لطالما أشاع الكيان حول العالم قدرته الاستخباراتية الفائقة، وكثيراً ما كذب على نفسه قبل غيره أنه يملك استخبارات لا مثيل لها على وجه الأرض، حتى بانت الحقيقة اليوم على أصولها على يد المقاومة، التي كسرت هيمنة الكيان وهيبته المزعومة.
فقد تعود الكيان بعملياته العسكرية على أجهزته الاستخباراتية، ذلك لجمع أكبر عدد من المعلومات الحساسة، وحسب ظنّها أن هذا يساعدها في تحقيق إنجازات عسكرية ميدانياً وعملياتياً، معتقدةً أنها بذلك تستطيع تغطية عارها بفشل 7 تشرين الأول.
مهمة مستحيلة واستخباراته تفشل…
وبحسب ما كشفه الكيان الصهيوني خلال حرب الطوفان فإن له أهداف عدة ضمن حرب الإبادة التي يقوم بها ضد أهالي غزة، أهمها القضاء على المقاومة الفلسطينية، واستعادة أسراهم وأكثرهم من ضباط وجنود الكيان، لذا كان أمام أجهزة الاستخبارات مهمة مستحيلة، ألا وهي وصولهم إلى مكان الأسرى المحتجزين.
واعتقد الكيان أن الوصول للأسرى مشروط بالوصول إلى قادة المقاومة، إضافة إلى وصوله إلى عناصرها الفاعلين وورش تصنيع وتخزين السلاح، والممرات المؤدية إليها سواء كانت تحت الأرض أو فوقها، مع مهمة أخرى بالغة الدقة والحساسية، وهي معرفة أو توقّع خطط الدفاع التي تعمل من خلالها المقاومة، إضافة إلى إمكانياتها التسليحية التي يمكن أن تُستخدم في تلك الخطط.
ومن هنا قرر أن يفعّل جميع أجهزته وأدواته الاستخباراتية من جواسيس الأرض إلى الجواسيس الإلكترونية، وصولاً إلى جواسيس السماء المعلّقة بالمسيّرات والأقمار الصناعية العسكرية، ولأن الكيان يحتاج لذراع آخر يعمل معه، كان لابد من وجود جهد استخباراتي أميركي وبريطاني وألماني، والذي تم الإعلان عنه بشكل رسمي من تلك الدول.
إلا أنّ أجهزة الكيان وأجهزة الغرب الداعمة له تلقّت فشلاً ذريعاً، حيث نجحت فقط بأقل من 5% من عملياتها، وهي نسبة كارثية على الكيان، فهذا جاء من خلال إبطال المقاومة لمعظم مكائد الكيان، وإفشال النسبة الأكبر من عملياته الاستخبارية المعقّدة، وتدارك ما نجح فيه من عمليات محدودة في بداية الحرب، ووضع الحلول المناسبة والجوهرية في تلافي المزيد منها من خلال المزيد من الإجراءات، والعديد من الخطوات.
الشاباك يقع بشباك المقاومة..
وقد عانت الاستخبارات البشرية التابعة للكيان من مشكلات كثيرة؛ والتي تعدّ نقطة قوة وثِقل في ميدان الجهد الاستخباري، لا سيما جهاز الأمن الداخلي “الشاباك”؛ الذي يتولى الإشراف على العملاء والجواسيس ومتابعتهم على الأرض، والذي عانى فيما يتعلّق بالنقص الكبير في عدد “المخبرين” الذين يزوّدونه بالمعلومات من الميدان.
وهذا الأمر كان نتيجة تراكمية لعمليات الملاحقة والاعتقال التي قامت بها أجهزة أمن المقاومة خلال السنوات الماضية، وما كانت تقوم به من حملات للتوبة أثمرت نتائج مبهرة وحاسمة، وأدّت إلى تناقص عددهم بشكل لافت وملحوظ.
وخلال حرب الطوفان عمدت المقاومة إلى فرض رقابة صارمة على من تحوم حولهم شبهات أمنية، وإلى الحدّ قدر الإمكان من تحركاتهم، خصوصاً في مناطق العمليات، أو بالقرب من بعض المواقع والمنشآت التي تحظى بأهمية بالغة، وفي كثير من الأحيان تم اعتقال عدد منهم وإخضاعهم للتحقيق الميداني، والذي تم الكشف من خلاله عن معلومات مهمة أدت إلى إفشال مهمات كان ينوي العدو القيام بها.
