ثمة تداعياتٌ عديدة على أن الاستقرار في العراق مسألةٌ مؤجلة حتى تحسم شروط سير اللعبة الأميركية التي تخفي عناصرها الفاعلة وتظهر فقط على السطح بضعة بيانات هزيلة لبلد مزقه الانقسام الداخلي وشظته التفرقة والانسداد السياسي،
لوجود أيادٍ دخيلة وعملاء حقيقيون يلعبون الدور الأميركي في الساحة العراقية دوراً فاعلاً ومؤثراً بين رؤؤس بعض السياسيين فيه وأصحاب النفوذ في الدولة.
فالاستقرار السياسي في العراق يحتاج إلى إخلاص و حس وطني عند السياسيين و فهم للمؤامرة الأمريكية و سد ثغرات الأداء الحكومي البائس منذ عام ٢٠٠٣ و إلى اليوم.
لأن أهم أسباب الفوران الجماهيري هو نقص الخدمات و انعدام التنمية و التخطيط، كما أن قانون الانتخابات و ما يفرزه من صعود للكتل الحزبية المسيطرة و صعوبة صعود المستقلين جعل الناخبين يحجمون على المشاركة الأمر الذي أفرز برلمانا بنسبة مشاركة بلغت ٢٠٪ و هذا دليل واضح على يأس الشعب من العملية السياسية بأشخاصها الحاليين.
ما بين العراق ولبنان، ما أشبه اليوم بالأمس!
مما يجدر ذكره أن الساحة العراقية اليوم تذكرنا بزمن ليس ببعيد بالأحداث التي طرأت على الساحة اللبنانية أيام الحرب الأهلية، التي أصبحت بقدرة قادر ساحة مفضلة للصراع الدولي في المنطقة،
فلم يكن الفرقاء اللبنانيون حينها، هم وحدهم الذين تغص بهم ساحات القتال في بيروت، إذ كانت ثمة أصابع لإستخبارات إقليمية ودولية، بل أيدٍ وأيدٍ طويلة، جعلت من ساحة الفلتان اللبناني حينها، الساحة المفضلة لإشعال فتيل الفتنة ونهب الثروات وتوزيع العملاء في المنطقة العربية.
مالذي يريده التيار الصدري من الصراع؟!
كذلك الساحة العراقية اليوم تكتنفها بوادر حرب مصالح سياسية بين عدة قوى مختلفة ومتعددة الطوائف ويعتبر أبرز أطراف النزاع في العراق والذي يطفو على سطح الميادين بتظاهرات واحتجاجات مختلفة مع كل خلاف سياسي هو التيار الصدري ومتزعمه الذي بات معروفاً بحالة الضياع السياسي وتخبط الرؤى والأهداف مقتدى الصدر
فالتيار الصدري يصر بحسب الظاهر على عدم تدويل القضايا العراقية بكل تفاصيلها و عدم السماح بالتدخل السياسي الخارجي ولكنه يعمل وفق أجندة خارجية أمريكية واضحة وبهدف واضح وهو نزع سلاح المقاومة العراقية لإضعاف القدرة الدفاعية للعراق.
عموماً لا يمكننا فصل النزاع وحالة عدم الاستقرار في الساحة العراقية عن باقي الساحات التي تشهد نزاعات مختلفة في المنطقة وخصوصاً تلك الدول المحسوبة على محور المقاومة.
فلم تكن الساحة السورية هي الأخرى بمعزل عن هذا المشروع الاستيطاني والشيطاني والتي لعبت فيها أمريكادور البريئ حيناً والمغفل تارة أخرى في حين أنها المحرك لكل ويلات وثورات ما اسمته “الربيع العربي”.
فالحرب التي قامت ضد سوريا على مدى أكثر من عشرة سنوات ذاقت فيها سوريا حكومةَ وجيشاً وشعباً أقسى الظروف وأثارت تداعيات هذه الحرب على كل دول الجوار والمنطقة برمتها.
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم بأنه من المستفيد اليوم من تأجيج الوضع في بغداد وخلق الصراع في ساحته الرحبة، وعواصم عربية أخرى كلبنان وسوريا ؟!
وما هي الجهات التي يمكن أن يكون لها مصلحة في تدمير الأمة العربية وتفكيك أواصرها ؟
كثير من المحللين السياسيين ينظرون للصراع في العراق على أنه بين قوى خارجية، وشعب محتل.
وما لدور مركزية القضية العراقية اليوم في أفق السياسة الدولية والتي مازالت تخفي الكثير من أجندة الصراع بين قوى أوروبية وأميركية على مسألة التفرد في صياغة مستقبل العراق، وبالتالي التفرد في صياغة مستقبل المنطقة.
دور الإعلام في تأجيج الصراعات في المنطقة..
ومن الجدير بالذكر اليوم أن الإعلام سلاح فعال في توجيه الرأي العام، وقد لعب الإعلام العربي دوراً مهماً في تأجيج الساحة العراقية
وكان لدى الإعلام العربي بشكل عام اليد الطولى لإقناع الجماهير العربية بخريطة سياسية مرسومة أمريكياً فمن يرضخ لأميركا يكون حكومة وطنية من حقها الحفاظ على السلم الأهلي و اعتقال المخربين، أما إذا مانعَ الإرادة الأمريكية يصبح المخربون ثواراً من أجل الحرية ويصبح الحاكم دكتاتورا ! والحقيقة أن المشهد واحد.
إن المشكلة الحقيقية هي الاقصاء السياسي فلو كان حكام العرب منصفين لمعارضيهم و سحبوهم إلى طاولة التفاوض لفوتوا الفرصة على المستعمر و لفضحوا العملاء الذين لن يرضوا بالشراكة السياسية خصوصاً وأن أعدادهم غالباً أقل بكثير مما يروجه الإعلام.
فليس ثمة مستفيد من إخراج المنطقة العربية من الساحة السياسية والدولية إلا طرف أساسي في هذه اللعبة وهي أميركا وحماية مشروعها الذي بات يعاني من اضطرابات كثيرة.
وقد تجلت ممارسات المشروع الصهيو أميركي بارزةً للعيان في المنطقة العربية عموماً والساحة العراقية خصوصاً من خلال نشاطات التخريب والتدمير وعمليات تصفية واغتيال النخب الوطنية والقادات والابتزاز متواصل للشعب العراقي
ومنذ أن أصبحت هذه المنطقة قبلة العالم الصناعية ومنذ أن أصبح نفطها وموقعها الاستراتيجي والمشروع الصهيوني المتمركز في خاصرتها والخانق لتقدمها وتطورها ونحن لازلنا نشهد تعطيلاً غير مسبوق لنمو العراق واستقراره.
فمن الدروشة السياسية أن تُصدَّق الأقوال ولا يُنظَر إلى الأفعال، فلو تمت متابعة الأداء السياسي خلال ما يقارب عقدين من الزمن (٢٠٠٣ – ٢٠٢٢) لما دُعمَت هذه القوى السياسية الفاشلة و البائسة و التي لا تجيد سوى ركوب الأمواج بدون رؤيا واعية وبصيرة صادقة.