من نظرة تأمل بقلب واعٍ سليم في ذلك الكون الواسع ، لنظرة أخرى لصورة مصغرة لدورة الحياة وبقاياها ،من صور لنباتات وحيوانات من أعظمها وأكبرها إلى أحقرها وأدقها..نتتبع فيها نظام الكون، وتاريخه وإحكامه، وعجيب خلقه تعالى، لنقف وقفة مسلّمٍ، مقرٍ، معترف ٍ بقدرته وقوته وبديع صنعته، فنؤمن بقلب سليم بأنه….”هو الذي أحسن كل شيء خلقه ثم هدى “.
ولنا في حشرة صغيرة حقيرة الحجم بديعة الخلق والتكوين خير مثال ودليل .. ألا وهي العنكبوت.
فقد ضرب فيها مثالاً في القرآن الكريم عن معان جمة عميقة وظاهرة، من تأملها ووعاها بدقة وقف محتاراً متعجباً مذهولاً مقراً بنظام وجودي بديع محكم.
قال الله تعالى: “مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً، وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون”.
قد يدرك القارئ ويفهم من المعنى الظاهري للآية الكريمة، أن الوهن المذكور فيها، هو وهن حسي مادي ظاهر، من خلال النظر في شباكها الضعيفة التي تتمزق من أقل نسمة أو حركة تحاول تحطيمه، وذلك من حيث ظاهر الآيات صحيح ولا مشكلة فيه.
وخطأ العنكبوت أنها اتخذت من أوهن الخيوط والتي تعتبر مصيدة ومصدر رزق، فاتورتها يبتاً للسكن، ليس فيه من خصوصيات البيت ما يسمى بذلك.
فالبيت يجب آن يكون حصناً منيعاً متيناً يقيها الحر ويدرأ عنها الخطر، وهو ليس بذلك.
غير أننا اذا تعمقنا قليلاً في معاني الآيات ونظرنا إلى ما يقوله العلم في هذه الحشرة، وكيف تكون حياتها وجدنا فيها العجب، ولا ستنبطنا منها العبر والمواعظ، للدرء عن أنفسنا مهالك، وويلات، ومصائد تودي بنا إلى المهالك.
فقد أثبتت الدراسات المتأخرة في علم حيوانات الأرض، أن بيت العنكبوت هو أوهن البيوت على الإطلاق من الناحيتين المادية والمعنوية.
وقد جاءت تسمية السورة الكريمة بصيغة “الإفراد” لتبين لنا الحياة الفردية لتلك الحشرة، وأن من يقوم ببناء البيت هو الأنثى.
وذكر العلماء أن خيوط العنكبوت على الرغم من أنها حريرية ودقيقة جداً.
إلا أنها أقوى بخمس مرات من نظيرها الفولاذ اذا سحب بدقتها، وهو يعتبر من أقوى المواد الموجودة على سطح الأرض.
ولكنه تعالى ذكر في الآية الكريمة “أوهن البيوت” ولم يقل أوهن الخيوط، فبقي على الرغم من قوته وشدة خيوطه من الناحية المادية، وأوهنها من الناحية المعنوية.
اذ لا توجد فيه معاني الرحمة والمودة والمحبة ، فالأنثى تقوم بقتل زوجها وافتراسه بعد عملية الآخصاب، وهي أكبر منه حجماً، وأكثر شراسة، وفي بعض الحالات تلتهم صغارها، وفي بعض الفصائل منها يقتل الأشقاء بعضهم من أجل الطعام، أو المكان، ومن ينجو يكرر المأساة نفسها، والتي تجعل من بيت العنكبوت أكثر البيوت شراسة ووحشية.
وهنا ضربُ المثل من الله تعالى في الوهن لافتقاره إلى أبسط معاني التراحم والعيش المسالم.
وفي سياق متصل ..نرى أن الآية تتحدث من أولها لآخرها عن الفتن، ومع ذلك جاءت تسمية الآية باسم تلك الحشرة السيئة الصيت، فما المغزى من ذلك؟
إن من يدقق النظر في خيوط العنكبوت، وتشابكها وتداخلها وتعقيدها وبديع تصميمها وهندستها، يخيل له أنها صعبة الاختراق، عصية المنال، وأنها ستوقع من يقترب منها شر وقعة .. إلا أنها واهية ضعفة هشة من الداخل.
واذا نظرنا في واقعنا الحالي، رأينا مجتمعات مدعية بقوتها، وصعوبة اختراقها، ومتانة الأجهزة الأمنية والاحتياطات فيها، غير أنها مبنية على الوعد الكاذب، والفناء البطيء، والسياسة الخبيثة، والتخريب والقتل والفقر، والرذائل، والحقد و الخيانة، والمكر واللؤم.
وهذا ما ذكره عنهم السيد حسن نصر الله في إحدى خطاباته اذ قال: “إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت”.
فهي ومع كل ما ذكرناه سابقاً، ووصفنا حالهم به، الا أنها تستفيد كذلك من الحروب القائمة والانقسامات الحاصلة في المنطقة، وغياب العروبة ودولها، ولازالت تعثو فساداً في المنطقة.
غير أنهم اكتشفوا وأدركوا أن تقدير قيادتهم السياسية والأمنية والعسكرية كان تقديرا أحمقاً، كما أن قيادتهم وضعتهم على حافة المخاطر الكبرى، فالانقسامات الداخلية والكراهية تنتزعان القدرة على التحرك وتحدثان شللاً فيها ذو بعدين عسكري واستراتيجي.
وفي المقابل من ذلك الوصف، ذكر الله تعالى في موضع آخر في كتابه العزيز: “أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين ” (التوبة-١٠٩).
وتتجلى في هذه الصورة القرآنية المتينة من واقعنا، صورة المقاومة الباسلة، فنرى فيها بنياناً قوياً صلباً، مبنياً على حب الله ورضوانه، فقد استطاع المقاومون بكل بسالة وشجاعة واتحاد ومحبة وايمان، كسر الحصون والوصول إلى مقر قيادة جيش الاحتلال.
إضافة لتضليل منظومته الأمنية، وكشف ألاعيب المخابرات الصهيونية التي تحاول التيل منها، وقد تمكنت من تحقيق نجاحات أمنية كبيرة في تضليل الاحتلال وتحصين الجبهة، وكشف هشاشته أمام العالم، وأكدت في أكثر من مرة، بالفعل وليس بالقول فقط، أن إسرائيل ومن معها ” أوهن من بيت العنكبوت”.