لا شيء يمنع المقاومة عن مقاومتها…
وبالنسبة للتجسس الإلكتروني فقد عمدت المقاومة إلى إيقاف كل وسائل الاتصال السلكي واللاسلكي والإلكتروني، ومنعت بشكل حاسم كل عناصرها وكوادرها من استخدام أي وسيلة اتصال علنية حتى لو كانت مشفّرة، إذ إن التجارب السابقة كشفت أن لدى استخبارات العدو أجهزة وإمكانيات تمكّنها من فك تشفير الكثير من الرسائل والبرقيات، وحتى بعض الأجهزة التي استخدمتها المقاومة في أوقات سابقة، وكان يُعتقد أنها آمنة وغير قابلة للاختراق، تبيّن أن بإمكان العدو التجسس عليها، والاستفادة من المعلومات التي تُنقل من خلالها.
وقد اعتمدت المقاومة على شبكة اتصالاتها الخاصة، والتي أمّنت لها بشكل فاعل تواصلاً شبه دائم بين جميع تشكيلاتها، لا سيما بين غرف العمليات، وبين المجموعات المقاتلة في الميدان، وتحديداً تلك التي كانت ترابط في الأنفاق، وكان منوطاً بها جزء مهم من الخطة الدفاعية للمقاومة، والتي تحوّلت في كثير من الأوقات إلى عمليات هجومية، أدّت إلى سقوط العدد الأكبر من الخسائر في صفوف القوات الصهيونية.
حيث استعانت المقاومة بإحدى أقدم وسائل التواصل وتبادل المعلومات من خلال ” الرسل البشرية “، إذ قامت قيادة المقاومة بتلقّي تحديثات الميدان التي كانت تجمعها وحدات الرصد التابعة لها، وتطورات المعركة على الأرض، وترسل في المقابل توجيهاتها للمقاتلين من خلال هؤلاء الرسل، والذين قاموا في كثير من الوقت بعمل حاسم للغاية، وساهموا في نجاح الخطط القتالية التي وضعتها المقاومة، رغم المخاطر التي تعرّضوا لها، لا سيما أثناء تحركاتهم التي كانت جميعها محفوفة بمخاطر كبيرة وهائلة.
مواجهة سلاح الكيان الأخطر
وقررت المقاومة مواجهة الكيان بسلاحه الأخطر وهو طائراته المسيرة التي كان لها أكثر حظاً لجمع المعلومات الاستخبارية، أو من خلال تنفيذ عدد كبير من عمليات الاغتيال لقادة كبار في المقاومة، ومقاوميها على الأرض.
ومن أهم الطائرات التي استخدمها الكيان في جمع المعلومات طائرة “جولف ستريم 550 “، وهي طائرات أمريكية الصنع ومأهولة، يُطلق عليها في “الجيش” الإسرائيلي اسم “نحشون شافيت”، وتختص بأعمال “الاستخبار الإشاري”، الذي يشمل الاستطلاع الإلكتروني الراداري، والاستطلاع اللاسلكي.
لكن رغم هذه الإمكانيات الهائلة التي اعتقد الكيان، لم تحقّق أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية إنجازات يُعتد بها، أو تؤدي إلى نتائج مبهرة حسب ما كانت تتوقع، خصوصاً في موضوع تحديد أماكن الأسرى الصهاينة، أو أماكن وجود قادة كبار في المقاومة، باستثناء بعض عمليات الاغتيال لقادة ميدانيين، أو عدد محدود جداً من منشآت تخزين السلاح والعتاد.
ختاماً…
إن أسطورة الاستخبارات التي زعم الكيان ملكيتها، سقطت مذلولة مكسورة بلا فائدة أمام ذكاء وقدرة المقاومة على معرفة صيد ضحيتها بالوقت المناسب وبالطريقة المناسبة، ليصبح جيش الكيان الذي ظن العالم أن لا قوة تجابه قوته، هو مجرد جيش ضعيف لا حول له ولا قوة إذا ما تمت محاربته بالقوة العقلية وإفشاله بالقدرة الفطرية للمواجهة.