإعلانه تقديم حزمة مساعدات عسكرية جديدة لأوكرانيا، أعلن البنتاغون، بعد أشهر من الجدل، أن واشنطن ستزود كييف للمرة الأولى بذخائر تحتوي على يورانيوم منضَّب من عيار 120 مليمتراً مخصصة لدبابات “أبرامز M1A2” الأميركية التي وعدت واشنطن بإرسالها إلى أوكرانيا قبل نهاية العام، والبالغ عددها 31 دبابة.
من جهته ندد الكرملين بالقرار الذي اعتبره “نبأ سيئاً جداً”، ووصفته السفارة الروسية لدى واشنطن بأنه “دليل واضح على عدم الإنسانية”، مضيفة في منشور لها في تليغرام: “إن واشنطن مهووسة بفكرة إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا ومستعدة للقتال، ليس فقط حتى آخر أوكراني، بل وحتى تعريض مصير أجيال بأكملها للخطر”، وأشارت السفارة إلى “أن استخدام هذه الذخائر يؤدي إلى انبعاث الغبار المشع الذي يسبب الأورام الخبيثة”.
وانتقدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية “ماريا زاخاروفا” في منشور لها في تطبيق تليغرام القرار الأميركي، وكتبت: “ما هذا؟ كذبة أم غباء؟”، وأوردت المتحدثة الروسية أنه لوحظ زيادة في حالات السرطان في الأماكن التي استخدمت فيها ذخيرة تحتوي على ذخائر اليورانيوم المنضّب.
بدورها ردت المتحدثة باسم البنتاغون “سابرينا سينغ” بأن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة ذكرت بأنه لا يوجد دليل على أن ذخائر اليورانيوم المنضّب تسبب السرطان، وأضافت أن منظمة الصحة العالمية أفادت بأنه لم تكن هناك زيادة في حالات السرطان بعد التعرض لليورانيوم المنضّب.
ما هو اليورانيوم المنضب وماهي أضراره على الصحة؟
اليورانيوم المنضّب هو بقايا الوقود النووي الذي لم يعد مجدياً –عملياً- في المفاعلات النووية، ومن أجل تحضير الوقود الخاص بالمفاعلات النووية، يتم إخضاع خام اليورانيوم لعمليات معقدة في مصانع التخصيب، بهدف زيادة تركيز النظير “U-235” عن بقية نظائر اليورانيوم، أي إنتاج اليورانيوم المخصّب الذي يستعمل كوقود نووي للأغراض التجارية. وما يتخلف عن عملية التخصيب من فضلات يسمى اليورانيوم المنضّب الذي هو مادة مشعة وسامة.
ونظراً إلى الخصائص التي يتمتع بها اليورانيوم المنضّب، ولا سيما كثافته العالية وامتلاكه خاصية الاشتعال وتوفره بكثرة، فضلاً عن أنه غير مكلف، فقد تم استخدامه في صناعة الذخائر والأعتدة الحربية.
وترى دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا أن اليورانيوم المنضّب يستخدم بشكل فعّال في الذخيرة لأن كثافته العالية تعطي المقذوفات القدرة على اختراق الدروع بسهولة، ما يمكنه من تدمير الدبابات الحديثة.
استخدم اليورانيوم المنضّب في العديد من الحروب، منها مثلاً حرب الخليج الثانية 1991 وغزو العراق 2003، واستخدم أيضاً في البوسنة ويوغسلافيا وأفغانستان ولبنان وغزة وليبيا وسوريا. وهناك حالياً 40 دولة تحتوي ترساتنها العسكرية قذائف اليورانيوم المنضّب، منها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين وباكستان.
وأشار موقع الأمم المتحدة إلى أنه وفقاً لنتائج الدراسات التي شاركت فيها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإنه يوجد تهديد إشعاعي للسكان والبيئة ناتج عن التلوث المحلي للمنطقة بجزيئات صغيرة من اليورانيوم المنضب.
ولفت إلى أنه عندما يتعلق الأمر باكتشاف شظايا أو ذخائر كاملة تحتوي على اليورانيوم المنضب، فهناك خطر محتمل من التعرض للإشعاع للأشخاص الذين هم على اتصال مباشر بمثل هذه الشظايا أو الذخائر.
هل تغير قذائف اليورانيوم المنضّب مجرى الحرب لمصلحة أوكرانيا؟
من جهة روسيا فإن تزويد أوكرانيا بذخائر اليورانيوم المنضّب لن يغير مسار العملية العسكرية، وسيواصل الجيش الروسي تدمير الأسلحة الغربية، إذ إنه تمكن من تدمير دبابة “تشالنجر 2” البريطانية التي يمكن أن تحتوي قذائف اليورانيوم المنضّب في قرية روبوتين في إقليم زاباروجيا.
وبالنظر إلى القدرة العسكرية الضخمة لروسيا، من المستعبد أن يكون لقذائف اليورانيوم المنضّب أي أثر في تقدم القوات الأوكرانية، ولكن بصرف النظر عن مدى تأثير قذائف اليورانيوم في مسار الحرب، فمن المرجح أن تصبح مناطق النزاع موبوءة بالإشعاعات، وسيصاب الجنود الأوكرانيون والروس بهذه الإشعاعات الخطرة، وحتى صانعو القرار الذين وافقوا على استخدام ذخائر اليورانيوم المنضّب في المعارك الدائرة والسكان المدنيون الأوكرانيون والروس والعديد من شعوب الدول الأوروبية، لأن الغبار الذري الذي ينتج عند استخدام ذخائر اليورانيوم ينتقل عبر الهواء، ومن المحتمل انتقاله إلى أماكن بعيدة اعتماداً على الكمية المستعملة وعلى حركة الهواء.