في ظلّ اشتعال حرب الاتهامات داخل الكيان على الصعيدين السياسي والعسكري؛ أصبح الكيان الصهيوني على حافة الهاوية ما بين وصول عدوانه على غزة لأفق مسدود وانعدام الخيارات أمامه للخروج من النفق المظلم، واستمرار التظاهرات المطالبة بإسقاط حكومة “بنيامين نتنياهو” واليمين المتطرف، وما بين الرعب الحقيقي الذي بثته دول محور المقاومة في قلوب داعميهم من الغرب وأمريكا.
وفي هذا السياق تحدث المؤرخ الإسرائيلي “إيلان بابيه” خلال ندوة عُقدت السبت الماضي في “حيفا” المحتلة تحت عنوان “بداية نهاية المشروع الصهيوني” محذّراً من قرب انهيار هذا المشروع.
حيث أوضح “بابيه” أن التطورات المتلاحقة في المنطقة، بشكل عام، وداخل الكيان الإسرائيلي بشكل خاص، تؤكد كلها انهيار الاستراتيجية الصهيونية ودخول الكيان حالة من الفوضى والانهيار على جميع المستويات، مشيراً إلى أن بداية نهاية هذا المشروع قد تستغرق بعض الوقت، لكنها ستحصل عاجلاً أم آجلاُ.
وقد تحدث عن خمسة مؤشرات تعزز هذه الفرضية:
-المؤشر الأول: يتمثل في الحرب الأهلية التي تعصف بـ الكيان حتى قبل السابع من تشرين الأول الماضي، بين المعسكر العلماني والمعسكر المتدين في المجتمع اليهودي داخل “إسرائيل”، موضحاً أن المعسكر العلماني، ومعظمه يهودي أوروبي، يسعى إلى حياة ليبرالية مفتوحة، لكنه لا يخفي استعداده لمواصلة قمع الفلسطينيين، وإن كان على استعداد للتخلي عن أجزاء من الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، فيما يسعى المعسكر المتطرف الذي نشأ في المستوطنات المقامة في الضفة الغربية، إلى إقامة “دولة يهودا”، ويطمح إلى تحويل الكيان إلى دولة دينية يهودية عنصرية، وهذا كفيل بإشعال حروب طويلة بين المعسكرين في المستقبل.
-المؤشر الثاني: هو الدعم غير المسبوق الذي تحظى به القضية الفلسطينية في العالم واستعداد معظم المشاركين في حركة التضامن لتبني النموذج المناهض للفصل العنصري الذي ساعد في إسقاط النظام العنصري في جنوب إفريقيا، وهنا تجدر الإشارة إلى النشاط الذي تقوده حركة مقاطعة “إسرائيل (BDS)” ودعوتها إلى سحب الاستثمارات من الكيان، يضاف إلى ذلك، توجه المنظمات غير الحكومية في العالم لتأطير “إسرائيل” باعتبارها كيان فصل عنصري ما يشير إلى مرحلة جديدة يتحول فيها الضغط من المجتمع إلى الحكومات.
-المؤشر الثالث: يتمثل بالعامل الاقتصادي في الكيان، حيث يتضح حجم وخطورة التمايز الطبقي، وتوجد أعلى فجوة بين من يملك ومن لا يملك، وهناك وضع لا يستطيع فيه أي شخص شراء منزل، يضاف إلى ذلك أن عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر، يتزايد سنوياً، ورغم الإنفاق الضخم على الحرب في غزة والدعم الكبير الذي تقدمه الولايات المتحدة، هناك رؤية قاتمة لمستقبل المناعة الاقتصادية للكيان.
-المؤشر الرابع: يتمثل بعدم قدرة الجيش الإسرائيلي على حماية المستوطنين في الجنوب والشمال، فاليوم هناك 120 ألف مستوطن في الشمال تحولوا إلى لاجئين، أضف إلى ذلك فشل الحكومة في توفير المساعدة لعائلات القتلى والجرحى.
-المؤشر الخامس: يرتبط بموقف الجيل الجديد من اليهود، وخاصة في الولايات المتحدة الأميركية، والذي يعتبر أكثر جرأة على انتقاد الكيان ويرفض مقولات معاداة السامية، وينشط عدد غير قليل منهم في حركات التضامن مع الفلسطينيين.
إن كل هذه المؤشرات كفيلة بأن تجزّ عنق الكيان الذي بدأ بنزيف شريانه بالبحر وتقليص قدرته في الحدود اللبنانية الفلسطينية، وضعف داعميه حول العالم.