شغلت المحادثات حول اتفاق التطبيع بين إسرائيل والسعودية التي جرت في الآونة الأخيرة حديث الأوساط الإعلامية كافة، في حين أن معظم كبار مسؤولي النظام خارج المفاوضات ولا يعرفون الكثير عن الاتفاق الناشئ، الأمر الذي تسبب بانزعاج في المؤسسات الأمنية.
حيث لا يشارك في هذه المفاوضات جيش الاحتلال الإسرائيلي ووزارة الحرب، وإنما يقود هذه المفاوضات سراً “موشيه إدري” رئيس لجنة الطاقة الذرية، و”ديفيد بارن” رئيس الموساد.
ومن المؤكد أن هذين الشخصين لا يرتاحان للانفصال عن السياسة التقليدية “لإسرائيل” في معارضة انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، لكن ليس من المتوقع منهما التعبير عن معارضتهما القوية، بل الإشارة فقط إلى عواقبها ومخاطرها.
ومن جهة السعوديين فلديهم ثلاثة مطالب من الأمريكيين وهم: “تخصيب اليورانيوم على أراضيهم، والحصول على أفضل التكنولوجيا العسكرية الأميركية، والتحالف الدفاعي مع الولايات المتحدة”.
بينما ليس لدى الكيان الصهيوني أي مشكلة مع التحالف الدفاعي الأمريكي السعودي، لكن البندين الآخرين يمثلان إشكالية كبيرة!!
أولاً: الموافقة الأمريكية على تخصيب اليورانيوم في السعودية تعني إرساء أسس برنامج نووي عسكري في السعودية -وهي دولة غير مستقرة بشكل واضح- ووريث العرش السعودي لا يخفي حتى طموحه بإنشاء نووي عسكري في السعودية، وبهذا يكون منع وتحييد أي برنامج نووي لدولة في المنطقة هو أمر متناقض، ولن تكون المملكة العربية السعودية وحدها عندما توافق الولايات المتحدة.
ثانياً: مطالبة السعوديين بالحصول على الأسلحة الأمريكية الأكثر تقدماً تضر بالميزة النوعية للصهيونية على جيرانها وحتى لو قدم الأمريكيون ضمانات وسمحوا لها بالوصول إلى المزيد من التقنيات العسكرية فإنّ “إسرائيل” ستفقد ميزتها الإقليمية.
ثالثاً: يحاول نتنياهو ساعياً إلى تقليل هذا الضرر من خلال التحالف الدفاعي الذي ستنشئه الولايات المتحدة مع إسرائيل، لكنه يتعارض مع كل مبادئ المفهوم الأمني للاحتلال الإسرائيلي، لأن تل أبيب في هذه الحالة تحتاج إلى موافقة الولايات المتحدة على أي عمل عسكري.
وسيكون من الصعب للغاية على المؤسسة الأمنية أن تتخلى عن هذه المبادئ، ولكن إلى أن يتم التوصل إلى اتفاق، لا تزال هناك عقبات كثيرة يتعين التغلب عليها، بما في ذلك في إسرائيل فيما يتعلق بالفلسطينيين، وخاصة في الكونغرس الأميركي – وهو أمر غير مرجح، للموافقة على مثل هذه الصفقة العبثية مع مملكة لا تزال فيها الرؤوس مقطوعة الرأس والأطراف مبتورة.
ويشار إلى أنه عندما تُطرح فكرة التحالف الدفاعي مع الولايات المتحدة الأمريكية فإنه من المتوقع أن يعارض الجيش العراقي هذا الاتفاق، وتجدر الإشارة إلى أن الموافقة على التطوير النووي السعودي تدمر تماماً حملة الجيش ضد البرنامج النووي الإيراني.
فيما سترغب تركيا والإمارات العربية المتحدة ومصر في امتلاك برنامج نووي، وبهذه الطريقة سيتحقق كابوس الشرق الأوسط النووي!
ورغم أن كل صفقة تأتي بثمن، إلا أن خطوط الاتفاق التي ستنشأ سوف تفرض ثمناً باهظاً على مصر، وهو ما ينطوي على تنازلات صعبة بشأن المبادئ التي كانت تشكل حجر الزاوية في السياسة المصرية.