قالو في حب الوطن :
“جميل أن يموت الإنسان من أجل وطنه ، ولكن الأجمل أن يحيى من أجل هذا الوطن”
يرغب الكثير من شباب منطقتنا هذه الأيام بمغادرة أوطانهم، فيسابقون الزمان قبل المكان، ويطمح أحدهم بوضع أول حجر أساس في حياته ومستقبله، مدفوعاً نحو متطلبات الحياة للاستقرار، باحثاً عن الأمن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، لتصبح تلك الهجرة ليست طريقاً معبداً، فهي هجرٌ لأشكال الحياة الموروثة، والمبادئ والمعتقدات، والأهل والأرض لتصبح نبذٌ للحدود الجغرافية والقطيعة مع الأعراف السائدة.
فيسعى المهاجر للتوسع في جغرافيا الروح قبل الأرض، متطلعاً إلى حياة أفضل، خارج دينه وثقافته ووطنه ، منفتحاً نحو العلمانية المقنعة بالحداثة بلا ضوابط فطرية.
دوافع الهجرة عند الشباب
وعند هذا نجد سؤالاً يطرح نفسه، لماذا يداعب حلم الهجرة عقول الشباب آخذاً بهم خارج بلدانهم ؟!
إنه وفي ظل الظروف الصعبة التي يعيشها العالم العربي من حروب وفقر وتهجير ، تأتي الهجرة كحل لمشاكل الشعوب القابعة تحت خطوط الفقر والعنف، فيدفعهم ذلك إلى البحث عن دول ذات إمكانات اقتصادية أعلى ومستوى معيشي مرتفع.
ويمكن إجمال هجرة الشباب العربي في عوامل أساسية وهي:
- الزيادة السكانية الكبيرة، والبطالة الناشئة عن تداعي الاقتصاد العام، والتي طالت مختلف الشرائح الشبابية ومن أعمار مختلفة، ثم الحالة النفسية وحالات الاكتئاب والضغط النفسي التي أصبحت تسيطر على فئة للشباب.
- عدم وجود فرص عمل كافية لاستيعاب الطاقات الشبابية وتحمسهم للعمل
- الحروب والنزاعات العسكرية والسياسات الاقتصادية في البلدان العربية، وعدم الاهتمام بالشباب في بلدانهم والتي تعتبر أهم الأسباب التي أدت إلى الهجرة غير الشرعية المتفاقمة بين شباب الوطن العربي اليوم.
- رفع سقف القبول بالجامعات الوطنية، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الأساسية بشكل جنوني لافت.
- الازدهار الاقتصادي السريع بين بعض الأسر التي هاجر أحد أفرادها، و الانبهار بالحياة الغربية والحريات المتوفرة فيها والتي تلبي طموحات الشباب المتحمس، بأسلوب حياتها ومعيشة سكانها والتي تضخمها بعيداً عن أثمانها الباهظة.
وإن أخطر أنواع الهجرة اليوم وأمس هي هجرة العقول أو الأدمغة أو أصحاب الشهادات العليا ،فهؤلاء أوطانهم لم توفر لهم مجالات تتناسب ومستوى ما يحملونه من شهادات سواء حصلوا على هذه الشهادات في بلدانهم أو من الخارج، وكذلك قلة مجالات البحث العلمي لحاملي الشهادات والكفاءات ، وتدني الأجور في بلادهم مقارنة مع الخارج حيث الرواتب العالية والدول المتبنية لمثل هذه المهارات مع عدم مراعاة المهارة والموهبة في بلدانهم الأصلية.
فالبلدان المتقدمة غالبا ما تقدم وتؤمن للعقول حياة ومستوى معيشة لائق تجعل المهاجر منصب على تنمية علمه وخبراته وقدراته مما يساهم في تطور البلد الذي هاجر إليه.
ولكن بدأ اليوم تيار الهجرة بالتقلص بشكل ملفت اليوم، وخاصة بعد القيود التي فرضها الغرب وإصدار الأوربيين لما سمي بـ (الورقة الخضراء) التي ترسم السياسة الأوربية العامة فيما يتعلق بالهجرة من الدول النامية، والتي تنص على عقلانية الهجرة، أي الاعتماد على الهجرة الشرعية لتلبي وحدها متطلبات التنمية الأوربية وسد حاجات سوق العمل الأوربي، على أن يكون المهاجرون المعتمدون من أصحاب الأدمغة والكفاءات وممن هم أكثر دراية وتأهيلاً في مجالات العمل المختلفة.
وقد أشارت التقارير إلى أن الهجرة تنتشر بشكل خاص بين شباب الوطن العربي بين من أعمارهم ما بين (12- 24) سنة.
نتائج الهجرة السلبية على البلد المرسل
ونتساءل هنا ما هي نتائج هذه الهجرة على الصعيدين الداخلي والخارجي على بلدانهم وعلى المنطقة العربية عموماً؟
- إحداث نقص في القوى العاملة في الأنشطة المهمة للبلد المرسل، (أطباء، مهندسون ، مهنيون محترفون ).
