أرأيت لو أن أحدهم وضعك أمام خيارين وأوهمك أن لا ثالث لهما عبر عوامل ضغط نفسية وسياسية؟ ومع أنّك تعلم ما الذي عليك فعله إلا أنه يحاول برمجة وعيك للتفكير بما يريد منك فعله!
هذا ما يحاول اليوم الكيان الإسرائيلي تثبيته بسياسة العصا والجزرة من خلال خطة مستقبل غزة ما بعد حركة حماس، فما هي هذه الخطة؟
خطة من وراء الخطة!
أراد رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” حشر الشعب الفلسطيني بين فكي كماشة من خلال طرح خيارين أحلاهما مرّ، مع استمراره بارتكاب المجازر لدفع الفلسطينيين باتجاه فخ الخيار الأول.
والخيار الأول برعاية أمريكية يتمثل بحل الدولتين والقضاء على سلاح المقاومة الفلسطينية وتمكين السلطة الفلسطينية ذات الشعبية المنعدمة في فلسطين من تمثيل الشعب الفلسطيني وإدارة شؤونه، وهذا الخيار يرفضه الشعب الفلسطيني؛ لأنه اختبر سياسة السلطة الفاشلة في تحقيق السلام واستعادة الحقوق لسنوات طويلة ومحطات مريرة.
تلك السياسة التي تعتمد على الصراخ فحسب في أروقة مجلس الأمن والأمم المتحدة، وترديد عبارات “احمونا”، “دافعوا عنا”، “نريد أن نعيش مع إسرائيل بسلام”، فهل يمكن لك تحت مطية الرفق بالحيوان أن تضع عقرباً في حجرك ثم تنتظر أن تمكث معه بسلام دون أن يلدغك؟!
لاستحالة ذلك لا ينتظر الشعب الفلسطيني سوى من المقاومة الفلسطينية استعادة حقوقه وتحرير أسراه، وبيوته، وأراضيه، وأشجاره وقراه.
وبسبب رفض الشعب الفلسطيني للخيار الأمريكي الذي يهدف إلى نزع سلاح المقاومة؛ ابتكر نتنياهو خطة تطويق الخناق على الفلسطينيين تاركاً لهم الخيار الأمريكي كممر آمن وطريق خلاص
فما هي بنود تلك الخطة؟
أعلن نتنياهو يوم الجمعة عن رؤيته لمستقبل غزة بعد القضاء على المقاومة الفلسطينية حماس، وتمثلت ب:
أولاً: السيطرة العسكرية على غزة إلى أجل غير مسمى مع التنازل عن إدارة الحياة المدنية لسكان غزة الذين يكسبون ثقة الكيان الإسرائيلي في خبرتهم بالإدارة وليس لهم علاقة بحماس.
ثانياً: إنشاء منطقة عازلة على طول حدود غزة مع مصر يسيطر عليها جيش الاحتلال الإسرائيلي، بعد اجتياح مدينة رفح الواقعة في أقصى جنوب قطاع غزة ما يجعل معظم سكان غزة يلجؤون لخطر النزوح الجماعي إلى الأراضي المصرية، وهي النتيجة.
ثالثاً: احتفاظ الكيان بالسيطرة على قطعة أرض داخل غزة على طول الحدود مع مستوطنات الغلاف؛ حيث يقوم الجيش الإسرائيلي بهدم آلاف المباني بشكل منهجي من أجل إنشاء منطقة عازلة أخرى.
رابعاً: تفكيك وكالة الأونروا، وكالة الأمم المتحدة الرئيسية العاملة في غزة بحجة اتهام 30 من العاملين في الأونروا بالمشاركة في هجوم 7 تشرين الأول.
خامساً: تفريغ أنظمة التعليم والرعاية الاجتماعية في غزة من المحتوى الداعم لمقاومة الاحتلال حيث تزعم إسرائيل أن المدارس والمؤسسات العامة الأخرى في غزة “تثير التطرف” بحسب تعبيرها.
ونلاحظ في تلك الخطة أن لا دور للسلطة الفلسطينية وبذلك يهدف نتنياهو إلى كسب إجماع فلسطيني شامل لكل الأطراف للتوجه نحو الخيار الأمريكي الذي يبدو أمام تلك الخطة المجنونة أكثر معقوليةً
بماذا يتفقان الخياران الأمريكي والإسرائيلي وبماذا يختلفان؟
يلعب كلا الخيارين على وتر قولبة الوعي الفلسطيني نحو القبول بسياسة الأمر الواقع تحت ضغط الترسانة العسكرية المدمرة؛ وذلك من خلال اتفاق الخيارين على طمس الوجود المقاوم في القطاع ونزع سلاح المقاومة ويختلفان في الطريقة والأسلوب.
وبينما يعطي الخيار الأمريكي فرصة وهمية لحكم الشعب الفلسطيني نفسه من خلال السلطة الفلسطينية التي لا تمثله يعمل الخيار الإسرائيلي على جعل هذا الخيار مقبولاً لدى الفلسطينيين عبر طرحه خياراً أقسى من خلال منطقة آمنة وحكم
عسكري مباشر عبر الجيش الإسرائيلي وغير مباشر عبر جواسيس محليين جدد يختلفون عن “أبو مازن” بالشكل ويتفقون بالوظيفة والمضمون.
