بدأت القصة منذ أكثر من عشرة أيام حينما أعلن البنتاغون الأمريكي اختفاء جنديان أمريكيان في لجة البحر الأحمر.
وبحسب ما أعلنت عنه صحيفة “واشنطن بوست” فإن الجنديان كانا في مهمة البحث عن شحنة أسلحة إيرانية متجهة إلى اليمن، وبالرغم من تزامن حادثة اختفاء الجنديان الأمريكيان مع العدوان الأمريكي على البحر الأحمر إلا أن رئيس وكالة الأنباء اليمنية سبأ “نصر الدين عامر” صرح بأن أنصار الله لا يعلمون بشأن عملية الاختطاف هذه.
لكن الأهم هو الجزء الثاني من كلام “نصرالدين عامر” حيث أشار إلى وجود تخبط واضح لدى الأمريكان وأضاف: “هناك تفكك لهذا التحالف وهناك عمليات منفردة لهذا التحالف ولا ندري ما الذي يحصل لمثل هذه الحالة من التخبط نتيجة هذا التحالف الفاشل منذ اللحظة الأولى”.
إلى أن انتهت قصة الجنديان تلك بإعلان القيادة المركزية الأمريكية “سنتاكوم”، يوم أمس الاثنين، أنها لم تتمكن من تحديد مكان جنديي البحرية الأمريكية المفقودين أثناء التصدي لقارب أسلحة إيراني قبالة سواحل الصومال، بعد بحث شامل استمر 10 أيام، مبينةً أنه تم تغيير وضعهما إلى “متوفين”.
تلك الظروف الغامضة التي اختفى فيها جنديان عسكريان يتبعان لرأس هرم السلطة العالمية الولايات المتحدة الأمريكية في سواحل البحر الأحمر يضع الكثير من إشارات الاستفهام على مستقبل تلك السلطة في قيادة العالم ويبشر بتصاعد قوة إقليمية جديدة في المنطقة تضاف إلى بنك إنجازات قوى التحرر المستضعفة في الشرق الأوسط بعد التغلب على معظم مشاريع الهيمنة الأمريكية على بلدانهم.
وبينما تصرّح الإدارة الأمريكية بجنديان إلا أن حجم المجهول أكبر من أي تصريح حيث كشف المستشار الإعلامي ورئيس مركز وموقع هنا عدن للدراسات الاستراتيجية “أنيس منصور” في تغريدة له على منصة X أنه وحتى الآن أربعة جنود أمريكان لقوا مصرعهم في البحر الأحمر، والأنباء أنه تم العثور على جثة أحدهم رمى بها البحر في مناطق سواحل مناطق الصبيحة لحج.
ليذكرنا هذا الاختفاء بمثلث برمودا بمساحته الشاسعة الممتدة من المحيط الأطلسي بمحاذاة الساحل الجنوبي الشرقي من الولايات المتحدة حيث غرقت فيه سفن ولم يُعثر لها على أثر، واختفت طائرات من شاشات الرادار، وقيل إن فرق إنقاذ بأكملها غرقت في المحيط أثناء تحليقها فوق هذا المثلث.
اليمن مغلوب ينتصر
ما قصة اليمن وكيف تحول من بلد أثار شفقة “انجلينا جولي” في زيارة لها للاطلاع على حجم المأساة التي خلفتها الحرب السعودية الأمريكية ضده إلى لاعب إقليمي جديد يتحكم بأكبر شريان مائي للتجارة العالمية في المنطقة؟
هذا المستقبل اليمني لم يكن غائبا عن الحسابات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، فمنذ وصول أنصار الله إلى السلطة توجست الإدارة الأمريكية من كابوس استيقاظ الحلم اليمني ووصوله إلى عرش مياه البحر الأحمر وإجبار الهيمنة الأمريكية في تلك المنطقة على الركوع أمام إرادته.
ومن أجل ذلك كله افتعلت أمريكا بالتعاون مع السعودية ودول الخليج حربها المفتوحة على اليمن.
لم تكن تلك الحرب منفصلة عن جملة المشروع الأمريكي في إطباق القبضة الفولاذية على الشرق الأوسط من خلال الحرب على سوريا والعراق، الامر الذي استدعا أن يكون اليمن جزءاً من تحالف نشأ بغية الدفاع عن نفسه ضد هذا المشروع والذي ضمّ سوريا والعراق ولبنان واليمن وإيران وغزة وهو يعرف بأكبر وأمتن تحالف في الشرق الأوسط يسمى ب “محور المقاومة”.
وبالفعل استيقظ الحلم اليمني وانتفض على وقع صرخات أطفال غزة فأطبق حصاراً بحرياً على إسرائيل هو الأول من نوعه على خلفية اندلاع معركة طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول الماضي.
يقول الكاتب الأيرلندي “فيليب بيلكنجتون” أن الحوثيين غيّروا القواعد التاريخية في حصارهم البحري الذي فرضوه على السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، ذلك لأن عملية بحجم الحصار البحري يحتاج إلى عدد كبير من القوات البحرية والقوات والفرق التي تجوب الأعماق وبالتالي ميزانية ضخمة مخصصة لسلاح البحرية أما اليمنيون فقد فرضوا حصارهم البحري على إسرائيل بأقل التكاليف وبطرق وتقنيات جديدة.
المناحة الأمريكية الجديدة على مسرح الميديا العالمي!