- زيادة الفجوة الصناعية والتكنولوجية بين الدول النامية والدول المتقدمة، لان تركيز رأس المال في الاقتصاد الأكثر تقدماً يساهم في زيادة التقدم والتطور هناك.
- إن هجرة العقول تجعل الدولة تخسر العائدات الاقتصادية المحتملة من مشاريع وأعمال وإنتاج هؤلاء الأشخاص.
- تراجع مستوى التعليم وحصول خلل في العملية التعليمية، وتعين أشخاص غير أكفاء للتعليم.
- تراجع الاقتصاد بسبب النزوح الجماعي والفقر ورغبة الأفراد بالمغادرة بدل البقاء.
- نتيجة هجرة الشباب المبدعين تفقد البلد الأفكار المبتكرة، لتبقى المؤسسات والشركات يحكمها كبار السن مما يؤدي إلى جمود هذه المؤسسات.
- خسارة استثمار الدولة في التعليم، وخصوصا تلك الدولة التي تؤمن التعليم المجاني لطلابها، فيسافرون للخارج لإتمام تعليمهم، ويبقون هناك.
الهوية مقابل المال، خطر الهجرة على الانتماء
فالهجرة سبباً في فقدان الهوية والقيم وفقد الانتماء للبلد، وذلك بسبب عدم التمسك بالتربية والأخلاق والدين وتداخل الثقافات.
فعلى المجتمع أن يسارع باتخاذ الإجراءات والخطوات التي تساهم في تعزيز الانتماء في نفوس الناس، وجعلهم يقدرون المكان الذي يوجدون فيه.
إن تعزيز فكرة الانتماء يقع بشكل أكبر على عاتق المؤسسات الثقافية والتربوية المختلفة في المجتمع، كالمدارس، والجامعات، ودور العبادة، والإعلام، وأهم المؤثرين من بين هؤلاء هي الأسرة.
ومن صور تعزيز هذا المفهوم ذكر الأمثلة من السلف الصالح وذكر الرموز الوطنية والدينية في حبهم وانتمائهم للوطن، ومتابعة ما يتفاعل معه أبنائنا في مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام.
وفي السياق نفسه على المجتمع أن يعمل على تعزيز الثقافة العربية والوطنية في أبناء الجيل والتأكد من أن الثقافة الأجنبية لا تزعزع انتمائهم للوطن.
طرق الحد من الهجرة
ومن ضمن طرق الحلول للعمل على الحد من الهجرة التي يجب على الدولة اتخاذها:
الاستقرار الوضع السياسي والذي يعتبر أحد أهم العوامل التي تجعل الأفراد يفكرون بالبقاء في بلدانهم والعمل على النهوض به.
اتخاذ خطوات لتحفيز النشاط الاقتصادي، وتشجيع الاستثمار في القطاعات المختلفة، مما يؤدي إلى زيادة فرص العمل وتقليل نسبة البطالة.
تحقيق التنمية المستدامة من خلال الاستثمار في التعليم والبحث العلمي للوصول إلى المستويات المتقدمة.
ربط التعليم بسوق العمل، فهناك فجوة بين الخريجين وسوق العمل، ومن المهم أن تعمل الدولة على ردمها، من خلال توجيه الأفراد للدراسة في الفروع التي تحتاجها الدولة، وأن يكون التعليم له طابع علمي بحيث يكون الخريج قادر على العمل بمجرد إنهاء دراسته الجامعية.
لاشك أن المهاجرين الشباب سرعان ما يألفون أجواء الحرية السائدة في الغرب بعيداً عما هو سائد في بلدانهم من كبت وفساد، وسرعان ما يدركون أن عملهم في بلد المهجر يندرج ضمن مساهماتهم في رفع مستوى المعيشة لأهاليهم بشكل خاص وفي بلدانهم بشكل عام، لما يرسلونه من أموال إلى أهلهم وذويهم حيث ترتفع العمائر وتزدهر البلدان.
بالإضافة إلى التخفيف عن كاهل دولهم عبء وفير العمل لهذا السيل المتدفق من الطاقات الشبابية الطامحة إلى العمل والتطلع نحو بناء حياتها ومستقبلها.
يتوجب العمل المجتمع على العمل انتفاء مسببات الهجرة، وترسيخ دعائم اقتصاد متين منفتح، من خلال الاستفادة من طاقاتها الشبابية وفتح مجالات العمل أمام الشباب واحتضانهم بكل أريحية وحرية والعمل على تشغيلهم والاستخدام الأمثل لهم، أي بما معناه الانفتاح على الحريات الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، حتى يمكن تفجير طاقات الشباب الإبداعية، والاستفادة منهم في بناء أوطانهم العربية والتي هي بأمس الحاجة إليهم.