بقلم: سمر محمد عكو
على سجادة مخضّبة تفوح منها رائحة الدم مشى نجوم الفن في حفل Joy Awards بخطى باردة متثاقلة غير آبهين بما يحدث لإخوتهم من العرب في استعراض مشبوه يفترض أنه لا ينتمي لثقافة دولة تنفرد عن غيرها بمميزات إسلامية لم تراعي حرمتها يوماً ، الحفل المشبوه الذي ترعاه الهيئة العامة للترفيه في السعودية والمخصص لتوزيع جوائز صناع الترفيه يأتي ضمن فعاليات موسم الرياض السنوية والتي عزّ على راعيها “تركي آل شيخ” تأجيلها كُرمى لعيون أطفال غزة المذبوحين بسيوف نظام “بن سلمان” باعتباره من كبار ممولي الكيان الصهيوني.
لا تحتفل وفي دار جارك عزاء :
بينما غزة تواصل نزيفها غارقة في حمام الدم كانت السعودية تتراقص طرباً بانطلاق موسم الرياض الذي حشدت إليه كل مشاهير العالم ، موسمٌ أبطاله أمراء الترفيه الذين لا تعنيهم القضية الفلسطينية ولم يراعوا حرمة الدماء التي تسفك في غزة بل أصروا على إقامة موسم الفجور والانحراف ولم يرفّ لهم جفن بل إن مستشار ولي العهد السعودي ورئيس هيئة الترفيه “تركي آل شيخ” هاجم في منشور عبر صفحته على فيسبوك كل من دعا إلى تأجيل افتتاح موسم الرياض لتعارض فعالياته الراقصة مع الحزن المخيم على المنطقة لما يعانيه الفلسطينيون من شتى أنواع العذاب والآلام، حيث وصف “تركي آل شيخ” تلك المطالب “بالمسخرة” تحت بند أن الحياة يجب أن تستمر قائلاً : “لا أعرف متى تنتهي مسخرة استخدام اسم المملكة أو اسمي أو اسم موسم الرياض في أي شيء كشمّاعة لتحويل الأنظار عن حدث آخر، كما أضاف أنه مشغول بتطوير بلده ونهضتها، ليردّ عليه أحد المتفاعلين “هل التطور والنهضة تكون بحفلات راقصة وماجنة واصفاً ذلك بأنه استفزاز واضح للمجتمع العربي والإسلامي”.
أمراء شبه الجزيرة العربية ليس فقط تناسوا عادات العرب الأصيلة “لا تحتفل وفي دار جارك عزاء” وأغمضوا عيونهم عن الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني بل قاموا بقمع أي صوت يقف مع شعب فلسطين حيث منعت قوات النظام السعودي أي مظهر للتضامن مع غزة الجريحة بل وأكثر من ذلك خرج شيوخها بفتاوى تُحرّم إقامة المظاهرات تضامناً معها كان أبرزها ما خرج به الداعية السعودي “سليمان الرحيلي” مطالباً بعدم الخروج في مظاهرات لدعم غزة والاكتفاء بالدعاء لهم قائلاً في مقطع فيديو : أوصي نفسي وإخوتي بكثرة الدعاء لإخواننا في فلسطين فلا خير ولا نفع في مظاهرات في بلاد المسلمين يقع فيها ما لا يرضي الله من اجتماع الرجال والنساء وفي تخوين المسلمين لحكامهم وغير ذلك مما لا يجوز”.
دعوة “الرحيلي” أثارت غضباً عارماً على منصات التواصل الاجتماعي وجرى ربطها بموقف بلاده التي تمضي أو تقترب من التطبيع مع الكيان ، كما استغربوا تحريم المظاهرات الداعمة لغزة بينما لا تُحرّم حفلات الترفيه التي تُقام في موسم الرياض والتي يحدث فيها الاختلاط والفجور والتعري وشرب الخمور والتعاطي مشيرين إلى أن هذا يتبع لدين الولي السفيه وليس لدين الولي الحميد .
كما أن “الرحيلي” حرص في دعوته تلك على عدم تفتيح العيون على النظام الملكي الخائن لشرفه العربي والعميل للصهيونية انطلاقاً من أن الخارجين في مظاهرات لدعم غزة سيلقون اللوم على الحكام المقصرين بحق إخوتهم الفلسطينيين وهو ما لا يصب في مصلحة نظام آل سعود.
وهناك من قال أن عدداً من المشايخ شاركوا في حفلات السفور في موسم الرياض إرضاءً لولي الأمر كما أن هناك من شيوخ الرأي العام المُصدرون للإفتاء من شبّه المقاومة الفلسطينية بتنظيم داعش الإرهابي، هؤلاء المشايخ هم المرضيُّ عنهم في نظام “بن سلمان” أما المشايخ وعلماء الدين الإصلاحيين والمفكرين ممن ينتقدون الفساد فتُكم أفوههم ويعتقلون ثم يعدمون ويصنفون أنهم خونة.
وضمن نهج النظام السعودي في تحويل الأنظار عن غزة، اعتقلت قوات “بن سلمان” صيدلياً مصرياً مقيماً في السعودية على خلفية تعبيره عن رأيه عبر تغريدة على منصة X بعد كتابته عبارة “مفيش أي دم” تعليقاً على حفل افتتاح السعودية لكأس العالم للألعاب الإلكترونية تزامناً مع ما تتعرض له غزة من عدوانٍ غير مسبوق .
