بينما غزة تعاني وتعيش مأساة لم ترى فيها أي نوعاً من الرحمة؛ كانت بعض الدول التي يفترض أن تكون شقيقة لفلسطين بألمها ونزيفها، تتخذ القضية الفلسطينية مجرد قضية سياسية تقال على المنابر والأشطر من يندد ويستنكر بصوت أعلى وكأن أبناءها مجرد أرقام تعلن على شاشات التلفزة، ذلك لتقنع العالم بعروبتها وموقفها الإنساني الكاذب مع غزة، وفي الحقيقة فإن ما يهمهم هو مجرد مصالح مع الكيان لا يستطيعون ضربه من أجل تحقيقها.
السعودية ومسيرة التطبيع الصهيوني
وفي هذا السياق نشر موقع “المجلس الروسي للشؤون الدولية” مقالاً قال فيه: إن “العملية العسكرية الشاملة للعدوان الصهيوني على غزة، تمثل تحدياً حقيقياً لآمال توسيع اتفاقيات أبراهام، وهي سلسلة من اتفاقات تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين الكيان اليهودي وبعض الدول التي تظن نفسها عربية، موضحاً أن المرشح الذي كان الأقرب للانضمام إلى هذه الاتفاقيات قبل اندلاع العدوان على غزة هو السعودية، التي كانت مدفوعة بالإدارة الأمريكية التي لعبت دور الداعم والضامن خلال هذا المسار.
وأضاف أن السعودية أظهرت خلال السنوات الماضية رغبة في توسيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي في مجالات التجارة والأمن، وجدت نفسها مضطرة لتحسب حسابا للرأي العام داخل المملكة وتعدل توجهاتها.
ففي الأشهر الماضية قال ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”، أن السعودية تقترب من تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، واصفاً المحادثات الهادفة إلى إقامة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية والكيان بأنها: “تقترب أكثر كل يوم”.
وذكر أن أشهر من الصراع المسلح في قطاع غزة أظهرت أن بعض الدول العربية التي لديها علاقات متطورة أو لا تزال في مرحلة الاتصالات مع كيان الاحتلال تعمل على تجنب فتح جبهات جديدة تؤثر على مصالحها، كما تعمل على كبح رغبات المنتمين لما يسمى محور المقاومة، وهو ما رفع من مستوى المخاطر العسكرية على الكيان وحلفائه الغربيين”.
ما الجدوى من التطبيع؟
أشار الموقع إلى أن المؤسسة الرسمية السعودية على غرار بقية الدول العربية، تنتقد ممارسات الجيش الإسرائيلي في غزة، وتعتبر إنشاء دولة فلسطينية شرطاً أساسياً للانضمام لاتفاقيات التطبيع، إلا أن ممثلي الكيان يرفضون هذا السيناريو برمته، وهو ما يطرح تساؤلات حول جدوى المواصلة في طريق التطبيع، ولكن رغم كل هذه الحسابات فإن العملية العسكرية في غزة لم تؤد إلى قطيعة كاملة بين الكيان والسعودية.
بدورها قالت كاتبة في “الغارديان”: أن “التصعيد الإقليمي في الشرق الأوسط أصبح أمراً واقعاً أما بالنسبة للموقف السعودي، فإن ولي العهد محمد بن سلمان عبر عن تضامنه مع غزة، مندداً بالعدوان الإسرائيلي ومطالباً المجتمع الدولي بفرض حظر أسلحة على الكيان”.
ولكن أي تضامن وأي تنديد تمثّله السعودية مع فلسطين ومازالت متمسكة بقراراتها التطبيعية مع الكيان! هل حقاً تعتقد نفسها أنها تفعل شيء من أجل غزة وأبناء فلسطين بترّهات لا تقدم وتؤخر! ألا يمكن قطعها العلاقات الصهيونية بشكل كلي مع الكيان تصنع شيئاً من أجل فلسطين؟ فها هي اليمن بنقطة أبعد وبحجم جغرافي أصغر إلا أنها أثبتت بأنه من أجل القضية ستفعل المستحيل، واستطاعت بحق أن تشلّ الاقتصاد الصهيوني وتشوّش الغرب.
تضامن بنكهة اعتراض صواريخ
ولكن ما فعلته السعودية وأثبت موقفها الكاذب بشأن القضية أنها حاولت الوقوف بوجه اليمن بدلاً من مساعدتها ودعمها فقد أشار الموقع إلى أن الدفاعات الجوية السعودية استخدمت لاعتراض الصواريخ البالستية التي يتم إطلاقها من اليمن باتجاه الكيان، ولذلك يرى الخبير ومدير مركز القوة العسكرية والسياسية في المؤسسة الأمريكية للدفاع عن الديمقراطيات “برادلي بومان” أن الرياض بشكل مقصود أو غير مقصود ساعدت الكيان وأظهرت أهمية المصالح المشتركة بينها وبين الكيان، وهو ما يزيد من آمال انضمام المملكة إلى اتفاقيات أبراهام.
وبعين لا يمكن وصفها إلا بالوقحة قال وزير الخارجية السعودي في محاولة لتعويم فكرة التطبيع ك حل وحيد لمعاناة الفلسطينيين وإظهار النظام السعودي المطبع مع الكيان والمروج لفكرة التطبيع على أنه المنقذ للقضية الفلسطينية: “سبيل الوحيد للتطبيع مع “إسرائيل” هو الاستقرار الإقليمي وحل القضية الفلسطينية”.
إذاً فالسعودية تريد حلّاً للقضية الفلسطينية ليس من أجل القضية وليس من أجل الشعب الفلسطيني، ولا تخفيفاً لآلام غزة، بل من أجل تطبيع صهيوني خالٍ من الفوضى والتوتر، فقد فضحت السعودية نفسها بشكل صارخ أنّ مصالحها هي الأهم، والآن نستطيع أن نقول: “انكشفت مسرحياتكم يا عربان صهيون، اعتقوا المنابر فصوت الكذب أصبح أعلى من صوت التنديد بممارسات صديقكم المقرب”.
دماء شعب نخب اتفاق صهيوني
وإذا كانت السعودية وقفت ونددت كذباً عدوان الكيان واستمرت علناً بتطبيعها معه فإن دويلة البحرين التي تكاد لا ترى وصوتها لا يسمع نراها منخرطة بشكل تام في اتفاقيات أبراهام، فهي لم تكتف بالانضمام إلى التحالف الدولي “حارس الازدهار” الذي أسسته الولايات المتحدة لحماية الملاحة البحرية في البحر الأسود، بل إنها قدمت أيضاً دعماً للقوات الأمريكية والبريطانية للاعتداء بالقصف على المواقع التابعة للمقاومة اليمنية.
ولكن ماذا تريد البحرين وما أهدافها؟ هل تظن أن بانضمامها للغرب قد يصبح لها سيطاً متيمنةً بالمثل القائل “سيط غنى ولا سيط فقر”؟! لكنها لم تأخذ سيطاً بالمال ولا بالتطور والتحديث، بل ذاع سيطها بالدويلة الخائنة المطبعة مع الكيان ضد قضية إنسانية لم ولن تعرفها البحرين أبداً.
وبعد هذا فإنّ القضية الفلسطينية تعيش بين خيانة عربية على طاولات التطبيع كان نخب اتفاقها دماء أبناء فلسطين، وبين مصالح غربية ترى في خراب فلسطين خلاصاً من وصول الكيان إلى دولهم، وبين دول المحور التي تبذل كل طاقاتها لمواجهة خيانة بعض العرب ومواجهة الغرب بعدتها وعتادها.