بقلم: دانيا الغباش
يوماً بعد يوم تزداد المعاناة والألم في غزة، وتستمر المجازر الإسرائيلية بحق أهلها، ويوماً بعد يوم تواصل المقاومة الفلسطينية عملياتها واستهدافاتها للاحتلال الإسرائيلي، ذلك رداً على اعتداءاته ومحرقته التي لا ترحم، ولأن ما تمر به غزة منذ بدء معركة الطوفان إلى هذه اللحظة غير إنساني بل وهو أشد وحشية مرّت عبر التاريخ، تم اتخاذ قرار بعقد قمة عاجلة لوضع حدّ لمجازر الاحتلال فيها.
فما لبثت حتى انطلقت أعمال القمة العربية الإسلامية في الرياض في الحادي عشر من تشرين الثاني بظروف غير عادية ومؤلمة، لكن تم افتتاح القمة بإدانة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه البشعة بحق أهل غزة، حيث كان من المنتظر أن يأتي بعد هذه الإدانة قرارات حاسمة بحق الاحتلال الإسرائيلي.
الثرثرة لا تنفع.. فغزة تحترق..
في الوقت الذي تعيش فيه غزة أكثر الأيام رعباً وألماً وتنزف فيه سيلاً من دماء الشهداء التي لا تنتهي؛ خرج بعض الحكام ينددون ويستنكرون جرائم الاحتلال الإسرائيلي التي باتت مكشوفة لدى الجميع، إنّ هذا الوقت لا ينتظر إدانة بل قرار حتمي بإنهاء الاحتلال وإنعاش فلسطين بأسرها لا غزة فقط، فانتهاك الاحتلال للقوانين والأعراف الدولية والإنسانية بات جلياً لمن يعرف أنه مجرد كيان محتل ولمن كان جاهلاً في تاريخ القضية وكيف بدأت، فالوحشية والهمجية أصبحت أمام الجميع ولم يعد هناك مفرٌّ لإخفائها، وبدا واضحاً كيف يصب الاحتلال حقده على أهل غزة وأن أمنياته هي اختفاء أهل غزة بأي وسيلة حتى لو كلفته استعمال السلاح النووي.
إنّ هذه الإدانات مجرد ثرثرة لا تنفع، فالمحرقة التي تسلب من أهل غزة أرواحهم وأطفالهم لا تنتظر الكلام، بل تحتاج قرارات واقعية تزلزل الأرض تحت الكيان، ولكن هيهات.
لو تلجَّموا بالصمت…
وإذا كانت إدانة هؤلاء الحكام كالرمد في العين، فهناك حكام فقؤوها بعد الإدلاء برأي حلّ الدولين معترفين بأن الاحتلال الإسرائيلي دولة لكنها تنتهك الحقوق والقوانين، وإذا كان حضورهم في القمة للنطق بحلّ الدولتين فما الذي يميزهم عن الرئيس الأمريكي الذي اقترح أنّ إنهاء الصراع ليس له حلّ سوى حلّ الدولتين، فهؤلاء حقاً يطلق عليهم المثل العاميّ “نطق بدري”، فلو تلجمّوا بالصمت لرحموا أنفسهم من ضرب الألسنة عليهم.
وكي لا يتغيب عنا أصل المقترح فإن “حل الدولتين” هو اقتراح مفكر سياسي وعالم لسانيات أمريكي يدعى “نعوم تشومسكي”، وهو يعدّ أول من اقترح هذا الحل المزعوم وروج له في الجامعات الأمريكية، والذي يفيد بأن يكون للكيان دولة، وأن تكون فلسطين دولة بما تركه لها الكيان من مدن لم يحتلها.
فإما أن يكون بعض هؤلاء الحكام لا يفقه بأصل المقترح ولا يعرف معناه، أو أنه يعرف لكنه أعمى عينيه عما يجب أن يراه.
دول المحور تنفذ ولا تنتظر قمة..
وكي لا نرى القمة من منظور الفشل الذي سببه بعض الحكام، فإنه للحقيقة خرج بعض من حكام الدول العربية والمسلمة والذين لم يتهاونوا منذ بدء معركة الطوفان إلى اللحظة مع المحتل الإسرائيلي، حيث قال الرئيس “بشار الأسد” في القمة “غزة لم تكن يوما قضية، فلسطين هي القضية وغزة تجسيد لجوهرها وتعبير صارخ عن معاناة شعبها” مؤكداً بقوله “إذا لم نمتلك أدوات حقيقية للضغط فلا معنى لأي خطوة نقوم بها أو خطاب نلقيه”
وبدوره قال الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي”: “مرور الوقت لا يفيد الشرعية وعلينا التصدي لـ”إسرائيل” والحل الوحيد هو المقاومة”، مؤكداً أنه “يجب تشكيل محكمة دولية، لمحاكمة ومعاقبة القادة الصهاينة والأمريكان”
علماً أن المقاومة الفلسطينية تستهدف الاحتلال الإسرائيلي وتدك مواقعه بسلاح سوري وإيراني.
كما وجهت المقاومة العراقية أيضاً أكثر من ضربة لقواعد الاحتلال الأمريكي الداعم الأول للاحتلال الإسرائيلي، فيما لم تتوانى المقاومة اليمنية في ضرب الاحتلال الإسرائيلي بشكل مباشر رغم بعد المسافة بينها وبين الكيان، ولم ننسى أن المقاومة اللبنانية أشعلت جبهة الحدود اللبنانية الفلسطينية من اليوم الثاني من معركة الطوفان لتعطب كاهل الاحتلال قدر الإمكان وتشتته عن جبهة غزة وإلى الآن تواصل استهداف قواعده عند الحدود.
والذي يتبين هنا أنّ هذه الدول تنفذ إلى الآن قرارات عسكرية تواجه بها الاحتلال الإسرائيلي، وذلك قبل أن تحضر القمة وتوجه ضرباً للاحتلال باللسان، فهي دول تنفذ لا تتكلم، لكنها حضرت لعلّ القمة تأتي بقرارات دولية تهوي بالاحتلال الإسرائيلي إلى سقر الفشل والهزيمة، لكن يد واحدة لا تصفق.
قرار سحق وتطبيع.. على طاولة واحدة:
قبل انتظار قرار ينهي وجود الكيان الغاصب، يجب أن نتذكر جيداً أن هذه القمة قد جمعت على طاولتها من يأخذ قراراً بسحق الاحتلال، وبين من يطبّع معه وترك السفارات مفتوحة بينه وبين المحتل، ووجوده على طاولة القمة إما كذب أو نفاق، إذ كان كافياً لأن تهتزَ أركان الاحتلال أن تلغى سفاراته وتقطع علاقاته مع هذه الدول، دون الركض للقيام بأعمال قمة كانت أحلام الجميع أن تنتهي بحل عسكري وسياسي واضح، ولكن الأحلام المنتظرة لم تلق إلا بالخذلان، تبعثرت كأحلام الطفل الذي فقد كلّ شيء في غزة