إذاً يتفق الخياران الأمريكي والإسرائيلي على تدمير المقاومة الفلسطينية حماس واقتلاع الوجود المقاوم في غزة ولكن يختلفان فيما بعد تدمير حماس ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا بناء على تاريخ العلاقات الأمريكية الإسرائيلية هل يوجد بالفعل خيارين مختلفين أمريكي وإسرائيلي؟ أم أنهما خيار واحد؟
كما ذكرنا في بداية المقال ليس الهدف من خيار نتنياهو الخيار بذاته لأن الجيش الإسرائيلي لم يحقق الإنجازات المطلوبة في المراحل السابقة حتى يستطيع تحقيق إنجازات إضافية في مراحل متقدمة، ولكن الهدف من تلك الخطة هو دفع الفلسطينيين نحو الوقوف على أبواب “جو بايدن” ليرمي لهم حبل الخلاص المزيف وهو “حل الدولتين”.
إذاً فالتنسيق الأمريكي الإسرائيلي عال المستوى سواء في معركة طوفان الأقصى أو في مفاصل القرارات الإسرائيلية عموماً ولا يستطيع الجيش الإسرائيلي الاستمرار بالمعركة دون الدعم العسكري والمالي الأمريكي والأوربي حيث خفضت الدول الأوربية من نسبة تصدير السلاح إلى أوكرانيا منذ بداية معركة طوفان الأقصى ونقلته لدعم الجيش الإسرائيلي.
التظاهر الأمريكي بمعاكسة خطة نتنياهو
يتضح التنسيق الأمريكي الإسرائيلي لإيقاع الفلسطينيين بفخ حل الدولتين أكثر من خلال الرفض البارد الذي حظي به خيار نتنياهو الأخير.
فقد قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي “جون كيربي”: “إن واشنطن طالما كانت واضحة مع نظرائها الإسرائيليين بشأن ما هو مطلوب. وأن الولايات المتحدة لا تؤمن بتقليص حجم غزة… ولا نريد أن نرى أي تهجير قسري للفلسطينيين خارج غزة، وبالطبع لا نريد أن نرى غزة تحت سيطرة أو حكم حماس”.
إذاً فإدارة بايدن ترى القضاء على حركة حماس أمر لابد منه وبذلك تتلاقى في الأهداف الإستراتيجية مع ربيبتها إسرائيل وما الاختلاف في التكتيك إلا تقليب السعب الفلسطيني ومصيره وحقوقه بين نارين ليعلب” نتنياهو” دور الجلاد السيء السمعة لصالح المكاسب السياسية التي سيحققها “جو بايدن” في الانتخابات الأمريكية المقبلة في حال بلع الفلسطينيون الطعم وطرقوا أبواب “بايدن” ليستجدوا “حل الدولتين”.
هل خيار المقاومة هو مشكلة الفلسطينيين؟!
تفترض الخطتان الأمريكية الإسرائيلية على اختلافهما في التكتيك واتفاقهما في الاستراتيجيا أن مشكلة الفلسطينيين تكمن في سلاح المقاومة وفي الخيار المقاوم وإغفال أصل المشكلة منذ وجدت على الأراضي الفلسطينية وهي الاحتلال فلماذا لا يكون الاحتلال هو المشكلة؟
70عاماً أو أكثر، تلك المدة الطويلة التي مضت على احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية لا تعطيها مبرراً على تواجدها في أرض لا تملكها مع مرور الزمن ولا يجعل المشكلة تكمن في دفاع الشعب الفلسطيني عن أرضه لاستعادتها بالقوة كما سلبت منه بالقوة.
إن تمرد إسرائيل على حقيقة أنها كيان محتل والجيش الإسرائيلي مجرم، والقانون الدولي عديم الجدوى، وقرارات الأمم المتحدة عديمة النفع في تحقيق السلام للفلسطينيين؛ يحاول إيهام الفلسطينيين أن سلاح المقاومة هو المعضلة التي يجب استئصالها ليعيشوا بسلام في حين يعلم الفلسطينيون جيداً أن المقاومة هي التي حررت الأسرى واستعادت الأراضي وفرضت المعادلات وكبحت جماح العدوانية الشرسة على مقدسات المسلمين في القدس الشريف، ولا يمكن تحقيق أي سلام مع جهات محتلة ومستطونين متطرفين.
وبذلك تفرض المرحلة الحساسة القادمة مزيداً من الوعي نحو تثبيت انتصار المقاومة الفلسطينية في غزة والصبر على الضغوطات الإسرائيلية المسمومة؛ من أجل فرض خيار يلمع صورة الرئيس الأمريكي أمام الرأي العام، ويسلب صوت الشعب الفلسطيني الذي يبدو اليوم صاخباً أكثر من أي وقت مضى في ظل التفاعل العالمي الغير مسبوق مع القضية الفلسطينية.