الجدير ذكره هنا أن فعاليات موسم الرياض التي كانت مقررة في 22 كانون الأول أجلت حزناً على وفاة أمير الكويت ، كما اعتذرت إحدى الفنانات اللبنانيات عن المشاركة في مهرجان “ميدل بيست” بعدما كان لها حفلٌ مقرر به ونتيجة لذلك تعرضت لانتقاداتٍ لاذعة بعدما رقصت على مجازر غزة لأسابيع طويلة دون أن يهتز لها ضمير ثم قررت التملق لأمير الكويت الراحل وإيقاف حفلها الغنائي تماشياً مع سياسة المملكة السعودية في إشغال الشعوب عن القضايا المصيرية مثل القضية الفلسطينية.
غزة لأسابيع طويلة دون أن يهتز لها ضمير ثم قررت التملق لأمير الكويت الراحل وإيقاف حفلها الغنائي تماشياً مع سياسة المملكة السعودية في إشغال الشعوب عن القضايا المصيرية مثل القضية الفلسطينية.
ولم يكتفِ النظام السعودي بهذا الدعم العلني للكيان بل إنه منع ارتداء او ظهور الكوفية الفلسطينية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي حيث حظر الأمن السعودي ظهور الكوفية أو توجيه أي رسالة دعم وتضامن مع غزة في الوقت ذاته تغافل فيه عن اللباس الفاحش والعري الفاضح للحضور وهنا يتساءل متابعون عما إذا كانت تلك الازدواجية المقصودة تسير تماشياً مع مصالح الصهيونية أم أنها مجرد ابتعاد عن مظاهر الحزن كي لا يتنغص حفلهم المشبوه ؟؟
الأجندة السعودية تعمل في الخفاء
الجواب هنا ..حيث كشفت أوساط المعارضة الصهيونية عن حملة تحريض من قبل نظام “بن سلمان” الذي جيّش لها الذباب الالكتروني عبر مركز اعتدال الحكومي وذلك بإنشاء حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي يتقمصون شخصيات من غزة الهدف منها مهاجمة المقاومة الفلسطينية وتحميلها مسؤولية القصف والدمار لتحريض الرأي العام ضد حركات المقاومة في سياسة لا تصب إلا في مصلحة الصهيونية.
وفي دعمٍ واضح للمنتجات التي تدعم الكيان الصهيوني خرج “تركي آل شيخ” في إعلان يروّج به لشركة “ماكدونالز” الشريك الرسمي في موسم الرياض 2023 والتي تبرعت لجنود الكيان الصهيوني بعشرات آلاف الوجبات ليتعرض بعدها لموجة انتقاداتٍ لاذعة لم تثنه عن إكمال ما بدأه أو تُغير من سياسته التطبيعية.
ناهيك عن الأجندة الإعلامية المجيّشة لخدمة التضليل الإعلامي وأبرزها قناة “العربية” الناطق الرسمي باسم السعودية فمن منا ينسى ما قاله مراسلها على الهواء مباشرة حين أخطأ و وصف الفلسطينيين بالشهداء ليأتيه تنبيه عبر سماعات البلوتوث ليتدارك خطأه قائلاً: “عفوا ضحايا” ، هذا العفو لن يراه مُصدّروا الفتنة والتحريض على قتل الفلسطينيين يوم يحاسب الناس على كل كلمة نطقوا بها فإلى ماذا يرمي النظام السعودي بعد كل هذا ؟ هل يحاول تبييض صورة الكيان لأهداف يسعى إليها ؟ أم أنها مقدمات للتطبيع المنتظر ؟؟
الانفتاح الصهيوسعودي ..
السعودية التي تتجه بخطى متسارعة نحو الانفتاح (طبعا الانفتاح الذي يتماشى مع سياستها) بدأت بتغيير الصورة النمطية المعروفة عنها من قطع يد السارق وتحريم قيادة المرأة للسيارة لأهدافٍ تدّعي أنها لتنشيط الاقتصاد والسياحة في المملكة بدءاً من سلسلة الحفلات التي ترعاها الهيئة العامة للترفيه وليس انتهاءً بافتتاح متاجر المشروبات الكحولية للدبلوماسيين غير المسلمين وكل ذلك هو جزءٌ من خطة أوسع تعرف باسم رؤية 2030 لبناء اقتصاد يبتعد عن الاعتماد على النفط أو ما يعرف بمشروع “نيوم” الذي أُعلن عن انطلاقه عام 2017 والذي اعتبره متابعون بأنه سيمهد للصهيونية أن تطأ أرض الحجاز لتكون معقلاً لليهود تحت مسميات الانفتاح ووصفوه بأنه مشروعٌ ماسوني بامتياز وأن كل ما يتم ضمن المملكة من أنشطة اقتصادية وسياحية وسياسية بل ودينية يتم تماشياً مع أحلام حاخامات اليهود.
ختاماً ..
تطفو على السطح بارقةُ أملٍ ربما تغير الواقع الممنهج الذي يسير عليه النظام السعودي فهناك من خرج ليُعلن عن عملية ولادة منتظرة لأقلياتٍ تحملُ الفكر المقاوم بعد مخاضٍ عسيرٍ تعرضت له، و رغم كل محاولات الوأد التي عاشتها سيعلو صوت هذه الأقليات قريباً ليطغى على أصوات القمع والتصهين ويحارب كل مظاهر الابتذال والفجور لتعود لأرض الحجاز مكانتها الدينية وينتصر الباطل على الحق تصديقاً لقوله تعالى ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