بعدما شعرت أمريكا بمخاطر تحكم اليمنيين في منطقة البحر الأحمر على مصالحها وهيمنتها في المنطقة بدأت بمواجهة عسكرية شفعتها برواية إعلامية تؤجج فيها مخاوف العالم من الخطر اليمني على التجارة العالمية من أجل كسب التأييد والتحشيد العالمي في العدوان على اليمن.
تلك السياسة الأمريكية ليست غريبة فقد عرفت المناحة الأمريكية عبر الميديا كصوت البومة الذي يسبق أي حدث مشؤوم، فحين دخلت الدبابات الأمريكية بغداد كانت قد عبدت الطريق بتسويق فكرة تخليص العالم من أسلحة الدمار الشامل في العراق.
كذلك حين احتلت الأراضي السورية من أجل تخليص العالم من خطر داعش الذي تصنّع في مختبرات المشاريع الأمريكية، وكما في كل منطقة يطأها الجيش الأمريكي في العالم تسوق له الميديا الأمريكية لكسب الصمت العالمي.
هل ستنجح السردية الأمريكية في شيطنة اليمنيين؟!
تواجه الولايات المتحدة الأمريكية انتقادات جماهيرية واسعة بسبب دعمها لإسرائيل في معركة طوفان الأقصى.
وهذه الانتقادات هي الأعلى وتيرة في تاريخ المعارضة الشعبية الأوربية لسياسات أمريكا الخارجية
فقد وضع هتاف “من النهر إلى البحر” نائبة الكونغرس الديمقراطية عن ولاية ميتشيغن “رشيدة طليب” تحت الرقابة في إطار معاقبتها رسمياً بعد أن شاركت فيديو لمتظاهرين يهتفون “من النهر إلى البحر” متهمةً الرئيس الأمريكي “جو بايدن” بارتكابه إبادة جماعية في غزة.
كذلك، قطع طلاب محتجون غاضبون جلسة استماع للجنة العدل بمجلس النواب الأمريكي حول معاداة السامية في الجامعات الأمريكية، الشهر الماضي، ما اضطر رئيس اللجنة لإيقافها وإخراج المحتجين.
وأطلق المحتجون شعارات تطالب بوقف إطلاق النار في غزة، ونددوا بالدعم الأمريكي لإسرائيل، كما دعوا لحماية حرية التعبير في الجامعات الأمريكية وضمان الحق في توجيه انتقادات لإسرائيل.
وأيضاً، تظاهر أكثر من 2000 أمريكي أمام مقر بعثة بلادهم في الأمم المتحدة بنيويورك، للمطالبة بوقف إطلاق النار ورفع الحصار عن غزة، ورفع المحتجون الأعلام الفلسطينية ولافتات تطالب بوقف الدعم لإسرائيل وتدين قتل الأطفال والنساء.
فبذلك أسقطت معركة طوفان الأقصى غشاوة التضليل الإعلامي الغربي الذي كان يلمع صورة إسرائيل وأمريكا لدى الشعوب الغربية وباتت أخطاء سياسات أمريكا الخارجية أكبر من أن تغطيها أي عملية تجميل إعلامية.
كذلك فيما يتعلق باليمن بدأت الانتقادات الشعبية ترتفع وتيرتها على وقع كلمة لإعلامية غربية تفاجئ البرنامج الحواري على إحدى القنوات الأجنبية بترحيبها بعمليات الحوثيين في البحر الأحمر حتى إن تعطلت التجارة العالمية، قائلة: “لأن الأولوية الآن هي إيقاف المجازر في غزة”.
أما الرأي العام العربي فتشهد وسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي وبالأخص منصة X تأييداً شعبياً ضخماً لضربات أنصار الله على البواخر الأمريكية وفرضهم حصاراً بحرياً على إسرائيل يضغط عليها اقتصادياً وينتقم من عربدتها الإجرامية فوق سماء غزة.
حيث غرد أحد الناشطين على X “هل سيستخدم أنصار الله الصاروخ السوفيتي “Termit P-21؟؟ ، المدى الاقصى الصاروخ 80 كم سرعة تقترب من 1 ماك بتوجيه راداري، الرأس الحربي للصاروخ يبلغ نصف طن شديد الانفجار ويستطيع ان يلحق ضرر كبير بالهدف.
هذا الصاروخ هو نفسه الذي أغرق المدمرة الإسرائيلية ايلات من مسافة تزيد عن 30 كم في حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل”
بينما نشر أحد المهتمين بالملاحة البحرية الصور الأولى للسفينة زوغرافيا التي استهدفها اليمن بصاروخ باليستي مضاد للسفن في 16 يناير الماضي.
وهذا التعاطف الشعبي العالمي مع اليمن ينبئ بالكثير من المخاطر على صورة أمريكا في العالم وكذلك على مستقبل هيمنتها على هذا العالم.
وأهم تلك المخاطر هي اختفاء هيبة أمريكا في برمودا البحر الأحمر بعد فشلها في التغلب على القوة اليمنية الصاعدة من رماد معارك طاحنة دامت لسنوات.
ولسان العالم يقول إذا لم تستطع الإدارة الأمريكية العثور على جنديين في البحر الأحمر بكل ما تسخره من طاقات وإمكانات وقدرات وتكنولوجيا فهل ستكون قادرة فعلاً على حماية الدول أو العروش التي ربطت مصالحها ومصائرها بأمريكا؟!.